حروب الشجب العربية الكبرى
مروان العياصرة
6/16/2010
المقاومة بالشجب اختراع عربي بلا منازع، وأصبح في (المجال التداولي العربي) يكرس بوصفه حربا مقدسة تستطيع أن تحقق نتائج مجزية على المدى ما بعد الطويل، لكن يلزمنا الصبر أكثر، وعليه نسأل، كم يلزمنا من أزمنة الموت والقتل والاحتلال كي يحقق الشجب العربي نتائجه المأمولة بوقف نزف الدم العربي، وأيضا، كم يلزم إسرائيل من شجب كي ترعوي عن غيها وتماديها في الجريمة والإرهاب؟ لقد أرهقنا إسرائيل بالشجب، وقاومناها بالإدانة، وحققنا فتوحات كبرى بالاستنكار، لدرجة أننا لم نخسر شيئا من قوتنا طمعا بأزمنة عربية قادمة تكون أكثر بؤسا وموتا، نكون فيها أكثر قدرة واستعدادا، ربما هذه هي فلسفتنا، لعلمنا بأن القادم من أيامنا سيكون أصعب علينا أن لا نكشف كل أوراقنا في الحرب والمقاومة في زمن واحد، ليس هذا تهكما، بل مقاربة للمفهوم العربي تجاه الشجب بمحاولة استبصارية قارئة للمستقبل غير المشرق، ولنذهب لدفاتر الدم كي نحصي كم حربا للشجب العربي حدثت على قاعدة أضعف الإيمان، نذكر كلنا حين كانت إسرائيل تمطرغزة بالرصاص، وكانت الحكومات الغربية تمدها بالسلاح وتزودها بالعتاد والقنابل التي تستخدم لأول مرة، كانت الحكومات العربية تمطر إسرائيل بالشجب والاستنكار والإدانة، ونذكر حين كان الأقصى يتعرض للتدنيس، واليوم للحفريات والاعتداء، كيف مارسنا دور البطولة في الشجب والإدانة، والاعتداء الصهيوني على أسطول الحرية ما صحبه من صخب الشجب وضجيج الإدانات لن يكون الأخير في صور البطولة العربية للشجب.
ربما كان الشجب يجدي لو كان مخططا له أن يؤدي دورا وظيفيا محددا في زمن محدد، وربما كان يمكن لنا أن نقول إننا نخوض حرب الشجب وفقا لمراحل ومواقف تتصاعد تبعا للظروف والأحوال، لكن المؤسف أن الشجب العربي صالح لكل زمان ومكان، ووصفة عربية رسمية مجانية لكل المواقف والظروف، وما زلنا قادرين على أن نشجب أكثر، وأن نخوض كل حروبنا بذات السلاح ذي القدرة العكسية الفتاكة.
ربما أعود بالتخيل لأول محاولة شجب عربية، لا أذكرها، لكني افترض أنه كان شجبا مصحوبا بالغصة والألم نظرا لأننا لم يكن بإمكاننا أن نفعل أكثر مما كان، ثم ما لبثنا من كثرة ما شجبنا أن أصبح عاديا، بدون غصة ولا ألم، ثم ما لبث أن أصبح فعلا طبيعيا، ثم ما لبث أن استطاب لنا طعمه، وأصبحنا كمن يلحس المبرد، ينز دمه من لسانه فيظنه دم ضحيته، وهكذا نحن، استطاب لنا طعمه، وأوهمنا أنفسنا لدرجة التصديق أنه يجدي، وانه رهان رابح، وبما انه منتج حربي غربي، حاز الاعتمادية الغربية والامتياز العالمي، فإننا نخوض حروبنا باستعدادات عالية من التبعية والاستلاب، وليس ثمة بين الشجب والاستلاب مسافة، فكلاهما يمثلان عربيا حالة متقدمة من الانحياز لقضايا الآخر على حساب قضايانا، بدليل أننا نمارس ثنائية الحرب والسلام بأدوات ذلك الآخر، وبما يتوافق معه ومع مصالحه، وعلى كل حال فالشجب كما الاستلاب في تحليل الفيلسوف الفرنسي (بول ريكور) الــذي وصل به الحد في وصف الاستلاب بأنه كيان مريض، كلاهما كيانان مريضان.
ولست اعلم على أي معنى نتكئ نحن العرب في التأصيل اللغوي أو الاصطلاحي لمعنى الشجب، فثمة معنى لشَجَبَ وهو الهلاك (شجب وأشجب فلان أي أهلكه الله)، وثمة معنى آخر، شجب فهو شاجب، وتعني الذي يتكلم بالرديء والناطق بالخنا والمعين على الظلم، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الناس ثلاثا، شاجب وغانم وسالم)، والمعنى الأخير الذي يحضرني من لسان العرب لابن منظور أن الشجب سقاء يابس يجعل فيه الحصى ثم يحرك لتذعر فيه الإبل، ربما كنا نتكئ على كل تلك الإفادات اللغوية، بما يفيده الشجب من الدعاء بالهلاك والإهلاك، أو تماما كمن يقرع بالحصى في وعاء يابس واهما أن ذلك يخيف أو ينتج أثرا أو يحقق هدفا، اللهم إلا إذا كان أعداؤنا كالإبل تخشى قرع الحصى، إلا أننا حتما لسنا نعني بالشجب النطق بالخنا والرديء أو أننا نعين على الظلم، لأن ذلك ليس من شيمنا نحن(بنو الشجب)، وللحقيقة فإن بني الشجب هم قبيلة في العرب وبطن من بطون كلب، وكلب هذه من قضاعة من حمير من قحطان ويرجع نسبها إلى كلب بن وبرة، وكانت تمتاز بالفروسية والشجاعة والقوة، وكانت أقوى العرب في العصر الأموي، وحين نقول إننا بنو الشجب ليس ذلك انتسابا للقبيلة العربية، بل الانتساب للمعنى اللغوي والاصطلاحي، وانتسابا للكيان المريض حسب (بول ريكور)، فنحن امة.. قولنا شجب وخطابنا استنكار، واستجابتنا للتحدي بالإدانة، فأي مشروع عربي نؤسسه في موازاة المشاريع الإقليمية القابلة لان تكون مشاريع ناجزة من خلال القدرة على التحدي الحضاري لدولها.
الحديث عن الشجب، من باب أولى أن يصنف أيضا على انه شجب، حتى لو كان (شجباً للشجب)، فالنتيجة واحدة، لن نستطيع أن نقاوم ما تعود عليه العرب أعواما طويلة من حروب الشجب وحفلات الاستنكار ومؤتمرات الإدانة، وربما لا يليق إزاءه سوى الصمت، وحتى الصمت هو خزي وعار، لكنه عار أقل مستوى من أن يتمخض جمل العرب فيلد فأراً.
' كاتب أردني
(marwan.jordan@hotmail.com)