احتفالية فلسطين للأدب: هنا على صدوركم باقونهيفاء زنكنة
May 25, 2015
■ ما هو دور المثقف تحت الاحتلال؟ واحد من الاسئلة التقليدية التي تواجه الكتاب والفنانين والمثقفين اذا ما حدث وعاشوا أو ذاقوا عن مبعدة طعم الإحتلال. تختلف الأجوبة ومها يحل المزيد من التساؤلات. هل هناك مساحة للنقاش حول اهمية ما يراه المثقف الملتزم مسألة واضحة ترتبط بمعنى وجوده وتستدعيه لمواصلة الكتابة والابداع باشكاله المختلفة ؟ ولأن أفضل الاسئلة هي التي تقود الى تحفيز المخيلة واثارة المزيد من التساؤل، يحضر سؤال آخر عن الأدب والحرب. كيف يتمكن المحاصر بالدماء والموت من كتابة نص أنساني ، غير مؤدلج؟ ألسنا نطلب المستحيل؟
في أحتفالية فلسطين للأدب، في عامها الثامن، أقترنت تحديات الأجابة على الأسئلة « التقليدية» ، بمواجهة « نقاء» عنصرية الكيان الصهيوني، باتاحة الفرصة لعدد من الفنانين والادباء العالميين أن يعيشوا ولو « قسطا بسيطا من تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين تحت الاحتلال. بالاضافة الى بناء علاقات التواصل في الإنتاج والإبداع الفني والثقافي مساهمة في كسر الحصار المفروض على الحياة الثقافية الفلسطينية» ، كما ذكرت أهداف سويف، رئيس مجلس أمناء الأحتفالية.
يتجلى « النقاء» الديمقراطي الاسرائيلي في كل لحظة من لحظات الليل والنهار وفي كل شبر يقطنه فلسطيني. في زمن لا تتاح فيه للفلسطيني امكانية العودة الى بيته، محكوما عليه بالغربة أينما حل، يتم جلب كل يهودي أو من يدعي اليهودية ليستوطن البيت الفلسطيني.
بالاضافة الى ذلك ، لايزال التهجير القسري مستمرا، فالعنصرية الاسرائيلية لا تتحمل وجود فلسطيني واحد في فلسطين. رام الله ، مركز السلطة الفلسطينية، مهددة بامتداد وتوسع المستوطنات. منطقة « أ» الواقعة تحت حكم السلطة الفلسطينية تثير احساسا هائلا بالفجيعة. وتفاصيل الفجيعة تصدم حتى من يتابع ويعرف الكثير عن القضية الفسطينية. في لقاء مع ممثل الأمم المتحدة بالقدس الشرقية ، مدعوم بالخرائط والاحصائيات، أدرك الكتاب والفنانون حجم الكارثة التي يتغذى عليها غول الاحتلال وعمق ما وصل اليه ، في ذات الوقت الذي يبدو فيه التمسك بالقانون الدولي وهما أو خديعة . 60 بالمئة من الضفة الغربية مصنفة باعتبارها المنطقة ج ، اي التي « تشهد أكثر آثار الاحتلال المتواصل قسوة». من بينها: إجبار السكان على الرحيل بواسطة عدم تزويدهم بالاحتياجات الاساسية. عدم الحصول على تراخيص البناء. التعرض للهجوم والاعتداء من المستوطنين الذين يحق لهم حمل السلاح وحمايتهم بينما يعاقب الفلسطيني اذا حمل سلاحا ويتهم بالارهاب. صعوبة الوصول الى المدارس او المستشفيات بسبب جدار الفصل العنصري وعدم حيازة ترخيص وكثرة نقاط التفتيش.
سيطرة اسرائيل على مصادر المياه وتحويلها الى المستوطنات ليضعوا بذلك نهاية مميتة لأي نشاط زراعي أو رعوي.
ومن يزور الخليل والقدس الشرقية ، سيرة « النقاء» الأسرائيلي في بيوت المستوطنات الفخمة ، في الخدمات الراقية ، في الطرق الخاصة بهم لوحدهم ولا يحق للفلسطيني السير أو قيادة السيارة فيها، في المسابح التي تشرب المياه بينما تجف اشجار الزيتون في الحقول الفلسطينية العطشة ، في الشوارع والحدائق النظيفة التي تليق بـ « نقائهم» الخالص بينما يرمون الأوساخ والفضلات وحفاظات الاطفال القذرة ومناشف نسائهم الصحية الملطخة بالدماء على بيوت الفلسطينيين ، ثم يتهمون الفلسطينيين بالاهمال والوساخة، واذا ما دافعوا عن أنفسهم بالارهاب.
ماذا عن القدس ؟ ما الذي بقي منها ؟ أصبحت القدس الشرقية فقط هي محط النزاع المائل ، يوميا، باتجاه الاستحواذ الاسرائيلي الكامل. ممنوع دخول القدس الشرقية على الفلسطينيين الا بتصريح خاص ، بما في ذلك اماكن العبادة خلال شهر رمضان وعيد الفصح ، علما بان عدد التصاريح محدود واماكن وصول حاملي التصاريح هي أربعة حواجز فقط تم دمجها بالجدار لتحقيق فصل القدس عن الضفة فعليا واعلانها ، عاصمة للكيان الصهيوني بعد تنفيذ مشروع المساحات المفتوحة الذي يغطي أحياء سكنية فلسطينية مستهدفة مثل شيخ جراح، بحجة بناء حدائق ومتنزهات للمحافظة على البيئة ومراكز معلومات مناطق أثرية.
في وضع مبني على التمييز العنصري ، في ظل واحد من أبشع الاحتلالات وأكثرها ظلما ومنهجية لسلب الانسان حريته وكرامته ووطنه ، ازاء مصادرة الاراضي وبناء المستوطنات وتهديم البيوت واجبار اصحاب البيوت المهدمة على دفع تكلفة تهديمها ، هل من فائدة للأدب والفن؟ جواب الفنان والاديب الفلسطيني حاضر ايجابا. الأدب والفن جزء لايتجزأ من كينونته وتحقيق هويته، وفي اعماله ، ماضيا وحاضرا، انعكاسات وتجسيد للقضية فنا وشعرا وقصة.
لا يأتي الجواب بالنسبة الى الفنانين والكتاب العالمين، بنفس التلقائية، مالم يكونوا من الملتزمين بقضايا الشعوب أنسانيا وأخلاقيا وسياسيا. وهم ، على الرغم من التزام العديدين منهم بالقضية الفلسطينية ، بحاجة الى المعرفة عن قرب ومعايشة الواقع الفلسطيني ، ولو لأيام. فاليوم الفلسطيني يساوي شهرا في بلدان أخرى ، وما تخلفه العلاقات الشخصية أعمق بكثير من القراءة النظرية، وهي نقطة تحسب بامتياز لمهرجان فلسطين للأدب وللادب الفلسطيني وما يمثلانه من قدرة الفلسطيني الهائلة على الصمود، بمواجهة الاستلاب اليومي ، ليقدم للعالم نموذجا لاستمرارية البقاء. والا كيف يبقى صوت توفيق زياد حيا وهو يقول» كأننا عشرون مستحيل / في اللد والرملة والجليل/ هنا على صدوركم باقون كالجدار/ وفي حلوقكم كقطعة الزجاج كالصبار/ وفي عيونكم زوبعة من نار» أو سميح القاسم ملخصا كل صنوف القمع التي يتعرض لها ابن البلد في كل لحظة وقسمه في ان يبقى صامدا: « ربما تسلبني آخر شبر من ترابي/ ربما تطعم للسجن شبابي/ ربما تسطو على ميراث جدي / من أثاث وأوان وخواب/ ربما تحرق أشعاري وكتبي/ ربما تطعم لحمي للكلاب/ ربما تبقى على قريتنا كابوس رعب/ يا عدو الشمس لكن لن أساوم/ وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم».
٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة