هل تسد القذائف رمق اللاجئين السوريين؟
د. مثنى عبدالله
December 8, 2014
إشهدوا بأن أشقاءنا السوريين لم يتركوا أحدا منا يوما ينصب خيمة له على مشارف مدنهم، أو على طول الحدود الفاصلة بينهم وبين الأقطار المجاورة. إن لم تعلموا فأقروا التاريخ الحديث والقريب جدا، ستجدون أفواج اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين دخلوا عليهم بالملايين، لكنهم بمجرد دخولهم تحولوا من لاجئين إلى مواطنين أسوة بأبناء البلد.
سكنوا في كل الأحياء والمدن والقرى والأرياف، وعملوا في كل المهن البسيطة والعالية، وزاحموا أبناءهم على مقاعد الدراسة في كل المدارس والجامعات، وتطببوا في كل المستشفيات والمراكز الصحية، ولم نسمع كلمة «أف» واحدة من مواطن سوري. نحن لا نتحدث في السياسة في هذا الجانب لأنها هي من فرقتنا، ولا يفهم أحد بأننا نشير إلى بركات النظام السوري، فهو كحال بقية الأنظمة العربية التي زرعت الفرقة بيننا، فلا علاقة للنظام بهذا، بل هو مزاج أهلنا في
سوريا على مر التاريخ، ولا نقول بأن لهم فضلا على أحد من كل أولئك الذين لجأوا اليهم، فحاشى السوريين أن يعتبروا ذلك فضلا، لانهم يؤمنون أيمانا راسخا بأنه كان واجبهم تجاه أشقاء لهم، لكننا نقول، أي عار هذا الذي يلاحقنا نحن أبناء هذه الأمة، حينما نترك ملايين الأطفال اليتامى والأرامل والشيوخ والمرضى من السوريين، يواجهون الشتاء القارس في الصحارى على الحدود وعلى أطراف مدننا العربية؟ وأي جحود هذا الذي يدفعنا لنسيان كل روابط الدم والتاريخ والدين وحتى الرابطة الإنسانية، إلى الحد الذي جعل برنامج الغذاء العالمي يعلن عن إيقاف معوناته للاجئين السوريين الأسبوع الماضي، بعد أن نفد ما لديه من شحيح المال، وتراجع المانحون عن التزاماتهم، فيمر علينا الخبر مرور الأثير ولا يحرك فينا بقية غيرة أو وفاء؟ هل علمتم ما معنى إيقاف المساعدات الغذائية في هذا الوقت بالذات؟ إنه يعني بقاء أكثر من مليون وسبعمئة الف أنسان بدون طعام، وان هنالك ما يفوق 132000 أسرة و660000 لاجئ، سيفقدون فرصة الحصول على مساعدة لاتقاء برد الشتاء القارس فقط في
لبنان، وعليكم أن تتصوروا العدد الإجمالي، عندما نضيف اليهم الأخرين في الأردن، ومن يسكنون الدور والمساجد والبنايات المدمرة في الداخل السوري. أحصوا معنا ما يهدر من أموال في أقطارنا العربية على الأعياد الوطنية، وعلى استضافاتنا لسباقات «الفورمولا واحد» وكرة اليد والخيول والهجن، وعلى بناء أعلى برج وأطول جسر وأعرض شارع وردم بحر كي نبني عليه فندقا وملعب تنس.. تذكروا الأرقام الفلكية التي ذهبت لشراء أسلحة وطائرات وصواريخ، لم تخرج من أماكنها يوما، حتى باتت غير صالحة للاستعمال ثم استبدلوها بأحدث.. إبحثوا في تقارير مراكز البحوث الغربية عن حجم الأموال التي ستخرج من الخزائن العربية لتسديد فواتير ما يسمى الحرب العالمية على الإرهاب القائمة الآن، التي قررتها ورسمتها ونفذتها الولايات المتحدة لتأمين مصالحها في المنطقة، ثم التحقنا بها مجـــــبرين كي نسدد مصروفاتها، علّنا نحصل على شهادة حسن سلوك من المجرم الأول في العالم.
كم يمثل مبلغ قدره 64 مليون دولار هو الذي يطلبه برنامج الغذاء العالمي، لتغطية الحاجات العاجلة للاجئين السوريين لمواجهة الظروف المناخية الصعبة في فصل الشتاء، نسبة إلى أرقام المبالغ الخيالية التي يتم صرفها من قبل هذه الأنظمة؟ إننا لاندعو للانغلاق والتقوقع والانعزال عن العالم ومستحقات العلاقات الدولية، وبناء عوامل جذب للآخرين للاستثمار في أقطارنا، وتنفيذ مشاريع ضرورية وترفيهية، لكننا نستغرب على أنظمتنا وولاة أمورنا أن يتركوا أشقاءنا تحت رحمة الدول المانحة، التي تخلت عن التزاماتها بتسديد تعهداتها خلال المؤتمرين الأول والثاني، ما جعل عقد المؤتمر الثالث أمرا مستحيلا. ما فائدة الاستثمار في الأرض بدون الاستثمار في الإنسان، الذي هو القيمة العليا والهدف الرئيسي من كل مشاريع الاستثمار؟ أليس عملا إرهابيا ترك ملايين الأفواه لا تجد ما تقات عليه؟ أليس إرهابيا كل من يمتلك الموارد ولا يتقدم لتأمين حياة لائقة لملايين المشردين؟ نعم هو كذلك، وإذا ما أحصينا الأموال العربية والتركية والإيرانية والغربية والإسرائيلية، التي تحركت على الأرض السورية على شكل دبابات وطائرات ومدفيعة وقذائف صاروخية وإطلاقات، والتي قتلت ودمّرت وفرّقت وانتهكت وعوّقت ويتّمت ورمّلت، حينها سنعرف أن مأساة أهلنا في سوريا هي في رقبة كل أولئك المتاجرين بالقضية، وأن كل سوري بات له دين في ذمة كل من ساهم في المأساة، بدءا من النظام وحتى آخر من شارك في الكارثة. فلقد هرول الجميع إلى الساحة السورية كي يبرزوا عضلاتهم الطائفية والمالية، وهم يقدمون الدعم لهذا الطرف أو ذاك، لكن أحدا منهم لم يلتفت إلى الضحية. تباهت المعارضة السورية وهي تتبختر على مسارح المؤتمرات في باريس ولندن وجنيف وغيرها من العواصم العربية والغربية، بالكلام المعسول، الذي كان يصدر من هذا الزعيم أو ذاك السياسي، وصدّقوا أنفسهم وهم يشكلون ما يسمى «حكومة مؤقتة»، ويفتحون سفارات لهم هنا وهناك، لكنهم لم يستطيعوا أن يقدموا شيئا يذكر لشعبنا في الداخل ولا من هم في الخارج، وكل ما حصلوا عليه من
الغرب هوما يسمى، «أصدقاء سوريا»، بينما باعهم
الغرب حينما تخلى عن الخطوط الحمراء التي وضعها للنظام.
أما النظام فهو الآخر تباهى أيضا بتحالفاته مع أطراف دولية وإقليمية ومحلية، فتمادى وتغول في عنجهيته وتصور أن النار وحدها هي التي تطهر أرض سوريا من معارضيه، لكن لا القوة ولا الحلفاء استطاعوا إخراجه حتى الآن من غرفة العناية المركزة التي هو فيها، وها هي الجغرافية السورية تتقلص تحت أقدامه وتخرج عن سيطرته كل يوم، حتى بات وجود نظامه من عدمه سيان.
المهمة الملقاة على عاتق كل من تاجر بالقضية السورية، وكل من صفى حساباته مع الآخر على حساب شعبنا العربي فيها، وكل من استعرض قوته وأمواله ومواقفه السياسية الفارغة، عليهم جميعا أن يتحلوا ببقية من صحوة ضمير، وأن يلتفتوا إلى ملايين المشردين على الحدود في المخيمات، وأن يحاولوا إعادة شيئا من كرامتهم المهدورة وأمنهم المفقود وخبزهم الذي بات نيله صعبا. لقد كانوا جميعا كرماء في بيوتهم ووطنهم، أعزاء بين الناس، لكنهم ذلوا على أيدي دهاقنة السياسة والمال. فهل سيستجيب ولاة أمورنا إلى وخزة أخيرة من ضمير؟
٭ باحث سياسي عراقي
د.
مثنى عبدالله