طهران: أظافر إقليمية بدل الأسنان النووية؟ Posted: 18 Jul 2015 02:04 PM PDTأمر تلقائي، وطبيعي، أن تتوفر زوايا نظر عديدة إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الـ5+1، وأن تكون هذه متباينة ومتقاطعة، متكاملة أو متناقضة، منتصرة لطهران أم شامتة بها، هازئة بالرئيس الأمريكي باراك أوباما أم معترفة بأنه أحرز نقطة ظفر أخرى في سجلّ رئاسي يعتبره الكثيرون فقيراً.
قد يساجل امرؤ، كما يفعل كاتب هذه السطور، بأنّ إيران لم تكن تفاوض الغرب على برنامجها النووي، العسكري أو المدني، فحسب؛ بل كانت تثبّت اعترافاً دولياً بمكانتها كقوّة عظمى يتوجب أن يُعتدّ بمصالحها، في سلّة متشعبة من القضايا الإقليمية الجيو ـ سياسية، الحساسة والمتفجرة: سوريا والعراق ولبنان واليمن، ثمّ الخليج العربي على نحو يتجاوز الاحتقانات المذهبية والديمغرافية إلى حروب أسعار النفط، وصولاً إلى إسرائيل بالطبع، ومسائل تصدير الثورة الإسلامية في محاورها «الممانعة» علناً والمذهبية الشيعية سرّاً وعلناً أيضاً، إلى آخر هذه الشبكة من علاقات الشدّ والجذب، حيث حيازة القوّة واردة مثل معاناة الضعف. في حال كهذه، من المنطقي الإقرار بأن إيران انتصرت، حتى إذا كان الاتفاق في ذاته لا يستبدل الأظافر النووية بأسنان عسكرية قاطعة، أو حتى إذا كانت احتمالات الانتعاش الاقتصادي ليست أولى درجات السطوة الإقليمية.
غير أنّ سجالاً ثانياً يرى في الاتفاق عتبة ـ تمهيدية، لكنها حاسمة ـ لا غنى عنها لتعطيل برنامج نووي كان من الممكن أن يتطوّر على نحو يفرض إيران خصماً نووياً مخيفاً وبالغ الخطورة، يصعب التكهن بحتمية انضباطه حين تقتضي الحاجة استخدام السلاح النووي؛ خاصة في ظلّ ولاية الفقيه، وطبائع الهرمية السياسية ـ الدينية التي تحكم آلة اتخاذ قرارات الأمن القومي الإيرانية العليا، وكذلك بسبب تورّط طهران في أربعة حروب إقليمية… صحيح أنّ جارتين آسيويتين، الهند والباكستان، دخلتا النادي النووي قبل إيران، وأنّ برنامج الجارة الثانية نجح في تصنيع أوّل «قنبلة مسلمة» حسب التعبير الشهير لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر؛ إلا أنّ سلسلة ضوابط معقدة كانت، وتظلّ، تحكم القرار العسكري/ النووي في البلدين، على خلاف، وأحياناً على نقيض، الحال في إيران. وبهذا المعنى، طبقاً لهذا السجال، فإنّ طهران قد خسرت، وتنازلت، وصارت بين سندان الرقابة الدولية على صناعتها العسكرية أسوة بالنووية، ومطرقة مغامراتها الخارجية التي سوف تظلّ تلتهم عشرات المليارات من دخلها القومي.
وثمة طراز ثالث من السجال، يرى أنّ الولايات المتحدة، في ظلّ إدارة أوباما تحديداً، كانت الرافع الأكبر في إنجاز الاتفاق النووي؛ ليس حرصاً على أمن حليفتها إسرائيل (وهذا اعتبار لا تتهاون واشنطن فيه، البتة)، فحسب؛ وليس لأنّ «فلسفة» سيّد البيت الأبيض تقضي بإغلاق المآزق الأمريكية الخارجية التي خلقها سلفه جورج بوش الابن، فحسب أيضاً؛ كما أنّ استدراج طهران إلى المشاركة في قتال «داعش» والحركات الجهادية هنا وهناك، ليس عاملاً جيو ـ سياسياً واضحاً، أو وازناً، إلى درجة إجبار واشنطن على اتفاق غير رابح تماماً مع طهران. كان الرافع الأمريكي قد نجم، في المقام الأوّل، عن قرابة ستّ سنوات من ركود التأثير الأمريكي في أزمات الشرق الأوسط، وذلك في حقبة شهدت ذرى غليان «الربيع العربي»، وحيث توجّب فرض «الخطوط الحمر» على أيّ نحو صارم ورادع، بدل إعلانها ثمّ السماح بتجاوزها دون عواقب (حكاية أوباما مع النظام السوري، في ملفّ الأسلحة الكيميائية، مثال ساطع).
يبقى، بالطبع، أنّ الأمور بخواتيمها؛ خاصة حين تشتغل مفاعيل الاتفاق داخل إيران بادئ ذي بدء، وعلى مستوى مغامرات طهران الخارجية، التي كانت وتظلّ سيفاً لها، ولكن عليها أيضاً.
صبحي حديدي