قد يظن من يتابع التظاهرات العراقية، باسبوعها الرابع، انه ازاء غول لا يمكن قهره يدعى انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع درجة الحرارة. وان « الحكومة» متمثلة برئيسها حيدر العبادي وبدعم من المرجعية الدينية « غير الظاهرة للعيان»، تصارع الغول بأذرع متعددة، وبحسن نية، خاصة، وان العبادي لم يكف، إعلاميا، عن اصدار القرارات الداعية إلى « ترشيق» الحكومة يوما والى ادخال الجمهور إلى المنطقة الخضراء، في يوم آخر. ويبقى الواقع متمثلا بانهيار اقتصادي مثاله الابسط، حسب عبد الحسين العنبكي، مستشار الشؤون الاقتصادية في رئاسة الوزراء، توقف 17000 مصنع في القطاع الخاص عن العمل ويؤكد اصحابها ان اكثر من نصفها يمكن ان تعمل لو توفر الكهرباء.
فهل من المستحيل، حقا، ايجاد حل لمشكلة الكهرباء المستديمة منذ 2003؟ يعلمنا التاريخ بان توفر النية الصادقة يفتت المستحيل. ألم يتحد غاندي الامبراطورية البريطانية، في عز قوتها، مستخدما سلاحا بسيطا هو الملح الذي تنص قوانين الاحتلال على الا تستخلصه غير شركات المحتل، فقاد غاندي مسيرة شعبية إلى البحر ليستخلصه الناس بأنفسهم؟
يقول مهندس الكهرباء فارس الزيدي بأن حل المشكلة ليس مستحيلا فالعراق لا يفتقر الكفاءة والخبرة وأن كنا «ازاء شبكة ومنظومة فساد شيطانية لها فلسفتها وشريعتها» يتداخل فيها «كم هائل من الاكاذيب، لعب وتحايل بالارقام، خصخصة ونهب، عقود تمنح، مقاييس دولية تنتهك، استباحة او هدر لموارد طاقة طبيعية واستيراد مثيلاتها من الخارج».
يحتاج العراق، وما يلي تلخيص لما وضحه لي الزيدي كتابة، إلى استثمارحوالي 10 مليارات دولار لمضاعفة الطاقة الكهربائية الحالية، على افتراض ان الطاقة الوطنية الحالية تقارب العشرة آلاف ميغاوات. تصح هذه الارقام حتى في البلاد المتقدمة ذات الكلف العالية مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وتعتمد لتقدير التكلفة الاجمالية للمحطة كاملة وتشمل حتى تكاليف الانشاء باستثناء تكاليف التشغيل وشبكات التوزيع المحلية او الوطنية.
ونلاحظ ان مشاريع كردستان الكهربائية، تقريبا، تتبع هذه التخمينات وان تشخيص الفساد كسبب للأزمة في بقية ارجاء العراق مكشوف. وهو ما أكده قاسم محمد، الناطق باسم اللجنة البرلمانية للنفط والغاز، في آب / أغسطس 2012، قائلا: «صرفت كردستان مليار دولار وزادت طاقتها الكهربائية الفي ميغاوات ونحن صرفنا سبعة وعشرين مليارا منذ عام 2003 وزادت طاقتنا الف ميغاوات فقط». كما صرح راسم اسماعيل، مستشار محافظ ديالى للبناء والاستثمار، لعراق «بزنس نيوز»، في 4 تموز/يوليو 2010، بأن المبالغ التي دفعت لإيران منذ عام 2004، عندما تم ربط خط كرمنشاه بالمحافظة، تكفي لبناء عشر محطات كهربائية بطاقة اجمالية 2250 ميغاوات.
وكانت تظاهرات 2010، قد دفعت النظام إلى تسليم حسين الشهرستاني وزارة الكهرباء اضافة لمنصبه كوزير للنفط، فوعد، لتهدئة المتظاهرين، بأن ازمة الكهرباء ستنتهي عام 2013، بعد اكمال أربع محطات جديدة. ووضع جدولا زمنيا «سيطفر فيه الكهرباء إلى عشرين الف ميغا في سنة 2013، ويبدأ العراق تصدير فائضه من الكهرباء». جملة الشهرستاني الأخيرة، أصبحت محط سخرية ونكات لم يشهد لها العراقيون مثيلا من قبل لتجاوزها مقياس الوعود الكاذبة الشائع بين الساسة. ثم اشتكى نوري المالكي ( فضائية العراقية الرسمية، 23 تموز/يوليو 2013)، بأن المسؤولين العراقيين المختصين في الكهرباء، أعطوه معلومات خاطئة :
« قالوا ان العراق ينتج، الآن، ثلاثين الف ميغاوات وان هذه الكمية تتجاوز الحاجة ويمكن تصدير الفائض « ملقيا اللوم على النواب وكيف انه وقع شخصيا « عقدا مع شركة جنرال اليكتريك لبناء محطات كهرباء تغذي المنظومة سبعة الاف ميغاوات، وآخر مع سيمنز لبناء محطات تنتج ثلاثة آلاف وثلاثمئة ميغاوات ،لكن تبين ان هنالك خللا وغباء من المختص الذي وافق على هذه العقود، والمحطات هذه تشتغل على الغاز والعراق ليس لديه غاز».
يتوقف الزيدي عند مقولة « ان العراق ليس لديه غاز». محاججا بأنها اكذوبة من السهل دحضها. فقد استلم اقليم كردستان 22 طوربينا من نفس التعاقدات، وتم نصبها وتشغيلها منذ امد، ومن غير المعروف ان في كردستان وفرة غاز!
كما ان العقد الذي وقعه الشهرستاني، نائب المالكي لشؤون الطاقة والكهرباء، في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2011، مع شركة شل الهولندية، بقيمة 18 مليار دولار، يضيء قضية وجود الغاز. ان عقدا بهذه القيمة لا بد ان يكون من وقعه هو رئيس الوزراء. ونشر د. فؤاد الامير، المستشار في مجال النفط، أبحاثا قيمة عن موضوعة الغاز والعقود الحكومية، تساعد على توضيح المسألة.
يقدر خبير النفط سعد الله الفتحي ان العراق يحرق 700 مليون قدم مكعب من الغاز، يوميا، من حقول البصرة، تقدر قيمته بنحو 70 إلى 100 مليار دولار. ويؤدي حرق الغاز إلى عدم تزويد محطات الكهرباء بما تحتاجه، مما يعني ضياع ثروة اقتصادية ضخمة، وآثارا بيئية خطرة، وأعباء ثقيلة على المواطنين نتيجة استيراد الغاز بأسعار باهضة من إيران.
ويخلص الزيدي إلى ما توصل اليه المتظاهرون، عبر التجربة اليومية المريرة، وهو ان جوهر نظام المحاصصة هو اذلال للمواطن و حرمانه لابسط حقوقه الحياتية، وجعلها سلعة للتضارب في صراعات سياسية تتبرقع بالدين، وان اغراق موضوع الكهرباء بعموميات الفساد محاولة لإنقاذ بارونات تخريب الوطن والمواطن من المحاسبة حول فضيحة صارخة بوزنها بالنسبة لخراب البلاد العام. فكلما كثرت مطالب وشعارات المتظاهرين، ازدادت فرصة التهويمات واستهلاك طاقة الناس، وقل تأثيرهم. وقد لا يتفق الكثيرون مع هذا الرأي، لكنه يحتمل النظر، كون مصدره خبيرا تقنيا يتحدث في إختصاصه، وهو ما يحتاجه العراق في جميع المجالات كل على حدة، ليخرج من دوامة الدمار التي أصابت جميع مجالات الانتاج.
❊٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة