« يهودية إسرائيل».. وسيلة والهدف تحويل أصحاب الدار لأغيار
December 6, 2014
الناصرة – «
القدس العربي» يرى فلسطينيو الداخل بمشروع قانون تعريف إسرائيل كدولة الشعب اليهودي حلقة في مسلسل تشريعات عنصرية متطرفة في السنوات الأخيرة تندرج ضمن انتقال إسرائيل من إستراتيجية الاحتواء التقليدية لإستراتيجية الاستعداء في محاولة لكسر إرادتهم وتطويعهم. وبخلاف مراقبين إسرائيليين كثر يرى مسؤولون ومراقبون من فلسطينيي الداخل تحدثوا لـ»
القدس العربي» أن مشروع قانون دولة القومية اليهودية لا يرمي لحصد مكاسب سياسية انتخابية فقط بل وينم عن دوافع واعتبارات شعبوية. ويذكّر نواب عرب في الكنيست أن مشروع قانون الدولة اليهودية ورد في اتفاقية الإئتلاف بين حزبي الليكود ويسرائيل بيتنا عشية تشكل حكومة نتنياهو الثالثة في 2013. وتشدد عضو الكنيست حنين زعبي أن القانون دوافعه أعمق وهو انعكاس للفكر الصهيوني التقليدي الذي يرغب بالسيطرة على الوطن وتهويد المكان والإنسان، مشيرة ألى أن إسرائيل تشهد تطرفا دينيا وسياسيا على مدار الأيام في السنوات الأخيرة وأن القانون المقترح واحد في سلسلة تشريعات التهويد، موضحة أن أفضل رد عليها التصدي بقوة لها ونزع مشاعر الأمن والأمان من صناع القرار طالما تستمر هذه الممارسات العنصرية داعية فلسطينيي الداخل لحشد طاقتهم للعب دور «المزعج» المناضل من أجل استرداد حقوقه.
ويربط البروفيسور مصطفى كبها المؤرخ المختص بالتاريخ الفلسطيني بين قانون يهودية الدولة والرواية الصهيونية التاريخية ويقول «إن إسرائيل ترغب عبر هذه القوانين العنصرية تعزيز العلاقة بين الأرض وبين الرواية التاريخية الصهيونية وتسريع تحويلها لحقيقة». مرجحا أن يلغي القانون المقترح المعارضة القضائية على أي عنصرية من قبل السلطات الإسرائيلية ما يعني طرح قضية عبرنة أسماء الأماكن بقوة على سبيل المثال. ولم تبدأ إسرائيل بمخططاتها هذه هذا العام، بل شرعت بها من قبل والآن تعمل على تصعيدها لا سيما أنها فشلت في محو هوية فلسطينيي الداخل وأسرلتهم وبرأي كبها لن تنجح مستقبلا فالضغوط المتزايدة ستدفع الأقلية الفلسطينية للمزيد من التمسك بثقافتها وهويتها الوطنيتين خاصة وأن الفضاء بات مفتوحا بعكس ما كان في فترة الحكم العسكري الذي امتد من نكبة 48 حتى 1966.
الحركة الإسلامية: محاولة شطب لحق العودة
وتنبه الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح إلى أن «قانون القومية اليهودية» يسعى لإلغاء ماضي وحاضر ومستقبل الفلسطينيين في هذه البلاد. وتوضح في بيانها أنه وفق هذا الاقتراح اللئيم فإن هذه البلاد تتكلم العبرية منذ فجر التاريخ ولم يكن فيها شعبٌ اسمه الشعب الفلسطيني ولم تكن هناك نكبة وقعت عليه بفعل جرائم العصابات الصهيونية. وتتابع الحركة «إن الذي يريده نتنياهو هو شطب حق العودة، فحق العودة المذكور في اقتراحه هو فقط للإنسان اليهودي أينما وجد في هذا العالم، وإن من مرامي هذا الاقتراح أيضاً محاولة شرعنة ترحلينا نحن أهل الداخل وإن أي محاولة تنميق لفظي لن تغطي عورة هذا الاقتراح الذي يتنكر للوجود الفلسطيني على هذه الأرض ويتنكر لحقوق الفلسطيني كفلسطيني».
ولذا ترى الحركة ضرورة وقوف الفلسطينيين صفاً واحداً والتأكيد على الثوابت الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة وتنشيط المُطالبة به مشددة على أنه لا يضيع حق وراءه مطالب.
كما يرى الشيخ رائد صلاح ان هذا القانون يهدف لتفكيك المجتمع الفلسطيني وضرب إرادته الوطنية والتهيئة لتطبيق خطط ما زالت بالدرج لترحيل فلسطينيي الداخل الذين يحول القانون وجودهم لطارئ وضيوف غير مرغوب بهم. ولذلك يدعو فلسطينيي الداخل للتصدي للقانون ولبقية القوانين العنصرية ضمن إستراتيجية موحدة تعزز البقاء وتطرق أبواب المجتمع الدولي أيضا.
المجتمع الدولي
ولا يستبعد مازن غنايم رئيس لجنة المتابعة العليا، أعلى هيئة تمثيلية لفلسطينيي الداخل، التوجه للمؤسسات الدولية بشكاوى رسمية للكشف عن انتهاكات إسرائيل بحق خمس سكانها على خلفية عنصرية. ويرى غنايم أن مثل هذه القوانين تنزع القناع عن الديمقراطية المزيفة في إسرائيل التي تتصرف كدولة ديمقراطية لليهود ودولة يهودية بتعاملها مع العرب رغم أنهم السكان الأصليون . يشار إلى أن فلسطينيي الداخل درسوا عدة مرات فكرة التوجه للمجتمع الدولي بلغة القانون الدولي وبخطاب مدني لكنهم تحاشوا ذلك خشية كسر قواعد اللعبة بين الطرفين. بيد أن غنايم يقول إن فلسطينيي الداخل عازمون على ذلك هذه المرة بعدما بلغ السيل الزبى. ويقترح عدم التعويل على المسارات القانونية والديبلوماسية والبرلمانية فحسب، مشددا على حيوية الاحتجاجات الشعبية الميدانية.
وهذا ما تؤكد عليه الحقوقية عبير بكر التي تتنبه للأفضلية المعطاة لليهودية في تعريف الدولة على حساب الديمقراطية ما يعني تزايد المخاطر على قضايا ملحة كالأرض والأوقاف وأملاك الغائبين ولغة الضاد واتساع الفجوات بين العرب واليهود في البلاد. وبرأيها سيترتب على ذلك ضرر في المسارات القضائية لأن المحاكم ستضطر لإصدار الأحكام بناء على قوانين عنصرية أصلا في مختلف مناحي الحياة المدنية، أي أن العنصرية ستمارس في إسرائيل برخصة قانونية.
مسلسل عنصري
كما ترى أن مشروع القانون لا يجدد ما هو جوهري في تعريف إسرائيل التي عرفت نفسها منذ قامت كدولة يهودية إنما هو يهدف للتأكيد على تهميش فلسطينيي الداخل والتأكيد على أنهم مواطنون من الدرجة الثالثة. وتنوه هي الأخرى أن هذا القانون هو حلقة في مسلسل من القوانين العنصرية التي بلغت نحو الخمسين قانونا منذ انتخابات الكنيست عام 2009 كقانون منع لم الشمل وحظر إحياء ذكرى النكبة وقوانين الولاء ولجان قبول المواطنين للسكن في البلدات المختلفة وغيرها. وتحذر بكر من خطورة هذا القانون وبقية القوانين العنصرية على مكانة فلسطينيي الداخل ومحاصرتهم وحرمانهم من بقايا الهامش الديمقراطي.
ويؤكد مركز «ميزان» للمرافعة القانونية أن مثل هذا المشروع يعني المزيد من تضييق الخناق على المجتمع العربي الفلسطيني الذي يشكّل اليوم 17٪ من السكان في إسرائيل. ويدلل على ذلك بالإشارة لمنع رفع العلم الفلسطيني، معاقبة المنظمات الرسمية التي تشارك بإحياء ذكرى النكبة، قمع المظاهرات، إسكات الاحتجاجات بالاعتقال بالجملة والطرد من العمل وبمصادرة الأرض حتى تلك التابعة لقرى العرب الدروز.
الدروز والشركس
ولا يستثني القانون العنصري العرب الدروز الذين يشكلون 10٪ من فلسطينيي الداخل رغم فرض الخدمة العسكرية عليهم منذ 1956. ويشعر هؤلاء بالخيانة من قبل الدولة التي لا ترى الأغيار عن بعد شبر حتى لو كانوا جنودا في جيشها ولذا دعا رؤساء السلطات المحلية في قرى بني معروف رئيس الوزراء الإسرائيلي للتراجع عن القانون الذي يهمشهم أيضا ويهمش كل من هم غير يهود. وتؤكد رينال سيف أرملة الشرطي زيدان سيف الذي قتل داخل عملية الكنيس في
القدس الشهر الماضي أنها تشعر بالإهانة إزاء مشروع قانون يهودية الدولة. وفي حديث مطول للملحق الأسبوعي الأخير لصحيفة «يديعوت أحرونوت» تقول إن زوجها قاتل من أجل كافة سكان الدولة ومات دفاعا عن المصلين اليهود. رينال ابنة الواحد والعشرين عاما والأم لطفل تتساءل في عتاب ساخن: الآن وبعد مقتل زوجي تقولون لي إن هناك فرقا بين دم ودم في إسرائيل؟
الباحث في شؤون الشرق الأوسط د. يسري خيزران يرى أن إسرائيل لم تكترث بالدروز والشـــركس في مشروع قانون يهودية الدولة لأنها نجحت من خلال جهود متواصلة ومتنوعة في بناء «الوعي الكاذب» لدى الدروز وكأنهم جزء منها ومواطنون متساوون فيها. وفي سياق حديثه عن مأساة أبو سنان أشار لقصور الشرطة واستنكافها عن التدخل وفض الشجار واعتقال المتورطين بمن ألقوا قنابل وأطلقوا رصاصا مشيرا إلى تشجيع السلطات الإسرائيلية لتوجهات القوة لدى أوســـاط عربية درزية كما حصل من قبل سنوات طويلة في أبو سنان، المغار، الرامة، شفاعمرو وغيرها.
ويعتبر ذلك جزءا أو نتيجة لـ «الوعي الكاذب» الذي تبلور لدى الدروز، وفيه يشعرون وكأنهم جزء من المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة وبمقدورهم استخدام القوة. كما توقف عند منعطفات العلاقة بين إسرائيل وبين العرب الدروز ويشدد على أن ما يعرف بـ «حلف الدم» بينهما لا ينعكس على مستوى المواطنة والحقوق المدنية مذكرا بالتمييز ضدهم ومصادرة أراضيهم مثلهم مثل بقية أبناء شعبهم مدللا على ذلك بالقانون العنصري الجديد.
كما يبدي الشركس الذين يقيمون في إسرائيل بقريتي كفركما والريحانية وتعدان (نحو 4 آلاف نسمة) عدم رضاهم عن القانون المقترح الذي لا يأخذهم بالحسبان ويرى فيهم ضيوفا وهم كالدروز لا يطالبون بأن يشملهم مشروع القانون بل يطالبون بإلغائه.