Share on facebook Share on twitter شبكة ذي قـارد. نزار السامرائي خطة الصدمة والترويع التي بدأتها الولايات المتحدة في آذار 2003 بسيل متدفق من الغارات الجوية بأحدث ما أنتجه مصانع الطائرات الحربية الأمريكية مثل B52 وB1 وB2 ومجموعة F بكل أجيالها والضربات الصاروخية على بغداد وعدد من المدن العراقية، انطلاقا من مطارات عربية وبوارج وغواصات كانت تستريح فوق المياه العربية شرقي المتوسط وشمال البحر الأحمر والخليج العربي أو تحتها، كانت ساعة الشروع لبدء ما أسمته مستشارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، ووزيرة خارجيته لاحقا كونداليزا رايس "بالفوضى الخلاقة" باعتبارها الطريق الأنسب لإقامة صرح الشرق الأوسط الكبير الممتد من باكستان شرقا وصولا إلى ليبيا وتونس غربا، ومن تركيا شمالا إلى البحر العربي جنوبا والذي يدور في الفلك الأمريكي.
لكن الصدمة والترويع لم تحقق شيئا من أهدافها على الرغم من اصطفاف مجموعات وفصائل من قوى كانت واشنطن ولندن تستضيفها وتقدم لها الدعم وتطلق عليها اسم المعارضة العراقية، مع قوات العدوان العسكري الآتي من حدود العراق الجنوبية، وتجنيدها لنفر معدود من بعض مغامريها والباحثين عن المال الحرام وعن أي دور أو وجاهة حتى إذا كان مغموسا بذل الارتباط بأجهزة المخابرات الدولية مثل المخابرات المركزية والبريطانية والإيرانية، وتضافر هذا الاصطفاف بالفتوى الدينية الصادرة من معممين إيرانيين كالولي الفقيه وحفنة المنافقين في طهران وقم ممن كان يرى في العراق عقبة كأداء في طريق تصدير الثورة إلى العراق ومنه إلى الخليج العربي وبقية البلدان العربية، ولم تقف الفتوى على ما صدر من داخل إيران فقط، إذ أصدر معممون إيرانيون اتخذوا من مدينة النجف العراقية مأوى لهم، أصدروا فتاوى بحرمة مقاتلة قوات الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، كما كشفت ذلك الوثائق التي أزال الأمريكيون عنها السرية، بهدف منح غزوهم شيئا من شرعية تمثيل بعض مكونات الشعب العراقي وربما لفضح من أصدر تلك الفتاوى.
إن هبة الشعب العراقي ضد الاحتلال الأمريكي منذ اليوم الأول للاحتلال، وخاصة في المحافظات الست التي انتفضت على ظلم حكومة نوري المالكي وجورها وتهميشها وأساليب البطش التي اعتمدتها، هي التي أرغمت الولايات المتحدة على أكثر من مراجعة استراتيجية لمخططها الشرق أوسطي ولخططها العسكرية ميدانيا، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة ورغم كل ما بذلته من مساع وخصصته من أموال لتحسين الآليات الحربية التي كانت تمسك بالأرض العراقية، لم تتمكن من تعديل مسار الأحداث لصالحها أو تلافي ضربات المقاومة العراقية المسلحة، لأن القوات الأمريكية كانت تخوض القتال استنادا إلى قوانين الحرب النظامية، في حين أن المقاومة كانت تخوض حرب عصابات تطور من صفحاتها على وفق مقتضيات الحال، وتزرع عبوات ناسفة لا يمكن التنبؤ بوجودها أو وقف مفعولها لأنها عبوات بدائية ولا يمكن اكتشافها إلا بعد أن تدمر العجلات العسكرية الأمريكية، لذلك أوصت بعض لجان المراجعة لأداء القوات الأمريكية إلى أحداث زيادة في تدريع الدبابات وعربات الهمر والعربات المدرعة الأخرى، مما دفع بالمقاومين تبعا لذلك إلى زيادة القوة التدميرية للعبوات المصنّعة محليا، فأدخلوا القوات الأمريكية في ما يمكن أن نطلق عليه سباق تسلح غير متكافئ وغير واقعي، بين بلد يمتلك أقوى قوة عسكرية عرفتها البشرية ويمتلك قاعدة صناعية متفوقة ولا حدود لطموحها ويرتكز على اقتصاد يستطيع التحكم باقتصادات الدول الأخرى وبأسعار العملة والسلع الاستراتيجية في العالم، وبين مقاومة مسلحة من بضع عشرات من الآلاف من الرجال الشجعان وينتمون إلى بلد دمرت أمريكا كل ركائزه الاقتصادية وبناه التحتية ومراكزه الصناعية والعلمية، ولكن واشنطن وجدت نفسها تتجرع كأس سم الهزيمة المرة كما فعل الخميني قبلها في عام 1988 عندما وافق على قرار مجلس الأمن الدولي 598 لسنة 1987، ولكن هزيمة أمريكا وعلى الرغم من أنها عضت على جرحها بقوة كي لا تظهر عليها علامات الألم، كانت فوق التصور وأكبر مما ظنه صقور إدارة بوش الابن من أن الغزو والاحتلال لن يكونا أكثر من نزهة سياحية إلى أرض بابل، أو في أسوأ الظروف لن تزيد خسائرها على الخسائر التي تتكبدها أية قوات في تدريباتها بالذخيرة الحية.
وانتهى الحلم الأمريكي الصهيوني، بإقامة الشرق الأوسط المسيطر عليه استراتيجيا من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل تماما كما أخفقت الصدمة والترويع في ترويع العراقيين، لكن الفوضى الخلاقة تحولت إلى الفوضى المدمرة وكادت أن تعصف بصمامات الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي في دول المنطقة، وتم إطلاق يد إيران لتعبث بأمن دول المنطقة بل والعالم الإسلامي برمته بعد أن انفرطت حبات مسبحة الأمن القومي العربي نتيجة لتدمير قوة العراق وتدمير السياج العالي الذي كان يمثله كقوة صد بوجه الأطماع والغطرسة الإيرانية.
لقد حققت إيران كل هذه المكاسب من خلال تركيز دول الغرب على ما تسميه بالإرهاب الإسلامي السني، متغاضية عن عمد وسبق إصرار غبي وبليد، عن الخطر الحقيقي الذي تمثله إيران وأذرعها الإرهابية العقائدية والمسلحة بأحدث الأسلحة والتي تدير شؤونها المالية عن طريق الإتجار بالمخدرات التي تشتهر بها إيران على مستوى العالم، أو عن طريق ما تحصل عليه من أموال تدفع لهم كفديات مقابل إطلاق سراح أشخاص يتم اختطافهم، ولكن الأموال بدأت تتدفق على أذرع إيران الإرهابية بعد تدمير بنية الدولة العراقية بحيث أصبحت ثروات العراق مالا سائبا مشاعا لكل السراق واللصوص والمافيات وعصابات الجريمة المنظمة في العالم، وتكدست الأموال تحت يد الولي الفقيه من خمس ما تسرقه عصابات بدر وعصائب أهل الحق وأكثر من أربعين مليشيا تأسست في العراق بدعم وتدريب إيراني، ولكنها تحولت مع الوقت من قوة تستنزف الميزانية الإيرانية إلى واحد من أهم مصادر الدخل والثروة في إيران.
اليوم وإذ تقرع طبول الحرب بقوة في عواصم المنطقة ليتم تجنيدها في خوض معارك ليست معاركها، وإذ تستدرج دول إلى حالة العداء مع جزء كبير من شعبها تحت لافتة التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، وإذ تستنزف ثرواتها بما لا طائل تحته، وإذ يراد استدراج دول أخرى توشك أن تضع قدمها الأولى على طريق التطور الاقتصادي المتعدد المحاور والصفحات، فإن المنطقة لن تشهد استقرارا طالما أن الظلم لم يعالج من جذوره وطالما هناك نظم تمارس القتل لشعبها كما هو حاصل في العراق وسوريا، وطالما أن الحقوق العربية في فلسطين والأحواز وكل أرض مغتصبة لم تحرك الضمير الإنساني الذي كان يتعامل مع القضايا الدولية بألف مكيال وينظر إليها بألف عين، ومن الممكن أن يكسب التحالف الغربي الذي تحركه الأموال العربية ليقتل العرب أنفسهم جولة أو صفحة من الحرب، ومن الممكن أن تكسب إيران جولة أخرى سواء كان ذلك في لبنان أو سوريا أو اليمن، إلا أن الثمن الذي سيدفعه أعداء الأمة جميعا سيكون باهظا وباهظا جدا ويفوق قدرة كل أجهزة الكومبيوتر المتطورة على تخيله.