من وحي القيامة المجيدة... المسيح قـــام...!!! بنايوت زيدان
يوم عيد الفصح
[b]في هذا اليوم - ذكرى القيامة المجيدة - نتذكر بفرح عظيم كيف انتصر السيد المسيح على قوى الشر والظلام[/b]
فحرر "أحباءه" من ناموس الخطيئة والموت ...! ( رومية 6:7 ) ، ومنحهم نعمة ناموس "روح الحياة " ! (رومية 2: وهكذا خلعوا الإنسان العتيق ولبسوا الإنسان الجديد..! (أفسس 22:4 ). لقد جاء المعلم يسوع عند ملء الزمان إلى خاصته ليؤدي رسالته السماوية وليرد "خراف" بيت إسرائيل الضالة! (متى24:15) ولكن خاصته لم تقبله..! (يوحنا 11:1). فكان الفريسيون والصدوقيون يرسلون جواسيس متظاهرين أنهم أبرار لكي يمسكوه بكلمة حتى يسلموه إلى السلطة! (لوقا 20:20). فكانوا يتآمرون ليلقوا القبض عليه !.. إلى أن أخيرا بعد وشاية وتواطؤ يهوذا الإسخريوطي - التلميذ الخائن - اعتقلوه ومضوا به موثقا إلى دار رئيس الكهنة حيث اجتمع الكتبة والشيوخ ثم اقتادوه إلى دار الولاية ليمثل أمام الحاكم الروماني؛ وبعد إجراءات محاكمة صورية رعاعية قراقوشية أسلمه الوالي بنتيوس بيلاطس إلى مشيئتهم ليصلب. فأخذوه وجلدوه وشتموه مستهزئين به وبصقوا في وجهه وضفروا إكليلا من شوك على رأسه، ثمَّ دقوا يديه وقدميه بالمسامير على خشبة الصليب!
وهكذا قدم يسوع لتلاميذه المثل الأعلى في التضحية والفداء... إذ بذل نفسه من أجلهم وتحمل الآلام صامدا فاكتملت جبه نبوءات الأنبياء في العهد القديم.
لقد ظن قيافا رئيس الكهنة آنذاك مع المتآمرين من زبانيته في مجلس "السانهدريم" الذي يشبه المحكمة العليا اليوم - بالرغم من إعتراض أو معارضة نيقوديموس الذي كان تلميذا ليسوع؛ أنه بالقضاء على يسوع يضع حدا لدعوته ونشاطه! يوحناا 11: 49- 52). ولكن التلاميذ فيما بعد تابعوا الرسالة بعد إحتجاب يسوع عن العالم الخارجي مصطبغين بصبغة العهد الجديد ثابتين في محبته رغم الاضطهاد والتشريد والقتل والسجن والتعذيب حاملين النور شرقا إلى العالم الآرامي والعربي وغربا إلى العالم الإغريقي والروماني.
لم يكن يسوع المصلوب وحده في الجلجثة، فلقد وقفت أمه مريم بالقرب منه ولا شك أن قلبها كاد ينفطر جزعا على إبنها المعلق على الصليب وهي تبكي بدموع حارة ... إنها بحق ستبقى مدى الزمن أما للمؤمنين وها هي جميع الأجيال تقدم لها الطوبى؛ وإنه بديهي أن يكون جمهور من الحاقدين عند موقع الجلجثة إلى جانب العساكر الرومانيين... ولكن ربما كان هناك أيضا من كان ينظر بحسرة وأسى إلى قسوة القرار بالحكم على إنسان بارٍّ بالصلب..! كما كان هناك جميع معارفه ونساء قد تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرون..! (لوقا 23: 47-49).
يظهر أن يسوع قد ضعفت عيناه عن النظر إلى البعيد إذ ربما كان بسبب الإعياء والنـزيف الشديد والإحتقان في الرئتين! فظن أن "إخوانه"من الإسينيين تركوه وحده ولاذوا بالفرار مثلما فعل بعض التلاميذ..! فصاح حينئذ: "إلوي ... إلوي لما شبقتني"..! (مرقص34:15)، ولكـن إخوانه من هيكـل "إيليوس" كانوا هناك يراقبون الأحداث عن قرب بقلوب دامية ويشاطرونه الآلام والمعاناة.
لقد عانى يسوع آلام الموت على الصليب إذ شرب الكأس التي كانت معدة له! لكنه كان أقوى من أن يهزم .! فقد كسر شوكة الموت وإنتصر على الباطل وغلب العالم..! (يوحنا 33:16)، ثم نهض ظافرا معافى..! فكان أول المولودين من بين "الأموات" (كورنثوس الأولى20:15) وهكذا صدق النبي القائل:" لم تدع فتاك أو قدوسك يرى فسادا"! (أعمال 2: 28-32).
هنا قد نتذكر صدق المعلم يسوع حين قال لتلاميذه: إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم فيظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله..!(يوحنا1:16). ولكن لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وأمّا النفس فلا يقدرون أن يقتلوها بل خافوا من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم!) (متى 28:10)
لقد إختار يسوع تلاميذه بدقة ليكونوا نواة لمدرسته الباطنية - الكنيسة الحقيقية - فأيقظهم وعلمهم وثقفهم ثم أرشدهم إلى "طريق الحياة " وأراهم " الباب الضيق " فساروا بإيمان صادق رغم الشدائد وقرعوه بإستحقاق وعبروا إلى " أرض الموعد العقلية " ظافرين باحثين عن " النور" فاكتشفوا " الحقيقة الضائعة " وأدركوا لغز الكيان وعرفوا سر " التدبير الإلهي ". ولما تقدموا بالعلم والمعرفة والحكمة منحهم "الأسرار" وأعطاهم "المفاتيح السماوية"! وهكذا فازوا "بإكليل الحياة" ونالوا "الخلاص النفسي"! واشتركوا مع المعلم في عشاء "الفرح الكبير"! وهذا هو عيد الفصح العظيم..!
ها هم الكثيرون اليوم يطبلون ويزمرون في هذا العيد..! وكثيرون يتبجَّحون أنهم أكلوا وشربوا على مائدة المعلم يسوع..! وكثيرون يرتدون ثياب الحملان ويتشدقون انهم "خدام" للكلمة! بينما هم في الحقيقة ذئاب خاطفة..! ولقد صدق المعلم يسوع حين قال لمثل هؤلاء: " إذهبوا عني يا فاعلي الإثم... فأنا لا أعرفكم ..! (متى 23:7). لقد أخذتم مفتاح المعرفة فما دخلتم والداخلون منعتموهم من الدخول..! (لوقا 52:11).
ها نحن اليوم ننظر إلى عالمنا المسيحي وقلوبنا يعتصرها الألم؛ فقد ضل الرعاة المسيحيون منذ قرون مبتعدين عن تعاليم يسوع الجوهرية إذ جعلوا لهم مبادئ ومعتقدات وتقاليد بعيدة كل البعد عن تعاليم ووصايا المعلم يسوع التي أوصى بها تلاميذه ؛ فإنه بعد أن كانت المسيحية في أول عهدها مدرسة أنبياء ورسل وقديسين وإخوة، حوَّلها هؤلاء الرعاة إلى مؤسسة أو مؤسسات كنسية قسوسية طائفية تتصارع فيما بينها على القشور والزبائن مما زاد في التفرقة والتمزق والارتداد! فقد طمسوا حقائق المسيحية وخنقوا النور الحقيقي جاعلين من صوامعهم دكاكين أنبياء كذبة!
يجدر القول أنه بعد أن كان اللصوص يُعَلَّقون على الصلبان قديما فقد صارت الصلبان تعلق في القرن العشرين على صدور اللصوص أحيانا..! وهكذا بعد أن كانت الكنيسة -أي جماعة المؤمنين - في القرن الأول الميلادي تطبق نظام حياة اجتماعية اشتراكية مثلى .... أصبحت فيما بعد وإلى القرن العشرين تشكل نظام مجتمع فساد واستعباد وعبودية وتعبد! فكان كل من يحاول إصلاح الاعوجاج يواجه الاضطهاد في أبشع صوره. وهذه محاكم التفتيش ما تزال ذكراها المحزنة عالقة في أذهان الكثيرين.
كثيرون من الرعاة المسيحيين يكتبون ويكرزون في أسبوع الآلام ..! أجل.. كثيرون ينبشون حول الشجرة ولكن دون أن يقتربوا من ساقها لأنهم في غالبيتهم فارغون لا يفهمون معنى الفداء أو الخلاص أو حتى الفصح والقيامة..! فقد تعفنت أدمغتهم وفقدوا مواهب الروح فأضاعوا بذلك روحانية التعليم وخسروا نفوسهم كما خسروا ثقة الرعية بهم وأصبحوا أخيرا حجر عثرة أمام تقدم أبناء طوائفهم وتطورهم فكريا وروحيا..! فهؤلاء الرعاة ما زالوا يغرسون الغيبية الإستمواتية الأرواحية في نفوس رعاياهم من تتار وبرابرة ووثنيين وموعوظين وأشباه مؤمنين. فهم يجهزون أفراد الرعية للموت مسبقا بدلا من إعطائهم النور لكي ينهضوا من قبر الزمن أحياءً بالروح..!
وهكذا يبقى المؤمنون المساكين نائمين عميانا أو منوَّمين وأمواتا بالروح وهم على قيد الحياة يشاهدون المسرحية نفسها على مدار السنين وهم لا يفقهون..!
في هذا اليوم العظيم نهنئُ أنفسنا - رغم الجراح - بالقيامة المجيدة لأننا نحن - أحباءَ المسيح - كنا مائتين فعشنا وكنا ضالين فوُجِدنا..!
أجل ... بالرغم من فرحتنا بالعيد ... لنوجِّه أفكارنا نحو أطفال العالم المنسيين الجائعين وإلى المناضلين الشرفاء والمشردين والمعذبين والمضطهدين تحت كل كوكب كي نمنحهم الدفء والأمل لمستقبل أفضل فنعوضهم شيئا مما سرقه القراصنة من ثروات وخيرات بلادهم..!
في هذا اليوم نقف بخشوع إجلالا إلى شهداء شعبنا العظيم الذين سقطوا على درب النضال من أجل إرساء دعائم السلام والعدالة والحرية والمساواة والحق والمحبة والفضيلة وحقوق الإنسان في أرضنا الطيبة لعل ضمير الإنسانية يستفيق بعد غياب طويل..!
في هذا اليوم نتطلع نحو الشرق العظيم لنؤدي تحية العهد والوفاء عسى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبنا..! (رسالة بطرس 19:1) فنقوم من بين "الأموات " مع المسيح في "شِـبْهِ موته" ! (رومية 5:6) ، وعندئذ تشرق الشمس الجديدة... ومعها ينبثق الفجر الجديد... فلا يقتل الإنسان أخاه الإنسان بعد اليوم..!
المسيح قام..!
حقا قام..!
وكل عام وأنتم بخير..!!
Written By: Panayot ZeidanFrom [b]قطراتٌ... من الماءِ الحيِّ...[/b] BookAll Rights Reserved مقال نشر في جريدة القدس الغراء في 1/5/1994