حين يقول الحاكم العربي...العراقي نعم سيدي / هيفاء زنكنة
اقتباس :
حين يقول الحاكم العربي...العراقي نعم سيدي / هيفاء زنكنة
19 /06 /2015 م 03:09 مساء
نحن في وضع لا نحسد عليه، فالعراق الأبي، المعروف تاريخيا بمحاربة الغزاة، محتل رسميا، للمرة الثانية، بدعوة من ساسته وحكومته، بعد مرور أربعة أعوام فقط على جلاء قوات الاحتلال رسميا عام 2011م.
وإذا كان البعض لا يزال يتذكر تبرير حكومة حزب البعث لاحتلال الكويت عام 1990م بأن الكويتيين « نادوا فلبينا النداء»، فإن حكومة «العراق الجديد»، ممثلة برئيس وزرائها حيدر العبادي، من حزب «الدعوة الإسلامي»، لا تنادي فحسب بل تستجدي الاحتلال بأي شكل كان.
مما يذكرني بتعليق صديق تونسي واصفا حال الأمة العربية، قائلا بسخرية مريرة: «لعلنا الوحيدين بالعالم الذين ندفع أموالا طائلة لأعدائنا ليقوموا بقصفنا وقتلنا».
وقد تجلت حالة استجداء العدو/ المحتل المهينة، بأوضح صورها في لقطات فيديو وضع على اليوتيوب (انصح بمشاهدته) ولقي انتشارا واسعا، فاتحا الأبواب أمام مخيلة رسامي الكاريكاتير والتعليقات الساخرة التي اختلط فيها التهكم والتشفي بالشفقة والإحساس بالإهانة.
تم تصوير الفيديو خلال قمة الدول السبع التي عقدت في ولاية بافاريا الألمانية، ظهر فيه حيدر العبادي ووزير التخطيط سلمان الجميلي (كممثلين لحكومة العراق الجديد) وهما يتوجهان ببطء متردد نحو مصطبة جلس عليها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي كان يتحدث مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، ورئيس الوزراء الإيطالي.
جلس الاثنان على ذات المصطبة وراء ظهر أوباما، حاول العبادي، بكل الطرق الجسدية الممكنة، من التململ إلى التظاهر بالحديث مع الجميلي، اثارة انتباه اوباما ليتحدث معه، إلا أن اوباما بقي مديرا ظهره للعبادي والجميلي، متجاهلا اياهما تماما.
ثم وقف اوباما وابتعد مغادرا المكان بدون أن ينظر إلى الاثنين، وقف العبادي والجميلي للحظات، كطفلين تائهين لا يعرفان أين امهما، نظر العبادي إلى ساعته متظاهرا بأنه تأخر على موعد ما، ثم جرجر الإثنان نفسيهما متسللين بالاتجاه الآخر لأوباما بشكل مذل.
هل أراد «السيد» أوباما، علانية، بعيدا عن منصات الخطب واللقاءات السرية حيث تتم صفقات البيع والشراء، تلقين حكومة العبادي المتأرجحة ما بين طاعة سادة ولاية الفقيه من جهة وسادة البيت الأبيض من جهة أخرى، درسا علنيا في وجوب طاعة سيد واحد لاغير؟.
يلخص الفيديو، على قصره، نوعية العلاقة التي تقوم ما بين ادارة الاحتلال والحكومة المحلية بالنيابة، ما بين السيد وخادم المنزل، خادم المنزل هو الذي تمت ترقيته، بعد أن أثبت ولاءه المطلق للسيد، من مستوى العبد المستخدم في الحقول بعيدا عن السيد لأن السيد لا يثق به وقد يثور ضده.
وبينما يبقى هدف خادم المنزل الحصول على رضا السيد إلا أنه لا يجد غضاضة في الخضوع لسيد آخر؛ لأنه إما بحكم الخنوع المستديم أو الرغبة بحماية نفسه، أو كلاهما سوية، لا يتحرك بمعزل عن «السيد» أيا كان، ففي داخله خنوع، مزمن يعيق تفكيره أو تصرفه بحرية في حضور «السيد»، كما يمنعه من فهم معنى الحرية والاستقلال.
تبقى هذه المعاني نائية عن محيط تفكيره لأن من يقف أمامه كجسد هائل الحضور هو «السيد»، وتغيب آفاق الحرية في ظله، هنا يهيمن «السيد / المحتل»، مهما كان فاقدا للأخلاق والحس الانساني، على عقل العبد – خادم المنزل – الحاكم بالنيابة – بأساليب متعددة تراوح ما بين القوة العسكرية ومنحه مذاقا يستطيبه ولا يشبعه وهو مذاق السلطة على أبناء جلدته.
إن هيمنة الاحتلال، أيا كانت هوية المحتل، أمريكيا كان أو اسرائيليا، ايرانيا أو سعوديا، تهدف إلى محو هوية الشعب المحتل، وصياغته حسبما يراد، ومن ثم محاولة إبادته، إن لم تتمكن من إخضاعه، كما يحدث يوميا بفلسطين، مستخدمة في ذلك كل الحجج والذرائع العسكرية و «الانسانية».
وإذا كانت الأساليب العسكرية واضحة للعيان وتستدعي المقاومة كرد فعل طبيعي، فإن حجج «التدخل الانساني» وحماية الشعب المحتل من «المنظمات الإرهابية»، تحت مسميات متنوعة، تثير الالتباس، خاصة، مع تعاظم دور الإعلام التضليلي وتحريك الفتن الدينية والقومية والطائفية، ليكون الهدف النهائي إلهاء الشعب عن العدو الأساسي / السيد ومن يتغذى على وجوده، فيصبح ما يفرزه الاحتلال وحكامه هو الكارثة، والمحتل هو المنقذ، بعد طغيان الحاكم المحلي ووضعه في الواجهة أمام الشعب.
الحاكم المحلي، إذن، هو الدرع البشري المنقذ للمحتل إن لم يكن بشكل مباشر فبشكل غير مباشر، في حالة العراق ساعدت سياسة النظام الذي انساق طوعا لسياسة المحتل، في بناء نظام المحاصصة الطائفية، العنصرية، وقمعه واضطهاده وتمييزه بين أبناء الشعب استنادا إلى هذه المحاصصة، على تبييض وجه المحتل، وتغييره من محتل ارتكب من جرائم الحرب ما يستدعي المحاكمة، وفق القانونين المحلي والدولي إلى سوبرمان يضحي بحياته لإنقاذ العراقيين من «الإرهاب» ، والكل يعلم من هو صانع الإرهاب الأول في العالم.
يقول أوباما «ليست لدينا استراتيجية في العراق» إلا أنه لا يتوانى عن تخصيص أكثر من مليار ونصف المليار دولار لعملياته العسكرية في العراق، في العام الماضي، وهو ما سيتنامى بعد إرسال مئات «المستشارين» الإضافيين كمساعدة إلى حكومة يستنكف محادثة رئيس وزرائها، وتستمر قواته في تنفيذ أكثر من 3200 ضربة جوية في العراق وسوريا، على 5780 هدفاً يدعون بأنها لتنظيم الدولة الاسلامية وكأن التنظيم موجود في العراء، لا في المدن والأحياء المستهدفة (ونحن نعلم تخاريف دقة الاستهداف)، وكأن ملايين المهجرين العراقيين قد أتوا من اللا مكان، فهل هو الأعمى يقود العميان أم أنها منهجية تفريغ العراق من أهله للاستيلاء على ثروته وأرضه؟.
حذر المفكر الراحل فرانز فانون، في ما كتبه عن الجزائر، بصدد انسحاب قوات الاحتلال وقضية التعاون مع الأمة المحتلة سابقا، قائلا: « إن التاريخ يبين أن ما من أمة كولونيالية تقبل بالانسحاب من دون استنفاد امكانيات بقائها كافة».
التحذير لا يزال فعالا لئلا نقع في مطب الوهم الذي تغرده حكومة العبادي بأن المحتل عاد إلى العراق لمساعدتنا ضد «المنظمات الإرهابية» أو، وهنا قمة المهزلة، «أننا نقاتل الإرهاب لصالح العالم»، كما يدعي العبادي في حضرة «السيد».
وإذا كانت الولايات المتحدة قد وصلت، عام 2011م، إلى حافة استنفاد امكانيات بقائها، بعد أن أذاقتها المقاومة العراقية مرارة الهزيمة، فإن حكومة العبادي، على خطى حكومة حزب الدعوة السابقة، واصلت فتح أبواب العراق أمام اثنين من المحتلين هما الأمريكي والإيراني في آن واحد، والثاني مسموح به من قبل الأول كحليف على مضض، ليثبت ساسة « العراق الجديد» بأن طموحهم الأول، كما يقول الكاتب الجزائري البير كامي: إن يتساووا مع ذلك النموذج المرموق، أي المحتل، أن يكونوا شبيهين به لدرجة الذوبان فيه، فالحرية مسؤولية ثقيلة وهم مثقلون بالخنوع.