الوحدة العربية هل مازالت حلمنا الاكبر ؟ / ١ شبكة ذي قـار صلاح المختار
الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء ؛ هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح ،
ونحن نحارب الناجح حتى يفشل
الشيخ علي طنطاوي من يظن ان الحروب العسكرية والاقتصادية التي يشنها الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية على الامة العربية ، مباشرة او بواسطة اسرائيل الشرقية ، هما اخطر ادواته واهم لان الاداة الاكثر خطورة وتأثيرا هي الاعلام ، فالاعلام هو الحادلة الجبارة التي تزيل الغام الطرقات وتعبدها كي تمر القوات العسكرية والنهب الاقتصادي للعالم بلا عوائق ، وهذه الحقيقة اصبحت اكثر وضوحا بعد اختراع اشد الاسلحة فتكا وتدميرا في العالم وفي التاريخ الانساني وهو سلاح الانترنيت . حروب اعداءنا الاكثر ايذاء لنا هي بالاساس حروب معلومات ملفقة او مزورة ، تلفق كليا معلومات او تشوه حقائق قائمة ثم يعاد تصديرها تحت اغطية مهنية كي تنتشر وتعيد تشكيل وعي الناس واذواقهم وسلوكهم الفردي والجمعي ليصبح متقبلا لما تريده امريكا ومن معها ومن ثم يصبح شن الحرب العسكرية امرا اسهل ولديه انصار .
عندما تسيطر على عقول الناس وعواطفهم تستطيع توجيهها الوجهة التي تريد مهما كانت مضرة بالجهة التي تعرضت للتأثير المبرمج ، لانها تجرد المستهدف مهما كان قويا من اهم مصادر قوته واستمرارية خوضه للحرب ( العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية ...الخ ) ، وهو جماهيره التي تعتبر مثل الماء بالنسبة للسمك ، جرد عدوك ممن يدعمه او اجعله مترددا تكسب الحرب ضده باقل الاثمان وباسرع وقت ، ولذلك فان الانترنيت يقوم باهم وظائف الحرب بكافة اشكالها وهي وظيفة تجريد العدو من داعميه الاساسين والمتوقعين عبر غسل الادمغة جماعيا وتغريب المستهدف وشيطنته فتعزله وتهيأ لتدميره .
هذا ما حصل للعراق مثلا فقد شيطنه الاعلام الغربي - الصهيوني – الفارسي شعبا ونظاما وبمشاركة عربية واسعة النطاق وعندما اكتملت اركان الشيطنة شنت الحرب العالمية الثالثة ضد العراق ( 1991 ) واوصلته الى ما وصل اليه الان من خراب شامل وتدمير كامل للبنى التحتية وخلخة للبنية الاجتماعية والفكرية والنفسية والاخلاقية للعراقيين . كان تلفيق الاكاذيب التي تثير نقمة العالم ضد العراق هو الاسلوب الرئيس ولذلك سمع العالم في النصف الثاني من الثمانينيات بقصص كاذبة مثل ( المدفع العملاق ) واسلحة االدمار الشامل و ( اضطهاد الاقليات ) وتحرك القوات العراقية نحو السعودية لغزوها بعد دخول الكويت ( 1991 ) وغيرها من الاتهامات التي تبين لاحقا انها كلها كاذبة او محض مبالغات متطرفة لكنها ادت دورها المطلوب وهو عزل العراق عالميا وكسب كتل من الناس لا تقف ضد غزوه وشن الحرب عليه مهما كانت مدمرة .
وعندما تبين ان تلك الاتهامات غير كافية للقيام بالغزو لفقت قصص العلاقة مع القاعدة والاسلحة التي تبيد العالم في 45 دقيقة كما ادعى توني بلير رئيس الوزراء البريطاني ، واسلحة الدمار الشامل التي وضعت في ناقلات متحركة لتجنب كشفها ، بل ان وزير الخارجية الامريكي كولن باول قدم صورا لها في مجلس الامن وادعى انها التقطت من الجو لتلك الناقلات ! ثم كما في السابق تبين انها كلها اكاذيب وللحجم الكبير للفضيحة اضطر كولن باول للاستقالة واعترف بانه ارتكب خطأ كبيرا ! ولكن ايضا تلك الاكاذيب نجحت في اقناع اطراف عديدة بضرورة الحرب على العراق ! هذه كلها اكاذيب اعلامية قام الاعلام الغربي المتصهين وبعض الاعلام العربي بترويجها فاكتملت متطلبات شن حرب معارضيها اضعف من داعميها . من لا ينتبه لهذ الحقيقة يفقد المبادرة ويعجز عن الفهم السليم ويصبح اسير حالة تراجع فوضوي او تردد قوي تنتهي بمقتله او انتحاره .
الوحدة العربية كانت اول ضحايا الستراتيجات المعادية للعرب وما فيها من خطط اعلامية تفصيلية حتى قبل ان تقوم اصلا فعندما عقد المؤتمر الصهيوني الاول في بازل ( 1897 ) السويسرية كان من بين اهم مقرراته منع تحقيق اي شكل من اشكال الوحدة العربية وانشاء كيان يهودي عازل وسط الوطن العربي يمنع تحقيق الوحدة العربية ، وبعد هذا المؤتمر ترجمت مقرراته الاتفاقيات الدولية مثل سايكس بيكو ، والمؤتمرات التخصصية مثل ( تقرير بنرمان ) الذي قدم ستراتيجية شاملة من اجل السيطرة على الوطن العربي والاستحواذ على ثرواته وموقعه الستراتيجي وكان اول الاهداف التي وضعتها منع الوحدة العربية ، ووعد بلفور الذي كان اساس انشاء كيان غريب يعزل المشرق العربي عن مغربه بدولة صهيونية معادية لمنع الاتصال الجغرافي المطلوب للوحدة العربية .
كان الهدف الاساس للغرب – الذي كانت الصهيونية قد لفت حول عنقه سلسلة من وسائل السيطرة المالية وغيرها – هو منع تحقيق وحدة العرب ، انسجاما مع الخطط الصهيونية المذكورة وتطبيقا لها في ان واحد ، ومما يجب الانتباه اليه لاهميته القصوى هو انه لم يبرز اهتمام استعماري او صهيوني بعدو ما مثلما حصل مع هدف الوحدة العربية ، مع ان العرب وقتها ( نهاية القرن التاسع عشر ) كانوا تحت الاحتلال العثماني ولم تكن لهم دول مستقلة او قوة فعالة !
عاملان اساسيان كانا وراء انفراد العرب بميزات جعلت الغرب والصهيونية يختاران وطنهم الكبير ليكون هدفا ستراتيجيا اعظما يفوق قيمة اي اقليم اخر في العالم وقتها ، اولهما اختيار فلسطين لتكون مكان دولة يهودية والثاني اكتشاف النفط في الوطن العربي ، ولذلك وضعت خطة لمستقبل لن تدوم فيه حالة العرب الممزقين والضعفاء والمتخلفين بل كان متوقعا تحقيق نهوض عربي كبير في وقت ما ولذلك استعدت الصهيونية والغرب لتلك اللحظات بوضع خطط تفصيلية لما يجب فعله لمنع اكتساب العرب القوة والتقدم العلمي والتكنولوجي وتتويج عوامل القوة بافضلها وارقاها وهو وحدة العرب الشاملة من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي .
في بدايات القرن العشرين لم يكن اعلام الغرب والصهيونية ينفرد بالسيطرة على عقل العالم لكنه كان فعالا ويستطيع تحقيق اختراقات ثقافية ونفسية هائلة ، ولذلك فان قيام وحدة مصر وسوريا ( 1958 ) كان اكبر تحد يواجه الغرب والصهيونية فنشبت معركة طويلة النفس بين حركة التحرر العربية بقيادة القائد جمال عبدالناصر وبين الاستعمار والصهيونية حسمت لصالح الاخيرين عن طريق تنفيذ خطط الاستنزاف الاقتصادي والعسكري والنفسي للعرب مدمجة بدور الاعلام الغربي في تضخيم الاخطاء التي وقعت لاجل تهديم تلك التجربة الرائدة والتاريخية .
وفي تلك الحرب تم استخدام كافة الاساليب لتحقيق الاهداف المرسومة وابرزها ستراتيجية ( شد الاطراف ) التي تعني اقامة صلات ستراتيجية مع جيران العرب ( الفرس والاتراك والافارقة ) لتطويقهم بقوى معادية تستنزفهم وتمنع التنمية والتقدم والاستقرار في الاقطار العربية . وفي هذا التوجه الستراتيجي الصهيوغربي نرى الجذور الجديثة لمواقف الفرس المعادية للعرب منذ الشاه الى نظام الملالي مثلما نرى اسرار الدعم الغربي لاسرائيل الشرقية المتصل حتى الان .
وعندما تغير العالم وبدأ عصر هيمنة الانترنيت عالميا توفرت اخطر ادوات شيطنة الوحدة العربية وتبشيعها بنظر ابناء الامة العربية ، ومع تداعي حالة العرب ووصولهم لما هم عليه الان خصوصا بعد هيمنة عصر الصراعات الطائفية والعرقية والايديولوجيات المتناقضة ، وهي صراعات مقررة في الستراتيجية العظمى المعادية ، بدأنا نسمع اطروحات غريبة وفاسدة مثل ( التبشير بدفن الوحدة العربية ومصدرها وهو القومية العربية على اساس انها فشلت وعلينا ان نكون واقعيين ونتخلى عن تلك الفكرة العاطفية البعيدة عن الواقع العربي والعالمي ) ! واقترن ذلك بترويج فكرة مشبوهة وهي ان ( التيار القومي العربي قد فشل وانتهى وعلينا البحث عن مشروع بديل يمكن ان ينجح ) !
كان اول سؤال يطرق الذهن هو : هل حقا انتهت الوحدة العربية ؟ كان امامي مشهدا يراه العالم كله وهو ان تدمير الوطن العربي وخصوصا العراق عمل خططت له ونفذته امريكا ومعها الصهيونية وقوى اقليمية في مقدمتها اسرائيل الشرقية ، ولم يكن ثمرة صراعات طبيعية بين العرب على الاطلاق ! يا للصدفة – ان كانت صدفة حقا – فمن شارك في غزو وتدمير العراق هم انفسهم من اغتالوا قبل ذلك الوحدة النواة : الغرب الاستعماري والصهيونية واسرائيل الشرقية تحت الشاه وتحت خميني ! اما الانظمة العربية التي شاركت في الحرب ضد تلك الوحدة فقد كانت ادوات لا قرار مستقل لها وسخرت امكانياتها الاقتصادية لدعم الحرب الصهيوامريكية فارسية ضد الوحدة العربية .
فكيف تمت عملية اسقاط اول تجربة قومية رائدة ؟ وما هي الاسباب الحقيقية لسقوطها ؟ ومن وراء ترويج فكرة انتهاء الامل الوحدوي العربي ؟ وهل حقا فشل التيار القومي العربي بكافة اطرافه كما يدعي البعض ام ان الواقع على الاقل في العراق يثبت العكس تماما ؟ وكيف نوصل الحقيقة للاجيال العربية الجديدة التي ولدت بعد اجهاض تلك التجربة القومية الرائدة ولم تعرفها او تعيش اجواءها ونبدد الاوهام التي زرعت في اذهانهم حول ( لا واقعية الوحدة العربية ) واستخدام منطق شكلي هش – رغم ما يبدو عليه من صحة ظاهرية - لدعم هذه النظرية الصهيوامريكية وفارسية ؟
كيف نجح الاعلام المعادي بشيطنة ضرورة عصرية وهي الوحدة العربية مع ان عالمنا هو عالم الكتل الكبيرة والذي تأكل فيه الحيتان الكبيرة الاسماك الصغيرة ؟ ان احد اهم قوانين العصر هو ( قانون الكتل الكبيرة ) فقد ثبت ان الكتل الصغيرة تفقد حريتها وتقع تحت تاثير الكتل الاكبر فازدادت اهمية تكوين كتل كبيرة واضمحل دور الدول المنفردة وظهرت تكتلات كبيرة مثل الامم المتحدة والاتحاد الاوربي وكتلة امريكا الشمالية ، ومجموعه بريكس ( روسيا والصين والهند ) ، والدعوة الحالية لاقامة منظمة تضم الدول الواقعة على بحر البلطيق ومن بينها ايران وروسيا ودول امريكا الجنوبية ودول اسيوية كالصين وكوريا الشمالية لمواجهة الولايات المتحدة الامريكية وحلف النيتو ومنظمة التجارة العالمية ...الخ .
ورغم هذا الاتجاه العالمي الجارف للتوحد في كتل كبيرة ، ورغم توحد قوميات ذات تاريخ عدائي مثل الالمان والفرنسيين ، ورغم توحد كل شعوب الارض التي كانت مقسمة ، يحرم على العرب التوحد رغم انهم امة واحدة بلغة واحدة وثقافة واحدة وتاريخ واحد ومصالح واحدة وتكوين نفسي متشابه ، وارض واحدة ممتدة بلا عوائق سوى اسرائيل الغربية ، التي زرعت عمدا بهدف شطر الوطن العربي الواحد وذلك احد اهم توصيات تقرير لجنة بنرمان ( 1905 - 1907 ) !
تحرم وحدة العرب وتشيطن دعوتهم وتجري عمليات ابادة منظمة للملايين منهم بواسطة ( نظرية شد الاطراف ) الصهيونية والتي تقوم على دفع الدول غير العربية المجاورة للعرب لشن حروب على العرب واستنزافهم لاجل ابقاء اسرائيل الغربية بعيدة عن اي صراع مصيري وحماية السيطرة الاستعمارية على مناطق النفط !
فهل ما يطرح من مفاهيم حول وحدة العرب صحيح وعفوي ؟ ام انه تنفيذ لستراتيجية معادية للعرب حصرا ؟ وهل حقا ان العرب وبالذات التيار القومي العربي مسؤول عن فشل الوحدة الاولى ؟ لنبدا من اول القصة . يتبع .
almukhtar44@gmail.com
٠٨ / أذار / ٢٠١٥