[size=32]الشاعر سالم جبران[/size] نبذة(1941)
"البقيعة - الجليل"
أعماله الشعرية :
قصائد ليست محدّدة الإقامة (دار الآداب، بيروت، 1970م).
كلمات من القلب (دار القبس العربي، عكّا، 1971م).
رفاق الشمس (دار الحرية للطباعة والنشر، الناصرة، 1975م).
البداية سالم جبران يطلق الكلمة
سالم جبران في ديوانه الثالث رفاق الشمس * يستمر في عرض وطنيته الصادقة وإنسانيته الثائرة بكلمات جماعها الثورة والرفض ، وهو لا يجد متسعًا من وقته أو من ذاته لانتقاء العبارة ذات الإيحاءات أو الجمالية ، فشأنه أن يصل إلى الجمهور ، والجمهور بحاجة إلى شعراء يسجلون ألمه وأمله بطرق تعبير مختلفة كاختلاف مشارب الناس .
وأنا أرى أن الشعر على أصناف ، ولكل صنف رواده ومحبوه ، فكم من مستوى معروض في واجهات واقعنا ، وشاعر الزجل شاعر يألفه البعض بينما يمر عنه البعض ضاربًا كشحًا ، وشاعر يرقع العبارات أو يسرقها خلسة لا تكسد سوقه.
إذن فالمسألة أصعب من جعل الدائرة مربعًا ، وأنت المشتري ، فما هي خبرتك في الشراء أولا ؟
وسالم جبران لا إنكار أنه علم بين شعرائنا ، ويعود ذلك في حسباني لموقفه السياسي ، فهو يصف الواقع بجرأة.. بتحد ..وبعنفوان ، وهذه أضفت على شعره مسحة البطولة ، فهو إذ يقول :
" ابن العشرين يقاتل
وابن السبعين يقاتل
والتي مات أخوها
تنسج الصوت لمن قام مكانه
والتي مات فتى أحلامها
خرجت تحمل بارودته " (رفاق الشمس ص37)
لا يملك الفلسطيني إلا أن يحس فعل الشعر ، فليست القضية في نظره مفتقرة إلى خيال وإيحاء وجمالية ، بل إنها حكاية موت.
ومرة أخرى ، فإن حقل الأدب يتسع لجميع الأزهار ، وزهرة سالم سقاها من دم قلبه الغض أعوامًا وأعواما (رفاق الشمس ص 47).
وهي مطلة علينا رغم أنها تقول لنا كل شيء وتحكي لنا نثرًا ، وهي لا تعرف نصف الإضاءة أو الشفافية، إنما الجهارة المكشوفة .
وشعر سالم ليس على نسق فني واحد ، فهو إذ يصعد بنا يجعلنا نهبط بلا سابق تنبيه . يقول الشاعر :
" أبحث عن أغنية جديدة
عذراء خضراء
تمد راحتيها
عبر ليل الموت " (رفاق... ص30)
فهذا صعود وتحليق فيه نشوة الامتزاج وفيه لذة الاستكشاف والافتضاض *
ولكنه يقطع علينا رحلتنا الماتعة إذ يقول متابعًا :
" للعوالم السعيدة "
فهنا نحس ( أو أحس ) كأن حجرًا ثقيلاً يلقى ، فينغص علينا هذه العوالم من قبل أن نلقاها ...
ولننظر إلى قوله :
" أجمع أشلاء اللوز المذبوح على أطلال قرانا " (رفاق... 11)
فهنا نرى صورًا غنية بالفاجعة موقظة للضمير الإنساني ، وإذا بالشاعر يقول بعدها : " وأجادل "
وهاك مثلا آخر على أن الشاعر لا يعدم التركيز والكثافة ، لكنه سرعان ما يغير عليها مبسطًا ، وكأنه يفطن إلى مستوى معين بين جمهور القراء يريد الوصول إليه .
يقول الشاعر :
" عيون أطفالي عصافير تجيء دائما
ترف فوق السجن ثم ترتمي " (رفاق.... 21)
ولا يقف الشاعر عند هذه الروعة ، بل يضيف :
" راجعة فهكذا أوامر السجان "
ولا أدري ما ضرورة إظهار السجان هنا ، ألا يدعنا نتخيل لماذا تجيء العصافير وترتمي ؟
_ ربما لأساها عليه وعلى نكده .
_ ربما لأن الأب لا يستطيع أن يفعل شيئا ، والعصافير قاصرة ، وهذه صورة لتجسيم المأساة .
_ ربما لأن السجان أو السلطة تمنع اللقاء ، واحتمالات كثيرة أخرى تتلاقى في جو مأساوي أراد سالم إظهاره في كل كتاباته الشعرية بلا هوادة .
وسالم محارب كلمة ، يقف ضد الجراد (رفاق... 7) ، وضد التتار (رفاق... 52) ، وكما أن المحارب يطلق الرصاصة واضحة الهدف ، فهكذا يطلق سالم الكلمة :
" الموت لكل خائن حقود
براغ اطمئني أن حلف وارسو
يقسم لن يعود
لأرضك النازي " (رفاق.... ص 28)
وهو حقا يشعر أن الكلمة مقاتلة ، وهذا الشعور نلمسه في قوله :
" فالأغاني
سوف تحتل بين الرفاق مكاني
وتحارب عني " ( رفاق... 26)
فسالم مقاتل ومتفائل معًا ، والموت يرصد له ، وهو بقايا رجل ممزق الفؤاد والأعصاب (ص 78) ، لكنه يقول :
" دمي النازف مطر
لحمي المطحون سماد
وأنيني أهزوجة
الغد مرج سنابل
الغد عرس سنابل " (رفاق... ص 15)
وسالم أسوة بشعرائنا المحليين يمازج بين التفاؤل وبين رنة الأسى ، يرسمون المستقبل برغم الوصمة .
ويتميز في هذا الديوان بشيوعيته الحادة ، فهو يرفض الثورة الحمراء في أذهان المدعين من الأنبياء الكذبة الذين يتخذون مواضيع الثورة موضوعات للتلهي (ص 79) ، وهو يتعاطف في قصيدة طويلة مع الشفيع الشيخ أحمد السوداني (ص 67) ، كما يطلب أن نتخذ من فيتنام مثلاً لنا (ص 90) ، ونجد للأصداء السياسية وللأنباء آثارًا واضحة (ص 20 ، 27 ، 43 وغيرها ) .
ومن جهة أخرى فهناك بعض معالم الصوفية _ ولعل في هذه الظاهرة غرابة على الواقعية _ فمن الصوفية الجبرانية * يقول سالم :
" يخيل لي أنني ما ولدت
ولكنني كنت منذ الأزل
هنا بين الحواكير " (رفاق.... ص4)
ففي هذه القصيدة عصارة حبه لأرضه يقدمها باسترجاع طفولي وحلم ووعي تتداخل فيما بينها ، وهو إذ يفطن أن الجراد يمتص آخر نقطة ماء في حنجرته الظامئة فإنه يقول بنظرية الحلول في المقولة المشهورة " أنا من أهوى ومن أهوى أنا "
" لست أعرف اسما لهذا المكان
فهذا المكان أنا وأنا هذا المكان " (رفاق... ص وثمة مثال آخر على الروح الصوفية رغم أن المعنى يدل على المرأة أكثر منه على الوطن :
" وأنا وأنت نذوب
شيئًا واحدًا بين الشجر " (رفاق... ص65)
وقصيدة " هذا المكان " أولى قصائد الديوان هي تطوير لقصيدة " حواكير الطفولة " التي نشرت في ديوانه ( كلمات من القلب ص75 ) ، فحتى النباتات التي يستعملها للدلالة على ارتباطه بالأرض ، وجو التفاؤل والعودة إلى الحلم ، كل هذه مشتركة بين القصيدتين .
وملاحظة أخرى أن الشاعر لا يتابع نفسه أحيانًا : ففي قصيدة " عطشان " (رفاق... ص57) يحمل الشاعر زجاجتيه ويبحث عن كأس وندمان ، فإذا ما وجد الكأس كانت الزجاجة قد كسرت ، وهذه ترمز إلى الخيبة ، ولو قرأنا هذه القصيدة وقارناها وقوله :
" جيراني غنوا شربوا
أكواب الخمر
حتى الفجر
وأنا وحدي يا عيد الميلاد " (رفاق....61)
فإننا لا نجد مبررًا ، وإن وجدناه فإن رموز الشاعر غير مستقرة لا تقدم صورة متكاملة ومتوائمة .
وظاهرة شكلية أخرى في إثبات عدم متابعة الشاعر نشره القصيدة في أكثر من ديوان :
_ قصيدة " حنين " كلمات من القلب ص 19
رفاق الشمس ص 58
(وقع تغيير واحد لاشتراء _ لشراء)
_ " في غرفة لينين " كلمات من القلب ص 99
قصائد ليست محددة ص 51
_ " أحب " كلمات من القلب ص 102
قصائد ليست... ص 53
وبعد :
فهذا سالم وجه صارخ متحد، هو من رواد التغيير والأدب أداة، لا يضيره إن وصفت كلماته بالنثرية أو التقريرية بالمباشرة أو الشعارات الخطابية، فإنه بصدقه وإيمانه بدور الكلمة يقول ما يقول... وحسبه أنه يصول ويجول.
------------------------------------------
* مجموعات سالم جبران هي :
1- كلمات من القلب _ مطبعة دار القبس ، عكا _ 1967
2- قصائد ليست محددة الإقامة _ مطبعة النهضة ، الناصرة 1972
3- رفاق الشمس _ دار الحرية للطباعة والنشر ، الناصرة 1975
* نماذج أخرى : أنا صمتي يكون مطلع القصيدة ص 32 ، عيناك مينائي ص 41
ومضات شعرية تشع بين أكوام من النثر المتمرد .
* أنظر مثلا : " رماد الأجيال والنار الخالدة " ( المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران العربية ص 45 )
البداية
ما يشاء
كان الجليل ناسا
وتربة وخضرة وماء
وبعد أن حرمت أن أزوره
صار الجليل جنة
وناسه آلهة
وصار حتى ليلة ضياء
أقول للقياصر الصغار: ما أضعفكم
قد تحبسون خطوتي
لكن قلبي هائم في وطني
يزور أي بقعة يشاء
يفعل ما يشاء...
البداية
الشبح
أشعر بالحزن وبالفرح
جميع أيامي التي مرت وأحلامي عن
المستقبل
ملفوفة ببعضها تطل لي
أشعر أن العمر ليل دامس
وأنه أجمل من قوس قزح
خرائب خلفي،
وأحلام أمامي تبتني القصور
وبين وعد ظل في عوالم الأمس ووعد لغد
من حيرة أدور
أشعر أن قلبي
في وحشة القبر... وفي نضارة الزهور
أشعر بالحزن وبالفرح
العالم الملموس في يدي ما أطيبه
وفي صميمي رهبة
من طلة الشبح