"موجة تغييرات في القيادات الأمنية الصهيونية خلال الستة شهور القادمة".. بهذا التعبير وصفت صحيفة هاآرتس الصهيونية وضع الأجهزة الأمنية في الكيان الصهيوني والذي يتوقع أن تشهد العديد من التغييرات خلال الفترة القادمة، وذلك على خلفية سلسلة من العمليات الفاشلة المتتابعة للأجهزة الأمنية الصهيونية على رأسها اغتيال القيادي الحمساوي "محمود المبحوح" على أيدي الموساد في دبي، والتعرض الفاشل من قبل الكوماندوز البحري الصهيوني لأسطول الحرية البحري الذي كان في طريقه لنقل مساعدات إنسانية لغزة نهاية مايو الماضي.
ويعزز توقعات هاآرتس التداعيات المستمرة نتيجة فشل تلك العمليات، فبدلا أن تدفع مجزرة "الحرية" لردع سفن أخرى عن تكرار نفس التجربة ما حدث كان العكس، وتعد سفينة "الأمل" الليبية المحملة بمساعدات إلى قطاع غزة والتي غادرت اليونان السبت 10/7/2010 ويتوقع وصولها لغزة خلال 3 أيام أبرز النماذج على هذا الفشل، فيما لاتزال تداعيات قضة اغتيال المبحوح مستمرة وكان آخرها إصدار محكمة بولندية الخميس 8-7-2010 حكما بتسليم الصهيوني يوري برودسكي إلى ألمانيا بتهمة التورط في اغتيال المبحوح.
وحذرت الصحيفة الصهيونية من أن التغييرات المرتقبة في القيادات الأمنية الصهيونية، "ستفتح الباب واسعاً أمام منافسات وتوترات في الحلبة الأمنية الصهيونية وتخلق وضعاً استثنائياً في القيادة الأمنية الصهيونية".
وجاء تقرير هاآرتس آخر يونيو المنصرم كمتابعة لقرار الحكومة الصهيونية عدم التمديد لرئيس الموساد الصهيوني مائير داجان، والذي يتزامن مع التغيير في رئاسة كل من هيئة الأركان العامة للجيش الصهيوني وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) والمخابرات الداخلية الصهيونية (الشاباك) خلال الأشهر الستة المقبلة.
وتثير التغييرات المرتقبة موجة من الانتقادات في الداخل الصهيوني ضد كل من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك تتهمهم بالفشل في قيادة الأجهزة الأمنية وضيق الأفق وضعف النظرة المستقبلية للأمور، نظراً لإنهاء كافة قيادات الصف الأول الأمنية مهامهم في نفس الوقت، ما يخلق حالة فراغ سيكون لها تأثير في المستقبل على الوضع الأمني، خاصة أن العديد من الضباط المرشحين لشغل هذه المهام تنقصهم الخبرة والتجربة الكافية، بحسب المنتقدين.
سقوط الأسطورة
جاء قرار رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو برفض التمديد لمائير داجان في رئاسة الموساد، بمثابة النهاية الحقيقية لـ"رجل الكيان الصهيوني الأسطورة"، وفق تعبير صحيفة يديعوت أحرونوت مطلع يوليو الجاري.
حيث نقلت الصحيفة عن مصدر أمني صهيوني رفيع المستوى أن "المبحوح من قبره أطاح بداجان من منصبه"، مشيرا إلى أن "هناك قاسما مشتركا يجمع بين اغتيال المبحوح، وطرد الممثلين الصهاينة من عدد من الدول على خلفية الجوازات المزورة في عملية الاغتيال، مرورا بعدم جمع معلومات استخباراتية جيدة عن السفينة التركية (مرمرة) وانتهاء باعتقال رجل الموساد في بولندا، يوروي برودسكي، ذلك القاسم المشترك الذي صب في النهاية نحو اتخاذ قرار التخلص من داجان".
واتفق معه محلل الشؤون الإستراتيجية في الصحيفة د.رونين بيرغمان قائلاً إن "الضرر الذي سببته محاولة اغتيال مشعل في عمان بالأردن، لا يقارن بالأضرار الإستراتيجية الجسيمة التي لحقت بدولة الكيان من قضية المبحوح، وبالتالي فإن الدعوات لإقالة داجان لم تعد حكرا على أوروبيين شاهدوا مساس داجان وموساده بكرامتهم الوطنية، وإنما تعدت ذلك للصهاينة باتوا يستشعرون الخطر من سلوكيات الموساد الحمقاء تحت قيادته".
استخباراتية وعسكرية
فتح موقف حكومة نتنياهو من داجان الباب واسعا للتكهنات في الداخل الصهيوني بشأن تغيير القيادات الاستخباراتية في كل من جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك) والمخابرات العسكرية (أمان)، خاصة في ظل التكهنات بأن يخلف داجان في رئاسة الموساد رئيس جهاز الأمن العام الداخلي "الشاباك" يوفال ديسكين، الذي سينهى رسميا مهام منصبه في مايو من العام المقبل.
من جانبها قالت الإذاعة الصهيونية إنه لا يستبعد أن يعين لرئاسة "الموساد" أحد الجنرالات الذين سيخسرون السباق على خلافة جابي أشكنازى في رئاسة الأركان، والذي أعلن باراك أنه سينهي مهام منصبه نهاية العام الحالي 2010.
وأضافت الإذاعة أن الجنرال يئواف جلانت، قائد المنطقة الجنوبية وقائد عملية الرصاص المصبوب التي استهدفت قطاع غزة في الفترة من 27 ديسمبر 2008 إلى 18 يناير 2009 يعتبر من أقوى المرشحين لخلافة أشكنازى، موضحة أن سبب ترشيحه هو "تقدير باراك لأدائه العسكري وسيرته الحافلة بالإنجازات القتالية، علاوة علي خبرته السياسية والعسكرية".
أما إذا خسر في السباق فلا يستبعد أن يعين رئيسا للموساد.
وتأتي هذه التغييرات في القيادات الأمنية الصهيونية على خلفية انتقادات واسعة تعرضت لها المؤسستين العسكرية والاستخبارتية الصهيونية في الآونة الأخيرة، خاصة الفشل الكبير في التعامل مع أسطول الحرية الذي كان متوجهاً إلى غزة بحراً لكسر الحصار وعلى متنه متضامنون مدنيون من 40 دولة عربية وغربية وآسيوية.
حيث هاجم جيش الاحتلال أسطول مدني في مجزرة خلفت 9 شهداء أتراك وعشرات المصابين الآخرين، وهو ما وصفه اثنان من أبرز قادة الكوماندوز في تاريخ الجيش الصهيوني هما الجنرالان عامي إيالون وعميرام لفين بـ"فشل مطلق".
تركيا ستحدد الخيار
الخبير الفلسطيني في الشؤون الصهيوني جوني منصور من جهته علق على هذه التغييرات في تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين.نت " بقوله "هناك عدة عوامل أسفرت عن هذه الحالة المقبلة عليها المؤسسة العسكرية الصهيونية نهاية العام الجاري، في مقدمتها انعكاسات هجوم الكيان على أسطول الحرية".
ورجح منصور أن "التغييرات المرتقبة ستؤثر على التوجهات الخارجية المستقبلية للكيان وخاصة الملف الإيراني، واحتمال توجيه ضربة لإيران إن لم تكن قاضية للمشروع النووي الإيراني ستكون على الأقل بمثابة رسالة تفيد أن دولة الكيان قادرة على فعل شيء، ولذا أعتقد أن التغييرات ستكون على المستوى قيادات ميدانية أكثر منها قيادات عليا".
ورأى: أن "هذه التغييرات ستأتي بحيث تتلاءم مع: أولاً الملف الإيراني وتأثيره على الخليج العربي والإقليمي، ثانياً دخول تركيا على الخط السياسي والعسكري بمواجهة دولة الاحتلال، ثالثاً ميل الكيان الصهيوني إلى تكوين تحالف مع مصر والأردن والسعودية في مواجهة إيران وتركيا، وأخيراً قوة المقاومة اللبنانية المتمثلة في حزب الله وتأثيرها على المشهد العسكري الصهيوني".