الشاعر والعاشق والإنسان / الشاعر الفلسطيني طارق عون الله
------------------------------
قالتْ حَدِّثْني عنكَ؛ الشاعر والعاشقَ والإنسانْ..
هَلْ سِرُّكَ بئرٌ أمْ بركانْ؟...
قُلْ لي كيفَ تكونُ الرحلةُ في العشقِ
وكيفَ تجيءُ قصائِدُكَ بلا استِئذانْ؟
قلتُ لها:
أسرارُ العاشقِ لا يَعْرِفُها إلا المعشوقُ وقمرٌ عندَ الشبّاكِ ونجماتُ الليلْ.
لكنْ كيفَ نُفسِّرُ ما يحملُهُ الشاعرُ في الأسفارْ...؟
يَدخلُ في رُعْبِ المجهولِ وفي الأقدارْ
كيف نفسّرُ سرَّ الشّاعرِ أو نُدْرِكُ حُمَّاهْ؟
أَوَلَيْسَ الشّاعرُ أعمقَ مِنْ أَنْ نفقَهَ مَعْنَاهُ؟
قالت: حَدّثْني عن سرٍّ للعاشقِ وكلامٍ لا يطويهِ النسيانْ.
قلت لها:
لن نعرفَ سِرَّ الشاعرِ إلا حينَ نُشَبِّهُهُ بِنَبِيٍّ توراتيٍّ عرفَ الجانْ
أو بإِلَهٍ آشوريٍّ سكرانَ اكتشفَ خبايا الأرضِ وسرََّ الدورانْ
أو ملكًا يونانيًا بَدَّدَ مُلْكًا في التَّرْحَالِ وتدميرِ البلدانْ...
الشاعرُ كالإسكندرِ لا يعرفُ دربَ العودةِ..
لكنْ في حوزتِهِ سرُّ الأكوانْ...
يذهبُ خلفَ حدودِ الليلِ ويتعمّقُ في التيهْ
يسافرُ مفتونًا بالحوريات وبالموسيقى تحرق شفتَيْهِ وتدميهْ
لا حَوْلَ لهُ.. لا طَوْلَ..
ولا يحملُ في رحلتهِ أكثرَ من قلبٍ مزدحمٍ بالعشقِ
وَوَجْهٍ يلمعُ كالقنديلِ ويشرقُ في الظّلمَةِ..
لكنْ لا يُظْهِرُ ما فيهْ.
يَرحلُ مفتونًا بخباياهُ ويَدخلُ عبر البوّاباتِ...
وباب ينفتح على بابْ.
يبحثُ عن عشقٍ شَيّبَهُ لكنْ ما شابْ..
تأسِرِهُ مدنٌ عاليةُ البُنيانِ،
يعانقُ فيها القمرَ القتّالَ الوالغَ في دمِهِ..
يرحلُ ويجولُ..
غريبًا مَوجوعًا مذبوحًا بِمِدًى تلمعُ في العتمةِ
ويغِذُّ بلا هدفٍ في الضِدّيْنِ، كَأَنْ لا هدفَ لهُ..
يمضي مَشفوعًا بِعَذَابِ العشقِ وَوَجَعِ الآهْ...
ويحلّقُ في السبعِ سماواتٍ بحثًا عن أنثاهْ.
ويراهُ اللهُ يُسبِّحُ في الصبحِ وفي الظهرِ
وفي العصرِ وفي المغربِ والفجرِ
ويصرخُ: يا جبريلُ عليكَ بهذا الشاعرِ
مَزَّقَهُ العِشْقُ ولمْ يعرفْ شيئًا من دنياه..
هذا الشاعرُ لم يملكْ في الدنيا إلا ما خَطَّتْهُ يداهْ.
------------------------------------