تحليل: طائفية حكومة المالكي وتهميش الوحدات السنية والإرهاق من مواجهة «القاعدة» تتصدر أسباب إنهيار جيش «المليون جندي» خلال أيام
June 13, 2014
أربيل ـ الأناضول: أثار الانهيار المفاجئ الأخير لمنظومة الجيش العراقي، أمام زحف مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ومسلحين سنة متحالفين معه، غربي البلاد، تساؤلات كثيرة وكبيرة، خاصة في ظل التباين الكبير في العدد والعتاد لصالح الجيش الذي يبلغ قوامه نحو «مليون جندي» بضم أعداد القوى الأمنية والميليشيات المسلحة الموالية له.
وبالعودة إلى الأسباب والعوامل التي كانت وراء «الانتكاسة الكبيرة» للجيش، حسب ما وصفها مراقبون، يظهر جلياً أن نقطة أساسية يجب أن توضع خارج هذه المعادلة، وهي نوعية الأسلحة والمعدات التي يمتلكها كل طرف، حيث تميل الكفة بشكل واضح لصالح الجيش العراقي الذين تخصص له الدولة ميزانية سنوية تفوق 100 مليار دولار، وتشتري له أسلحة نوعية ومتنوعة من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وحتى إيران، وفق ما ذهبت إليه تقارير استخfاراتية ورسمية مؤخراً.
وفي المقابل، فإن مسلحي «داعش»، مجهزون بأسلحة خفيفة ومتوسطة، ابتاعوها من السوق السوداء، أو غنموها من الجيشين العراقي والسوري النظاميين عبر تقدمهم في ميادين القتال في البلدين (سوريا والعراق) اللذين ينتشر بهما عناصر التنظيم.
ولعل الأحداث المتسارعة التي جرت خلال الأيام القليلة الماضية، تظهر أن الانهيار المفاجئ يتصل في الأساس بهيكلية القوات العراقية التي أثرت عليها الانقسامات السياسية والطائفية العميقة في البلاد والتي تزايدت على نحو متصاعد العام الماضي منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في المحافظات السنية ضد حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الشيعي. إضافة إلى انعدام الثقة والتأييد الشعبي للقوات العراقية خاصة في المحافظات السنية، شمالي وغربي البـلاد، على خلفية الانتهاكـات التي يتهمها بهـا السكان.
ويشكو سكان العراق من طائفة السنة على مدى السنوات القليلة الماضية من «انتهاكات» عناصر الجيش لحقوقهم، إضافة إلى الاعتقال التعسفي لبعضهم، واقتحام منازلهم والتنكيل بهم على نحو مخالف للإجراءات القانونية التي تقتضي الحصول على أمر قضائي، وكذلك الزج بهم في السجون، وعدم النظر في قضاياهم لفترات طويلة. وطالما طالب السنة بسحب قوات الجيش من مراكز المدن، وإسناد المهام الأمنية إلى قوات الشرطة المحلية، لكن هذه المطالب لم تلق آذانا صاغية لدى المالكي، الذي هو بطبيعة الحال القائد العام للقوات المسلحة، وهو المعني بتعيين قادة الفرق وكبار ضباط الجيش، حتى أنه لم يتبع الآلية المنصوص عليها بالقوانين السارية التي تستوجب حصول كبار قادة الجيش على ثقة أعضاء مجلس النواب (البرلمان) قبل تعيينهم في مناصبهم، بل قام بتعيينهم بقرارات فردية.
ملاحقة القادة السنة
ولاحقت حكومة المالكي قادة سنة بارزين، ووجهت إليهم تهما بـ»دعم فرق الموت»، إبان فترة أعمال العنف الطائفية في البلاد الممتدة بين عامي 2006 و2008، ودفعت بعدد منهم إلى الفرار خارج البلاد، فيما وقع آخرون في قبضة أجهزة الأمن وصدرت بحقهم أحكام إعدام.
ويرفض قادة السنة الاتهامات الموجهة لهم والأحكام الصادرة بحقهم ويتهمون القضاء بـ»الخضوع للسلطة التنفيذية التي يتهمونها بالطائفية».
وزادت الانقسامات الطائفية في العراق بعد رحيل القوات الأمريكية عن البلاد أواخر العام 2011، قبل اكتمال البنية السياسية والأمنية الوطنية في البلاد التي احتلتها بدعم غربي عام 2003.
ومنذ كانون الأول/ديسمبر عام 2012 تشهد أنحاء مختلفة من العراق مظاهرات حاشدة تطالب بإلغاء المادة الرابعة من قانون الإرهاب، بجانب مطالب أخرى من بينها: إسقاط حكومة المالكي، والتوقف عن ملاحقة سياسيين سنة، وإطلاق سراح معتقلين ومعتقلات في السجون دون محاكمات، وإجراء إصلاحات في الجيش والأمن وتوفير الخدمات.
وبينما يقول متظاهرون إن السلطات العراقية تستخدم المادة الرابعة من قانون الإرهاب للنيل من خصومها وأنها تستهدف بصفة خاصة المواطنين السنة، ترفض السلطات العراقية إلغاء هذه المادة، معتبرة أن الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق لا تسمح باتخاذ مثل هذه الخطوة في الوقت الراهن.
ورغم أن هناك اتهامات تطال القضاء العراقي بـ»الخضوع للسلطة التنفيذية»، فإن الأحكام التي توصل إليها القضاء بحق قادة السنة، قابلها وقف القضاء «مكتوف الأيدي» بشأن قادة شيعة كانوا يقودون مليشيات مسلحة إبان الحرب الطائفية، ومارست أعمال القتل على الهوية بحق السنة، وفق قادة سنة.
احتضان الميليشيات الطائفية
والأمر الذي زاد الانقسام في المجتمع ورسخ الطائفية إلى حد وصول الوضع إلى حد الانفجار، هو احتضان الحكومة لقادة الميليشيات الشيعية المدعومة بطبيعة الحال من إيران مثل حزب الله العراقي، وعصائب أهل الحق وغيرهما.
ويُنظر إلى قادة الفصائل الشيعية على أنهم مقربون من المالكي، حيث اعتمد الأخير على مليشيات شيعية في الأشهر الأخيرة، لصد زحف (داعش)، والمتحالفين معها في محافظتي الأنبار (غرب)، وديالى (شرق)، وتواترت الأنباء بشأن انتهاك الميليشيات حقوق السكان السنة، وقتلهم على خلفية الهوية.
وفي المقابل، همشت الحكومة العراقية دور الوحدات السنية المسلحة من أبناء العشائر أو ما يسمى «الصحوات» التي شكلتها القوات الأمريكية عام 2006، لمحاربة تنظيم القاعدة، وطرده من غرب البلاد، ونجحت تلك الجهود بالفعل.
وبعد خروج القوات الأمريكية من العراق نهاية 2011، عمدت حكومة المالكي إلى تحجيم دور الصحوات، ودمج الكثير من عناصرها في وظائف مدنية، وترك عشرات آلاف آخرين من دون رواتب، لدوافع طائفية، حسب تفسير بعض المراقبين.
هذه العوامل وغيرها، شكلت يوما بعد آخر عداء غير معلن بين قوات الجيش العراقي، وسكان المناطق ذات الأغلبية السنية، إلا أن ما زاد من هذا العداء بصورة أكبر، محاصرة الجيش ساحات اعتصام المحتجين على سياسات المالكي واقتحامها وقتل العشرات منهم في الرمادي بمحافظة الأنبار (غرب)، والحويجة بمحافظة كركوك (شمال) عام 2012.
وتشهد محافظة الأنبار غربي العراق، ذات الأغلبية السنية، منذ بداية عام 2014 اشتباكات متقطعة بين قوات الجيش وبين ما يعرف بـ «ثوار العشائر»، وهم مسلحون من العشائر يصدون قوات الجيش، التي تحاول السيطرة على مدينتي الرمادي والفلوجة.
وجاءت تلك الاشتباكات على خلفية اعتقال القوات الأمنية النائب البرلماني عن قائمة متحدون السنية، أحمد العلواني، ومقتل شقيقه، يوم 28 كانون الأول/ديسمبر الماضي. كما ساهم في الانهيار السريع للجيش العراقي، افتقار الجندي إلى الولاء للوطن أو الدافع للقتال في معركة الدفاع عنه، وذلك يعود إلى هيكلية الجيش نفسه، التي تأثرت بالانقسامات السياسية والطائفية والعرقية التي تشهدها البلاد، وانحياز الانتماء نحو الطائفة والقومية قبل الوطن.
وهذا الأمر يفسر بصورة جلية الانهيار المفاجئ من شمال البلاد إلى أعتاب بغداد في غضون يومين، حيث دخل مسلحو (داعش) وحلفاؤها مدينة الموصل (عاصمة محافظة نينوى) ثاني أكبر مدن العراق، الجمعة الماضي، وصولا إلى السيطرة الكاملة عليها الثلاثاء، والزحف خلال يوم واحد نحو محافظة صلاح الدين (شمال)، والسيطرة على مركزها (مدينة تكريت)، فضلا عن مناطق في محافظة كركوك، ومن ثم التوجه نحو مدينة سامراء التي تضم مراقد مقدسة لدى الشيعة كان تفجيرها عام 2006 سببا مباشرا لاندلاع حرب طائفية قبل سنوات، وبات المسلحون على بعد نحو 100 كم من بغداد، وقريبين من الحدود الإيرانية بعد سيطرتهم على بلدة «جلولاء» شمال شرقي بعقوبة مركز محافظة ديالى (شرق). كما أن إنهاك الجيش العراقي على مدى السنوات الماضية في حربه ضد القاعدة وتنظيماتها التي شنت هجمات عنيفة على مدى السنوات العشر الماضية على أفراده ومقاره في أرجاء البلاد، ساهم في سرعة انهياره.
ويبدو أن المالكي، تنبه إلى هذه المسألة فعمد إلى إشراك ميليشيات شيعية مدربة تدريبا جيدا، ومدعومة من إيران، حيث أفادت عدة تقارير في هذا الشأن بأن الميليشيات كانت تقاتل في الصفوف الأمامية، ويرتدي أفرادها زي أجهزة الأمن من الجيش والشرطة في مساعي الحكومة العراقية، لكبح جماح المتشددين الإسلاميين في محافظات الأنبار (غرب)، وصلاح الدين وديالى (شمال) وغيرها، قبل هجمتهم الأكبر من نوعها قبل أيام.
وعزز المالكي هذا الواقع، عندما أعلن، بعد سقوط نينوى بيد (داعش) وحلفائها، الثلاثاء الماضي، أن حكومته ستقوم بتشكيل جيش رديف من المتطوعين بعد أن تحدث عن «خدعة ومؤامرة» لم يبيّن أطرافها، وتخاذل من قبل بعض قادة الجيش، في إشارة إلى تواطؤ بين قادة عسكريين سنة مع المسلحين أدى إلى انسحاب القطعات العسكرية العراقية من مواقعها دون قتال. وإذا ما كان المالكي سيعمد بالفعل إلى الاعتماد على ميليشيات شيعية دون أن يحاول استمالة عشائر سنية، لطرد جماعة (داعش) من المناطق التي سيطرت عليها، فإن ذلك سيفتح الباب أمام حرب طائفية مفتوحة قد تؤدي بالعراق إلى «دولة فاشلة»، وهو الخطر الذي تواجهه سوريا بعد أكثر من 3 سنوات من الصراع فيها.