هذه هي عروبتنا - الحلقة الأولى - نحن والأقليات .. بين وحدة المصير والوداع ؟
هذه هي عروبتنا - الحلقة الأولى - نحن والأقليات .. بين وحدة المصير والوداع ؟شبكة ذي قـارعلي نافذ المرعبي / باريس
ليس من الضروري، دائماً إستحضار التاريخ، كي نفتح صفحاته ويرى الجميع الحقيقة بكل مااحتوته من أحداث طوال العقود الماضية، لإيصال الوطن العربي إلى الحالة الآنية التي نعاني منها، والتي إن لم يتم مواجهتها بزخم قومي عربي صحيح وسليم، فإن المآل يندفع نحو حافة الهاوية، التي في سقوطها تتشظى الكيانات والدول ( المقسمة والمجزأة أصلاً ) ، إلى كانتونات من الحقد والكراهية، يتربع على كراسيها قيادات همجية من الطوائف والمذاهب والأعراق.
إن إستهداف العروبة الحضارية الرحبة ( كما وصفها غسان شربل في مقاله "في وداع الأقليات" ) لم يكن حديث العهد، كما يتصور البعض، بل ربما شكلت الرصاصات التي استهدفت العقيد عدنان المالكي العروبي وذو التاريخ المشرف في دمشق، بداية هذا الإستهداف، لأنه إغتيل عندما كان يقوم بتحقيقات موسعة وجادة كنائب رئيس لأركان الجيش السوري، مع شلة من "ضباط الأقليات" بالجيش بما فيهم صلاح جديد وحافظ الأسد، لتورطهم بالأرتباط بالمخابرات البريطانية، من معلومات وصلته من ضابط أمن وطني بالمخابرات العسكرية الاردنية.
من هنا كانت النواة الأولى لإندفاع هذا البعض من الأقليات في تشكيل ماعرف باللجنة العسكرية زمن الوحدة المصرية ـ السورية، وبعد الإعلان عن حل تنظيم حزب البعث في سوريا إستجابة لطلب عبد الناصر لتحقيق الوحدة، ويمكن القول ان هذه اللجنة استطاعت السيطرة على الحكم في سوريا بعد ردة 23 شباط 1966، بعد أحداث جسيمة وقعت في حماه وفي المسجد الأموي بدمشق، إضطر حينها الرئيس الراحل أمين الحافظ لأعلان تحمله المسؤولية عن ذلك ( كونه سني ) حتى لا تأخذ الأمور وجهها الطائفي البغيض، وكما أخبرني بذلك شخصياً، ومن جهة ثانية للإستيلاء على "شرعية" البعث والتستر خلف تراث ونضال هذا الحزب العروبي الأصيل.
لا يمكن وصف حركة حافظ الأسد بالأستئثار بالسلطة المطلقة وإبعاد الآخرين ـ بما فيهم آخرين من هذه الأقلية مثل صلاح جديد ـ سوى أنها لتنفيذ قرارات غلاة رجال الدين العلويين، الذين حسموا الخلاف حول ضرورة الحكم المباشر كما يريدون، وليس من خلال واجهة سنية ( نور الدين الأتاسي ) كما يتصور صلاح جديد والآخرين. هي إذن مسألة أقليات مذهبية بإمتياز.
هنا، لا بد من الإشارة، أن قيادات هذه الأقليات الطائفية والمذهبية والأثنية، وفي خطها البياني المعادي للأمة، كانت دائماً تتحالف مع ألد أعداء الأمة العربية محلياً وإقليمياً ودولياً. مثل أكثر دول الجوار الإسلامي ـ خاصة عندما تضعف الحالة العروبية ـ فإنهم يجاهرون بعدائهم للعرب ويحاولون النيل من الوطن العربي سواء كان هذا الجوار الإسلامي إيرانياً أو تركياً أو سنغالياً. ايران الشاه إزدادات ضرواة في عدائها للعرب مع نظام الملالي "الإسلامي". تركيا التي تنظر إلى مصالحها وأحلام الامبراطورية العثمانية السالفة. أما السنغال، فقد حاولت تأليب حركة الزنج في موريتانيا، تحت مسمى "العبوية والرق" للنيل من عروبة هذا البلد، وصلت إلى حدود التهديد بإجتياح موريتانيا. هنا أعلنت القيادة العراقية ان أي اعتداء على موريتانيا هو مرفوض، وأرسل الرئيس صدام حسين قوة عسكرية وأسلحة للدفاع عن موريتانيا.
إنتظرت السنغال ـ بعد حصولها على تأييد غربي ـ الفرصة السانحة للثأر من تيار العروبة الحضاري في هذا البلد ومن الموقف العراقي الصلب. حيث تم تدبير ما قيل انه محاولة انقلاب عسكري للبعثيين في موريتانيا، وتم الإنقضاض على خيرة الضباط والمثقفين والمناضلين الموريتانيين ( أواخر الثمانينات ) وللتغطية على هذه المزاعم، أعلنت داكار ان سفير العراق غير مرغوب به، وقررت إبعاده بحجة أنه كان يدير من السفارة في داكار المحاولة الإنقلابية المزعومة.
وللأمانة التاريخية، أوضح أنني إلتقيت ببعضهم ممن لجأوا إلى بونجول عاصمة غابي أو باماكو عاصمة مالي، ضباطاً ومدنيين ومنهم نائب رئيس أركان الجيش الموريتاني السابق، حيث أجمعوا على أكاذيب محاولة الإنقلاب. وأنها مؤامرة للنيل من عروبة موريتانيا. وأتذكر أن المعتقلين الآخرين وأثناء محاكمات صورية لهم في نواكشوط. نفوا علناً أمام القضاء وأمام وسائل الإعلام هذه المحاولة المزعومة وأطلقوا هتافات داخل القاعة تحية للبعث وللرئيس صدام حسين.
إلى هذه الحدود، ولم تنتهي محاولات النيل من العروبة الحضارية الرحبة!؟
في اريتريا، وبعد نضال مرير من أجل الإستقلال عن أثيوبيا، تم الألتفاف على القوة الرئيسية المتمثلة بجبهة تحرير اريتريا ( ذات الثقل العروبي ) لصالح القوى الإنعزالية والمرتبطة بدوائر الغرب بقيادة أسياس أفورقي ( كما حدث لاحقاً في ايران بإبعاد مجاهدي خلق وإيصال خميني للسلطة ) وتم تسليمهم السلطة. السلطة الجديدة في اريتريا إتخذت موقفاً عدائياً جداً من التيار العروبي داخلياً، ومن الجارة العربية السودان التي كانت الرئة التي يتنفس منها الثوار الاريتريين خلال حرب الاستقلال. وكانت العلاقات الدبلوماسية الأولى للدولة الوليدة إقامة علاقات دبلوماسية مع العدو الصهيوني، والسماح له بأقامة أكبر قاعدة تجسس صهيونية في افريقيا كلها. من "غرائب" المصادفات، ان ايران لاحقاً أقامت قواعد ـ قبل سنتين تقريبا ـ لتدريب الحوثيين في اريتريا، وكانت هذه القواعد قرب قاعدة التجسس الصهيونية السالفة الذكر !!؟ يا لها من مصادفة .. .
لا بد من التوضيح ـ ولو في عجالة ـ طالما أننا في ذات المنطقة ، ان تحويل الصومال إلى بلد فاشل وتفكيك مؤسسات الدولة لا يقل خطورة عن تقسيم السودان لاحقاً، وعن تحويل حيبوتي إلى قاعدة أو حاملة طائرات فرنسية.
إذن، ليست الأقليات كانت مضطهدة، كما حاول "قادة" منهم تصوير الأمر كذلك، بل هؤلاء القادة هم الذين تآمروا على النسيج الوطني أولاً، وعلى الأنتماء القومي ثانياً. هنا يحضرني ما أخبرني به مناضل ومفكر سوري عريق ( أعف عن ذكر اسمه إحتراماً لشيخوخته ) وأورده لكم حرفياً : ( كنت في خريف 1976 أقيم في منطقة الشاليهات على شاطئ اللاذقية لأنها أرخص في مثل هذا الوقت من الشتاء حين زارني "أحدهم" وطلب مني الحضور مساء إلى إجتماع مغلق، سيضم شخصيات عديدة من سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، وان جميل الأسد ( الأخ الأكبر لحافظ الأسد ) هو الذي سيدير الإجتماع. في القاعة رأيت وجوهاً متعددة الاتجاهات، كان الحديث في البداية من جميل الأسد عن حماية مذاهب الأقليات ( شيعة، دروز، علويين، اسماعليين ) ودراسة وضعها وتوحيد صفوفها سياسياً على الأقل. وأوضح لي "كانوا يعتقدون أنني اسماعيلي لأنني من مدينة السلمية وغالبية العائلة اسماعيلية" المهم ليس ما جرى في تلك الليلة، بل في الليلة التي تلتها، حيث نقل مقر الإجتماع إلى بلدة القرداحة ( مسقط رأس الأسد ) وتحول إلى بحث مشروع لإقامة دولة لهذه الأقليات تضم مناطق من سوريا ولبنان وشمال فلسطين المحتلة. قال لي : عارض البعض، وإنسحب البعض من الإجتماع، وبالطبع كنت من المنسحبين ولم أعرف إلى ماذا توصلوا لاحقاً ؟؟؟ ) .
يتضح ان محاولات التفتيت، إنساقت بها قيادات من الأقليات، وهنا بالطبع نستحضر طروحات المارونية السياسية ( كتائب، أحرار، رابطة ) قبل الحرب الأهلية في لبنان، ان وجود الغرباء الفلسطنيين أخل بالمعادلة الديمغرافية في لبنان ( الوجود المسلح وغير المسلح ) . وأن لبنان له خصوصيته ويجب الحفاظ عليه ( التغريب عن هويته العربية ) وإلا علينا إقامة كانتون مسيحي أو بالأحرى ماروني تحديداً. وكلنا نعرف التصعيد الذي مارسته هذه القوى، منذ اغتيال معروف سعد في صيدا ( دور المكتب الثاني بلبنان ) والتدريب والتسليح، وصولاً لمرحلة التفجير الكبير الذي بدأته في كمين لباص يقل منتسبين لجبهة التحرير العربية ( التنظيم الفلسطيني لحزب البعث ) كان عائداً من مهرجان في بيروت الغربية إحياء لعملية كفاريوفال داخل فلسطين المحتلة ( رسالة تضامن مع الكيان الصهيوني ) وفي منطقة غالبيتها من الأقلية المسيحية ( عين الرمانة ) .. .كل ذلك عفوياً؟!!! لا أعتقد. لأن تطور الأحداث لاحقاً أكد إن منظمات "الأقليات" تناوبت الأدوار تاريخياً بإستهداف العروبة الحضارية الرحبة. فحركة أمل "من الأقلية" بعد ان إستقوت بنظام الملالي في طهران اشعلت معارك دامية مع تيار العروبة ( البعث والناصريين ) ومع مخيمات الشعب الفلسطيني. و بعد أحداث شباط 1984 في بيروت، وبشكل مفاجئ هوجمت مكاتب ومقرات حزب البعث والمرابطون بقوات من حركة أمل ( أستقدمت من الجنوب ) وقوات من الحزب التقدمي ( إستقدموا من الجبل وبعضهم باللباس التقليدي في لحظة خطأ تاريخي لا علاقة لها بأرث العظيم كمال جنبلاط ) . وفي محاولة لتجنب حمام دم، زرت رئيس الحكومة السابق سليم الحص بمنزله والذي تهرب ـ كعادته ـ بأنه لايستطيع عمل شئ. وإلتقيت مع محسن دلول الذي قال لي بالحرف : " صحيح أنا نائب رئيس الحزب التقدمي، ولكن أنا شيعي لا أحد يسمع كلامي. الأفضل ان تلتقي انور فطايري". وعندما وصلت لمنزل كمال جنبلاط في وطى المصيطبة بادرني انور فطايري : " القرار ليس بيدنا، هيك بدهم" وأشار برأسه نحو دمشق. في هذا الحادثة نرى بوضوح الصورة الحقيقية.
في تلك المرحلة، كانت قوى الأقليات ( أنظمة ومنظمات ) تعمل على تصفية خيرة المناضلين في لبنان، بما فيهم من الأقليات الذين رفضوا الانسياق في المشاريع المشبوهة وبقوا أوفياء لقيم العروبة الحضارية الرحبة. من هنا اغتيل كمال جنبلاط ورياض طه وموسى شعيب والعشرات غيرهم ، كما هجرآخرون مثل الراحل منصور هنود ( صاحب الثانوية اللبنانية في جبيل ـ عمشيت ) وغيره الكثيرين، وصولاً إلى الاختطاف والذي كان آخر ضحاياها شبلي العيسمي .. .
الحلقة الثانية : العراق .. لماذا الاصرار على غزوه و احتلاله
الحلقة الثالثة : دوائر القرار الغربي .. معاداة دائمة للعروبة