صحوة صوفية لمواجهة مشاريع الإسلام السياسي الصوفية قادرة على مجابهة التشدد، فهي تُصالح المتدين مع الدنيا لكن الإسلام السياسي يحرض على الكراهية. العرب
[نُشر في 30/01/2015، العدد: 9813، ص(1)]
الصفاء الروحي في مواجهة شحنات الكراهية
لندن – حث خبراء على توظيف الموروث الصوفي في مواجهة التيارات الإسلامية المتشددة، لافتين إلى أن أنصار الطرق الصوفية، وهم بالملايين، قادرون على هزيمة الجماعات المتشددة مثل السلفية الجهادية والإخوان باعتماد خطاب ديني إيجابي يراهن على التربية الروحية.
وقال الخبراء إن هناك صحوة صوفية في شمال أفريقيا تمتد من مصر وصولا إلى موريتانيا وتشمل مالي والنيجر والسنغال، وإنّ هدفها إنقاذ صورة الإسلام مما لحقها من تشوّه على أيدي جماعة الإخوان والمجموعات السلفية.
وكان بعض مشائخ الصوفية أكدوا أنهم يعملون على العودة إلى الإسلام المعتدل الذي صار ضحية لسياسة الإخوان وتشدد السلفيين خصوصا في شمال أفريقيا وأن الوقت قد حان للتصدي لثقافة الكراهية.
وأشار شيخ الطريقة العزميّة في مصر الشيخ علاء أبو العزايم إلى أن “الصوفيّة ليست جماعة مثل الإخوان أو الجماعات السلفيّة، إنّما هي طرق سلوكيّة هدفها السموّ بأخلاقيّات المنتمين إليها، ويؤمن الصوفيّون بأنّ شيخ الطريقة يخطئ، فلذلك ليس له عليهم حقّ الطّاعة المطلقة”.
وثمة اختلاف كبير في المنهج بين الطرق الصوفية وبين تيارات الإسلام السياسي في النظرة إلى الإنسان.
فالطرق الصوفية تركّز على التربية الروحية التي تجعل الإنسان راضيا عن نفسه وتجمّل له العالم، وتحثّه على المساهمة الإيجابية في تطويره، والقبول بالاختلاف مع معتنقي المذاهب والأديان الأخرى والتحاور والتعايش معهم، كما أنها تصالح الإنسان مع الحياة الدنيا مثلما ترغّبه في الآخرة.
أما تيارات الإسلام السياسي بلونيها الإخواني والسلفي فتحث المنتمي إليها على كراهية ما يحيط به بدءا بأهله، وتصدر فتاوى متتالية بتحريم كل شيء وتحرّض على التكفير والقتل والانتقام، وهذا يفسر انتشار ظاهرة التفجيرات الانتحارية بين المنتمين إليها دون سند فقهي أو ديني قوي.
يشار إلى أن الطرق الصوفية جماعات أصيلة في شمال أفريقيا ومصر والعراق وفي دول أخرى إسلامية كثيرة، بينما الجماعات الإسلامية المتشددة التي توظف الدين لأغراض سياسية فهي تنظيمات طارئة ارتبط تأسيسها بأجندات أجنبية وبتمويل ضخم ومشبوه.
ويتحرك الصوفيون مقابل الإسلام السياسي، واضعين الجماعات والأحزاب الدينية في ورطة مع الجمهور المتديّن.
وبدا موقف الصوفيين واضحا في الأحداث السياسية الأخيرة في تونس ومصر عندما أعلنوا دون مواربة وقوفهم ضد امتهان الدين لأغراض سياسية في تلميح لا يقبل الشك إلى الإخوان.
ووقف الصوفيون بقوة في مواجهة الإخوان والسلفية الجهادية في ليبيا التي تعتز بموروث صوفي كبير جعلها لقرون بوابة الإسلام نحو أفريقيا.
ويحتل المغرب موقعا بارزا في الحركة الصوفية إذ يعتدّ الكثير من الحركات الصوفية في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء بأن مرجعيتها في المغرب.
وفي حين تعمل الصوفية على استقطاب المريدين في التكايا والخانقات من خلال التركيز على الصفاء الروحي والتسامح، يستغل الإسلام السياسي، بمختلف جماعاته، تديّن الشَّباب ويدخل عليهم رافعا راية الدين، ولا يُظهر أيّ ميل سياسي في بداية الاستقطاب، ويتم جذب هؤلاء الشباب كثيرا عن طريق الجمعيات الخيرية.
وأكد خبراء في الجماعات الإسلامية أن الفكرة الأساسية التي يركز عليها الإسلام السياسي هي جعل الدين سياسة وفي فكر المراد استقطابه، فيبدأ الحديث لا عن مشاكل الناس الاجتماعية، إنما تكون البداية بدغدغة مشاعر المتدين بضياع الدين، وعدم إعلان مظاهره، وأن الصلاة ليست واجبا على الفرد إنما هي تحد سياسي للآخرين، وبهذا يتم إشعال الفرد بروح العداء الديني، على أن مَن لم يمارس العبادة في ذلك الصف السياسي فهو كافر منبوذ.
وكان الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قال في أكثر من مناسبة إنّ مَن يعارض العمل الإسلامي السياسي ولا يسعى إلى تطبيق الشريعة فهو خارج عن الدين، وبذلك يخرج من دين القرضاوي الإخواني الملايين التي ترى في الدين عبادة، وصلة ما بين العبد وربَّه.
وفي الوقت الذي يستغل الإسلام السياسي الأمكنة والتجمعات والمناسبات الصوفية للكسب الحزبي، فهو بالأساس يعتبر التصوف اتكالا وهروبا من المواجهة، وأنه يخدم السلطات على مدى التاريخ. وأشار الخبراء إلى أن خروج الشيخ عبدالله بن بيَّه من اتحاد علماء المسلمين لم يكن حدثا عاديا مثلما أراد تصويره الإخوان المسلمون، فالواضح أن الرَّجل لم يكن بعيدا عن روح التصوف العبادي، الذي ارتقى به مع تدينه الصادق إلى العمل على سد الثغرات التي أوجدها الإسلام السياسي باستغلال الدين. وما يلفت النظر أن الشخصيات الصوفية قد احتفلت على وسائل التواصل الاجتماعي بعودة الشيخ بن بيَّه من مغامرة دخوله إلى الاتحاد المذكور. فالعديد من العلماء دخلوا هذا الاتحاد على أساس أنه اتحاد دين لا سياسة، ومنهم مفتون في دولهم كالشيخ أحمد الخليلي مفتي عُمان المعروف، وهو المطالب الآخر بفك الارتباط بهذه المؤسسة، التي ما أن تصل يدها إلى مكان إلاّ حولته لخدمة الإخوان وتنظيمهم الدولي.