أين ذهبت المليارات يا مسؤولي العراق؟هيفاء زنكنة
April 20, 2015
يشير تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام الحالي بان العراق يحتل المرتبة 171 من مجموع 177 دولة. الدول التي تنافس العراق، من ناحية الفساد، هي ليبيا، السودان الجنوبي، السودان، أفغانستان، شمال كوريا والصومال. وهو «أنجاز» لايوجد ما يشير الى ان النظام الحالي، برئاسة حيدر العبادي، سيتمكن من تجاوزه، على الرغم من تقديم العبادي الى العراقيين والعالم، باعتباره إصلاحيا معتدلا ومختلفا عن نوري المالكي، رئيس الحكومة السابق، المعروف برعايته الأبوية الكريمة لكل أنواع الفساد.
ولأن مفردة الفساد باتت، لفرط استخدامها وعدم معاقبة أي مسؤول فاسد، مجرد وصف تجريدي لايستحق المساءلة، يبدو من الضروري العودة الى تعريف كلمة الفساد وكيف يتمثل وينتشر، وتأثيره على العراق ؟
إن اهم ما يمهد الأرضية للفساد، كونه الإستئثار الخاص بالمال العام، بكل انواعه، من الاداري والسياسي الى الاخلاقي المجتمعي، هي ان العراق بلد غني جدا، ذو اقتصاد ريعي، مما يعني ان الفئة الحاكمة، حالما تتمكن من الاستحواذ على مصدر الثروة، أي النفط، لن تحتاج الشعب، مهما تم ادعاء غير ذلك. حيث يصبح الشعب الواعي، الوطني، المستعد لبناء وحماية استقلال بلاده، والقادر على المبادرة بعيدا عن التحشيد الايديولوجي / الديني السياسي الأحادي القولبة، عبئا يجب التخلص منه. وهذا هو السائد حاليا .
إذ تستمر عملية توزيع الثروة الوطنية التي تم الإستحواذ عليها بتحويلها من وجوه الصرف المشروعة العامة، على مجموعة من ساسة عبر وكلائهم وشركاتهم الوهمية أو الحقيقية، وأحزاب، أذرعها ميليشيات فاشية السلوك والتطلع، مبنية على التمييز الطائفي، تستقطب الحشود عبر التجييش العاطفي والغرائزي، ولا يوحدها غير نفس الانتقام . هذا هو الشكل العام للفساد بنسخته المحلية العراقية غير المتناقضة مع تعريف منظمة الشفافية الدولية، بصدد الدول، في أنه إساءة استعمال السلطة للحصول على مزايا شخصية بشكل غير شرعي.
الفساد في الواقع السياسي يعني شراء المناصب الكبيرة، من الوزراء الى مدراء المؤسسات الى أدنى المراتب الحكومية. يعني توقيع العقود الوهمية وتعيين موظفين وهميين وضباط ورجال أمن «فضائيين». وقد أصبحت كلمة «فضائي» التعبير العراقي للشخصيات الإفتراضية التي تملأ الإنترنت والألعاب حيث يمكن لأي فرد إختلاق عشرات الأسماء لنفسه. واصبح الكثير من سجلات ودوائر الدولة العراقية، سواء في الجيش والشرطة ـ أو في التعليم والخدمات، كيانات إفتراضية لا تحوي الا القليل من الناس العاديين في الواجهة.
ويعني الفساد، أيضا، استخدام المال العام لتأسيس ميليشيات ودفع رواتبها لأغراض حماية مسؤول ما أو رئيس حزب أو تيار ضد آخرين. ويعني إغراق أجهزة الأعلام بمن هو مستعد للتهريج والكذب والتشهير حسب ما يصدر من أجهزة التعبئة النفسية والمخابراتية.
ويعني، الغاء مفهوم الكفاءات لصالح من يدفع أكثر. يعني التعامل مع الشركات الاحتكارية وفق مصالحها. يعني تكريس الطائفية عبر التمييز والاقصاء وتهميش فئة لصالح فئة أخرى. الفساد، يعني قدرة المستحوذ على مصادر الثروة، أن يلغي من يشاء ويزيد قوة من يشاء. وتتصارع مافيات الفساد فيما بينها إذا لم تتفق على محاصصة الغنيمة أو توزيع دوائر نفوذها. في ظروف كهذه يصبح الموظف والعامل النزيه مشكلة يجب حلها، أما بطرده أو إجباره على الإنتقال أوالهرب ، ويصبح من لديه الجرأة على كشف الفساد خطرا يجب إجتثاثه بتهمة سياسية أو مالية او بتفجير مقره بعملية إرهابية.
وتعتبر سيرورة انتهاك حقوق الانسان بدءا من حق الحياة والعمل الى حرية الحركة والتعليم والصحة والتعبير عن الرأي، من ضحايا الفساد الأولى. اذ حالما يعشش الفساد ويسري في مجتمع ما حتى يصبح كل فعل يومي مشروط التنفيذ بالقدرة على المشاركة بحلقة الفساد الدائرية. فمن يرفض دفع الرشوة، بعد التخرج، لن يحصل على عمل مهما كانت درجة كفاءته، والعائلة التي ترفض دفع مبالغ طائلة الى ضباط الأمن والشرطة لن تتمكن من معرفة مصير أبنها المعتقل، وضابط الأمن، ما كانت ستتم ترقيته لو لم يدفع رشوة يستوفيها، بعد التعيين، من أهالي المعتقلين. بمرور الوقت، أصبح الفساد المبدي بشكل رشوات صغيرة وكبيرة، حسب مقام المرتشى، هي العملة السائدة لتسيير كل نواحي الحياة، وتنعكس بالتالي على استسهال خرق القوانين وخلق قوانين بديلة في خدمة ديمومة الفساد ضمن واحد من أهم جوانب تطبيق القوانين وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين، اي الجهاز القضائي.
واذا كانت منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الاقتصادية والحقوقية تركز في تقاريرها على تأثير الفساد على التنمية وحقوق الإنسان وتنفيذ مسؤولياتها دوليا، فإن عجز الحكومة العراقية يتبدى بوضوح لاغبار عليه في الجانبين المحلي، تجاه المواطنين، والدولي من ناحية الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية. هذا العجز المستشري يشعر المواطنين باليأس وفقدان الأمل ويؤدي الى ما هو أخطر أي عدم القيام بأية مبادرة أما لأحساسهم المسبق بلا جدواها أو لعدم امكانيتهم تحقيقها الا عبر القبول بان يكونوا جزءا من منظومة الفساد أو السكوت على الفساد، خاصة وان من يتجرأ على فضح الرشى والمحسوبية والمنسوبية انما يعرض حياته للخطر بشكل يماثل عقوبة من يجرؤ على الافشاء باسرار المافيا أو الإبلاغ عن عملياتها.
ومن يرغب بمعرفة حجم وعمق الفساد فإن قراءة كتاب « الفساد في العراق» لموسى فرج، الرئيس السابق لهيئة النزاهة في العراق، ستعطيه أمثلة موثقة من قبل شخص عايش الفساد على مدى 11 عاما توصل أثناءها الى ان قادة الفساد هم الساسة والحكوميون الكبار، مشددًا على أن هذا الفساد كان في مقدمة الأسباب التي أفضت إلى سقوط ثلث العراق بيد داعش. وفي مقابلة صحافية معه أوضح موسى فرج بأن أكثر الامور اثارة للحزن ادراكه بأن حجم الموازنات المالية السنوية في العراق يفوق إجمالي أحجام موازنات خمس من دول الجوار هي: الأردن وسوريا ولبنان ومصر، في حين أن عدد سكان العراق لا يتجاوز ثلث عدد سكان مصر، لكن معدل الفقر في العراق يفوق معدلات الفقر في تلك الدول مجتمعة.
لعل هذه الحقيقة ومعرفة ان اساس الفساد هم المسؤولون هو الذي يدفع المواطنين الى التظاهر والاعتصام ورفع شعارات منددة بالفساد على غرار: «العراق اغنى دول العالم وشعبه افقر الشعوب» و»أين ذهبت المليارات يا مسؤولين». وهي خطوة أولى نحو ثورة الشعب على من يمتص دمائه ويغطي فساده الذي هو أساس الارهاب بالحرب على الارهاب.
٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة