هل ستنقذ بوديستا نظام المالكي ؟
هيفاء زنكنة
May 5, 2014
من الاخبار التي تستحق العودة اليها لأهمية توقيتها وربما انعكاسها على نتائج الانتخابات العراقية، حقيقية كانت ام مزيفة، هو قيام نظام نوري المالكي بتجديد عقد علاقات عامة، بقيمة مليون دولار، ولمدة سنة واحدة، مع مجموعة بوديستا الامريكية للعلاقات العامة وذلك حسب الصيغة الرسمية المعلنة للخبر، ل ‘تعزيز فهم الولايات المتحدة لأولويات واهتمامات الحكومة العراقية’.
يهدف العمل، الذي سيستمر طوال عام 2014، إلى ‘تعزيز أهداف اتفاقية الإطار الاستراتيجي’ وتسهيل الحوار مع الكونغرس الأمريكي وإدارة أوباما. سوف تطور ‘بوديستا’ خطة للعلاقات العامة والاتصالات الاستراتيجية وكذلك خدمات اخرى، وتقدم للعراق تقارير مكتوبة شهريا لتلخيص جهودها ومسار تقدمها في تحقيق اهداف الحكومة العراقية. سيكون لقمان عبد الرحيم الفيلي، سفير النظام في الولايات المتحدة، ممثلا للعراق لدى الشركة ومقرها واشنطن. ويقوم
العراق، بالاضافة الى قيمة العقد، بتسديد فاتورات الاعلانات والدعوات وحضور الامسيات والاتصالات التي تجريها الشركة لصالح النظام مما يعني ترك بند المصروفات الاضافية مفتوحا حسب ‘ نزاهة’ الطرفين.
النقطة المهمة التي يجدر الانتباه اليها في توقيع العقد مع شركة بودستا للعلاقات العامة هي توقيت التوقيع والذي تم قبل 20 يوما تقريبا من الانتخابات البرلمانية بالعراق. الا يعني هذا التوقيت ان نوري المالكي اما واثق من فوز كتلته ‘ دولة القانون’ في الانتخابات، بعد تحييد المناطق الساخنة القديمة في وسط وشمال البلد عبر حملات متكررة وتعريض مدن الأنبار وقرى متعددة في المحافظات الإخرى للحصار أوالقصف أوالتهجير وتأجيج الإصطفاف الطائفي مرة أخرى، او انه يأمل في حال تخلي حلفائه عنه الى بيع نفسه بصورة ‘مغرية’ للادارة الامريكية عبر شركة العلاقات العامة وتهديد حلفائه بملفات الفضائح على اختلاف مستوياتها، ومن خلال الاستفادة من التسويف الطويل بتأجيل الاعلان عن النتائج ومن ثم التسويف بتشكيل الحكومة كما حدث في انتخابات 2010 ؟
يبدو ان توقيت توقيع العقد مع بودوستا ضروري لبقاء المالكي وحزب الدعوة والا لم توقيع العقد من قبل حكومة على وشك انتهاء الصلاحية؟ وما هي هذه الشركة وما الذي ستقوم به لتستحق عقدا كهذا؟
تأسست شركة ‘بودستا’ للعلاقات العامة عام 1988 من قبل الاخوين جون وتوني بودستا. كلاهما من مؤيدي الحزب الديمقراطي ويعمل جون كمستشار للرئيس اوباما بينما يتفرغ توني لادارة شركة بودستا التي تعتبر واحدة من اكثر شركات الضغط (اللوبي) تأثيرا بواشنطن. وقد واصلت الشركة عملها على الرغم من اعلان اوباما، اثناء حملته الانتخابية، رغبته في وضع حد لسيطرة او تغلغل شركات العلاقات العامة وسياسة اللوبي الذي تمارسه على الادارة الامريكية لتثبيت او تغيير سياستها محليا وعالميا.
فيما يخص النظام العراقي يعتقد توني بان مشكلة النظام مع ادارة اوباما بدأت حين لم يتم الاتفاق حول تمديد حصانة القوات الامريكية المقاتلة وفق الاتفاقية الامنية التي تم توقيعها مع ادارة بوش في عام 2008. المعروف ان عدم موافقة نظام المالكي لم تكن ناتجة عن رغبته في التخلص من قوات الاحتلال بل بسبب مزايدات القوى الأخرى المشاركة بسلطة الإحتلال التي أستوعبت النقمة الشعبية والسياسية وهي النقمة التي تعاظمت جراء سلسلة من المجازر التي ارتكبتها قوات الإحتلال في أنحاء العراق وجرائم القتل على السيطرات وكلها مشمولة بالحصانة من العقاب، وأغلبها نشرت ويكيليكس توقيتها الرسمي في وقت مفاوضات الحصانة تلك.
فما الذي ستفعله شركة بوديستا لتبييض وجه نظام المالكي او شخصه وحزبه ليصبح بضاعة مرغوبة واعادة تدويرها للاستهلاك، وان انتهت مدة صلاحيتها؟ وماهي نسبة نجاح توني بوديستا خاصة وانه هو من يقدم نفسه في موقعه الالكتروني، تحت شعار: ‘كثيرون في واشنطن يقولون لك ما يحدث لك الآن. بوديستا تساعدك على تغيير النتائج’؟
لشركة بوديستا قصص نجاح متعددة على مستوى
امريكا خاصة في تسويق الشركات الاحتكارية الكبرى، بدءا من شركات النفط الى صناعات التسلية . كما عملت على مستوى الدول كما في البانيا واوكرانيا. وتعتمد في نجاحاتها على موظفيها ومستشاريها من دبلوماسيين وساسة سابقين في الادارة الامريكية، ممن يعرفون كيف تدار الامور ومتى وأين.
ولكن، ماذا عن التعامل مع العالم العربي؟ لبوديستا سمعة اقرب ما تكون الى سمعة أمريكا في البلاد العربية. فهي قريبة من الحكام وبعيدة عن الشعوب. وافضل مثال على ذلك علاقة الشركة بنظام حسني مبارك بمصر. حيث وقع النظام عقدا مع شركة بوديستا وست شركات علاقات عامة اخرى، حماية لمصالح النظام وللمحافظة على دفع الادارة الامريكية لميزانية الجيش المصري البالغة ما يقارب المليار ونصف دولار سنويا. وكثفت الشركات عملها تزامنا مع تصاعد حركات الاحتجاج الجماهيرية الداعية الى اسقاط النظام. وكانت بوديستا قد وقعت عقدها مع النظام المصري عام 2007 باجر يزيد على المليون دولار سنويا بالاضافة الى المصاريف الاخرى. وانصب عمل شركة بوديستا على تقوية علاقة النظام المصري العسكرية بامريكا ومتعاقدي الاسلحة الكبار حسب مجلة ‘صالون’ الامريكية المعروفة في 28 كانون الثاني/يناير 2011.
والمفارقة هي كيف يقوم نظام المالكي بالسير على ذات الطريق الذي قاد حسني مبارك الى التمدد متظاهرا بالمرض وهو يرتدي نظارات شمسية في قفص الاتهام. فالعقد مع شركة بوديستا هو بذات القيمة والهدف هو ذاته . ان يتم تحسين صورة نظام المالكي لدى السيد ضد الشعب. انه الدور الكلاسيكي الذي تحدث عنه الناشط الحقوقي والمغني الامريكي الاسود هاري بيلفانتو عندما وصف دور وزير الخارجية الامريكي الاسود كولن باول في شن الحرب على العراق، قائلا بانه دور العبد الذي يريد ارضاء السيد على حساب بني جلدته، لكي يرضى عليه السيد ويرفعه الى منصب رئيس الخدم في بيت السيد.
الجدير بالذكر ان توقيع العقد مع شركة بوديستا أو على الاقل الاعلان عنه رسميا قد تم يوم 9 نيسان/ابريل وهو ذات اليوم الذي تم فيه احتلال بغداد وهو ذات الشهر الذي جرت فيه الانتخابات الحالية . مما يعني ان النظام الحالي برئاسة نوري المالكي واثق من ان ‘التغيير’ نتيجة الانتخابات لن يحدث. و’التغيير’ لمن لايعرف، مصطلح يستخدمه، بكثرة، هذه الايام، خصوم المالكي في العملية السياسية التي أنشأها الإحتلال وهم ليسو أقل فسادا أو جرما منه ومن نظامه، للتضليل الاعلامي حول طبيعة الحكومة المقبلة.
وهذا التغيير، أن حدث فلن يعدو الا التسابق في ذات السياسات المبنية على هدر ونهب الثروة الوطنية والتلاعب الأقليمي وابقاء أغلب الوجوه في مناصبها. ان النظام بهيكليته الحالية المبنية على الطائفية والفساد سيبقى مسلطا على عنق العراق لسنوات مقبلة، ما لم يحدث تغيير حقيقي نابع من حركة جماهيرية تزيح الساسة الذين ساروا خلف دبابات الاحتلال، الذين تزودهم شركات العلاقات العامة الامريكية المقربة من سلطة المحتل باقنعة تمدد فترة بقائهم في السلطة ولو الى حين.
‘ كاتبة من العراق