هؤلاء هم شيعة العراق الحقيقيون
إبراهيم الزبيدي
أثبتت هذه الأيام أننا كنا على حق في القول بأن الطائفة الشيعية العراقية مغيبة، ومختطفة، ومغلوبةٌ على أمرها، وإن الأحزاب التي تحكم باسمها، والمُولدَّة خارج الحدود، والمسلطة على الشعب العراقي إيرانيا وأمريكيا، بكل ألوانها وتنظيماتها ومليشياتها، نتوءٌ شاذ وطاريء في جسد الطائفة، زوَّر حقيقتها، ولطخ تاريخها، وشوَّه سمعتها، ووَصمَها، كلَّها، بالتخلف والرجعية والخرافة والعمالة والفساد، وهي ليست كذلك.
صبرتْ كثيرا وطويلا، حتى فاض كيلهُا، وعِيلَ صبرُها، فخرجت من صمتها الطويل، وعادت إلى روحها، وإلى أصلها الطيب المشرِّف المضيء، وإلى ريادتها الفكرية والعلمية والثقافية والسياسية التي غيرت بإنجازاتها وتضحياتها حياة العراق، وحياة شعوب المنطقة والعالم، في عصورٍ كثيرة متعاقبة.
فمنها أفضلُ كتاب العراق، وأهمُ مفكريه ومؤرخيه وشعرائه ورساميه ونحاتيه وممثليه ومطربيه وملحنيه ومعمارييه وقادة ثوراته وزعماء دولته، في كل عهودها وحكوماتها المتعاقبة.
وهي حين تخرج، في جميع محافظاتها، بتظاهراتها الحاشدة، مطالبة، بقوة وثبات وحماس وصمود، بإسقاط حكم الفاسدين إنما تعلن بصراحة وتصميم نهائي، براءتها من شلة الحكم الطائفي المتخلف، وتقول بطريقة أو بأخرى إن المعسكر الإيراني في العراق لا يمثلها ولا يشرفها. فإبراهيم الجعفري ونوري المالكي وموفق الربيعي وأحمد الجلبي وعادل عبد المهدي وحسين الشامي وسامي العسكري وعادل عبد المهدي وموفق الربيعي وهادي العامري وقيس الخزعلي ونري المالكي وحست السنيد وأحمد نوري المالكي وحسين المالكي وصبحي المالكي وعباس البياتي وبهاء الأعرجي وحنان الفتلاوي وأبو مهدي المهندس وعلي الأديب وصدر الدين القبانجي وعلي العلاق وهمام حمودي وجلال الدين الصغير وعنان الأسدي وعدنان الزرفي، وباقي شلة الطارئين على السلطة وعلى الطائفة، أسقطتهم جماهير الطائفة من حسابها.
كما أن ازدحام شوارع مدن الوسط والجنوب بهذه الأعداد الحاشدة من المتظاهرين، وهي المربط المفترض لخيول النظام الإيراني الطائفية، مثل النجف وكربلاء والحلة والناصرية والديوانية والبصرة وبغداد، وكثيرون منهم متدينون، وغير مسيسيين، ولا يعرفون معنى الدولة المدنية، ولا الديمقراطية والعلمانية، هاتفين، لأول مرة، بسقوط الأحزاب الدينية الحاكمة، وهم يعلمون بأن وراءها إيران، ثم يمزقون صور الولي الفقيه نفسه، فتلك بطولة وشجاعة وأصالة، وإعلانٌ صريح وأكيد لحرب الوطنية على الطائفية، وحرب الأصالة على العمالة، والسيادة والكرامة على الاحتلال والاستعباد، والعدالة على الظلم، والنزاهة على الفساد وعلى الفاسدين.
وإذا صح نبأ حضور المدعو قاسم سليماني اجتماعا للتحالف الوطني، بتدبير من بعض أفراد التحالف، وخصوصاً نوري المالكي وابراهيم الجعفري، لفرض الإرادة الإيرانية على المجتمعين، ولتسوية بعض الخلافات في المواقف، ووقوف حيدر العبادي في مواجهة الموالين لإيران، ولا سيما فيما يخص إقالة المالكي، وعدم السماح للميليشيات الشيعية، وبخاصة ميليشيا عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، بركوب موجة المظاهرات، والسيطرة عليها، وطرده لقاسم سليماني من الاجتماع، ورفض تدخله في شؤون الحكم العراقي، فهذا، بكل الحسابات والمقاييس، يوم مبارك وسعيد ومشرِّف لجميع العراقيين.
كما أنه يعني، في الوقت نفسه، أن حيدر العبادي يخرج من بيضة حزب الدعوة الفاسدة، ويعود من حزبيته وطائفيته إلى عراقيته، وتستفيق فيه حمية العراقي وشهامته وشجاعته وإباؤه.
خلاصة القول إن إيران وأمريكا أخطأتا كثيرا حين اختارتا أحزابا وشخصياتٍ ومليشياتٍ فاسدة متخلفة من هذا النوع، بلا خبرة ولا كفاءة ولا نزاهة، لكي تنوب عنهما في خدمة مصالحهما، وتركيع الشعب العراقي، ونهب ثرواته، ومصادرة كرامته وحريته وسيادته، وهو الذي يقول تاريخه الطويل إنه صعب المراس، وعصيٌ على الغزاة، أجمعين.
بعبارة أوضح. إن إيران جنت على وكلائها العراقيين، وعجلت بكشف خيانتهم لوطنهم، أولا، ولطائفتهم ثانيا، وقربت عليهم يوم الحساب والعقاب، وبشرت الشعب العراقي بنهاية احتلالها، وحررته من كل وصاية دينية، شيعية وسنية، ووضعته على طريق المعاصرة والحداثة وحكم الجماهير.
ومن يدري، فقد تكون أمريكا تعمدت تسليم السلطة لأحزاب الدين السياسي، ولإيران، وهي تعلم بأنهم، بفسادهم وجهلهم وغبائهم وحماقاتهم، سيسقطون سريعا على أيدي العراقيين، ثم يكون سقوطهم في العراق بداية النهاية لكل أنظمة الدين السياسي في المنطقة، من الآن وإلى أبد الآبدين.
إن وجود قاسم سليماني في العراق يعني، دون ريب، أن إيران لم تعد تحتمل ما يجري في محافظات الطائفة، وأنها نازلة بكل جبروتها من أجل حماية مشروعها في العراق، لعلمها، قبل غيرها، بأن انهيار مشروعها في العراق، بعد خسائرها المعيبة في اليمن وسوريا، يعني بداية دخولها نفقا مظلما وطويلا سوف يكلفها الكثير الكثير.