ديك الدهر قد باض في بغداد… حكومة
هيفاء زنكنة
December 14, 2015
أخبرتني احدى الصديقات بأن هناك حملة تقوم بها سيدة بريطانية، بلندن، لجمع الملابس والاحذية المستعملة، للنازحين العراقيين. فتساءلت عما إذا كنا قد بلغنا قاع الهاوية أم ان هاويتنا بلا قاع؟
كيف تحول الشعب الذي كان يهدي الكتب والدفاتر والاقلام للشعوب العربية، والإسلامية، لتتعلم وتدرس إلى مستجد يجمع له ذوو الاحسان الملابس والاحذية المستعملة؟ كيف بات من كان متعودا على سكن البيوت، بحدائقها الواسعة، إلى نازح في غرف، بمبان خربة، وخيام، تتصدق بها المنظمات الخيرية، إذا كان محظوظا؟ من الذي يتحمل مسؤولية هذا التحول المذهل الذي يكاد يقترب بالعقل، لفرط لاعقلانيته، من حافة الجنون؟
ليس هناك من يتحمل المسؤولية. الكل بريء من فاجعة الملايين النازحة من العراقيين. الحكومة العراقية، الممثلة للشعب افتراضا، تـحمل تنظيم داعش المسؤولية، لتغسل يديها من مسؤولية التهجير في سنوات ما قبل داعش. وهي سنوات يعمل جميع المسؤولين عن التهجير القسري على محوها من الذاكرة. لم يعد هناك ذكر لجرائم الاحتلال وحكوماته. لم تعد هناك مسؤولية محتل أو قوات أجنبية. لم يعد هناك احتلال، اساسا، مهما كان عدد الدول التي تطأ العراق. مُحيت جريمة قتل ما يقارب المليون مواطن منذ عام الغزو في 2003. صار تاريخ الجرائم المرتكبة ضد الشعب، المعترف به رسميا، وبالتالي تحميل المسؤولية، هو يوم احتلال داعش (يسميه داعش تحريرا كما فعل غزاة العراق) لمدينة الموصل، شمال العراق، واعلان الدولة الإسلامية.
ويٌبعد مجلس النواب، الممثل للشعب افتراضا، عن نفسه المسؤولية. ليحملها المجتمع الدولي، داعيا اياه، بلسان سليم الجبوري، رئيس المجلس، إلى اتخاذ «موقف جاد تجاه أزمة النازحين، وأن يتحول موقفهم من محاولة التقييم إلى مساهم فاعل في معالجة مأساتهم». مما يجعل المجلس في حل من اتخاذ أي قرار، لتحسين وضع النازحين. وبلغ الاستخفاف بآلام النازحين، الذين يفتقدون المأوى والخدمات في درجاتها الدنيا، ويزداد بؤسا مع برودة وفيضانات الشتاء، ان يدلي الجبوري بتصريحه، في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر، خلال افتتاحه معرضاً مصوراً عن معاناة النازحين.
وقد أقيم المعرض في مبنى مجلس النواب. نعم، هذه هي الحقيقة الموجعة. أفتتح الجبوري معرضا مصورا يحكي معاناة النازحين لحضرات النواب. لماذا؟ هل حضرات النواب من السياح الأجانب؟ إلا يعرف النواب معاناة النازحين، ونشرات الأخبار، في الاستديوهات التي يكادون لا يغادرونها، لفرط اطلاقهم التصريحات، لا تخلو من أخبار النازحين ومناداتهم الحكومة والنواب ان يفعلوا شيئا من اجلهم؟ واذا كانت هناك سيدة ببريطانيا تعرف مأساة النازحين العراقيين وتعمل على التخفيف عنهم، ألا يعرف النواب حكاية النازحين؟ رحم الله الرصافي يوم قال: «ان ديك الـدهـر قـــد باض ببغــداد… وزارة»!
انسانيا، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة، فرع العراق إن «النزوح داخل العراق يتزايد. ويحتاج النازحون إلى الدعم الشامل كون معظمهم فروا من منازلهم ولم يأخذوا معهم سوى الاشياء التي يستطيعون حملها». وافتتحت مفوضية الأمم المتحدة السامية، لشؤون اللاجئين، مخيما جديدا في محافظة الأنبار، يتسع لثلاثة آلاف نازح من مدينة الفلوجة، الذين تمنع الحكومة دخولهم إلى بغداد إلا بوجود كفيل وهو ما لا تفعله مع الاسرائيلي والإيراني. بينما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن الوكالات الانسانية الدولية «مفلسة» لكثرة النازحين والمهجرين العراقيين والسوريين. وقال عضو في مفوضية حقوق الانسان ان شتاء 2016 سيكون الاقسى على النازحين في العراق بسبب انعدام المساعدات المقدمة لهم. فلماذا لا تقوم الحكومة بتقديم المساعدات لهم، وهي المهيمنة على أعلى الميزانيات التي عرفها في تاريخه المعاصر؟
ان ما يختار رئيس مجلس النواب والأمين العام للامم المتحدة عدم التطرق اليه حول معاناة النازحين هو ان مسؤولية فشل العلاج الأولى أو على الأقل توفير الاساسيات للنازحين، تقع على عاتق الحكومة، على افتراض ان المأساة بدأت فعلا مع مجيء داعش. وسبب الفشل واضح وضوح الشمس، فالحكومة ومجلس النواب وساسة الاحتلال (بأنواعه)، غارقون في مستنقع الفساد المالي والاداري، ومصالحهم المافيوية وملفات التهديد والابتزاز، بضمنها الإبتزاز الجنسي كما يبدو، متشابكة، إلى حد لم يعد بالامكان تفكيك فاسد من فاسد أو تبرئة سياسي من آخر. فالكل يدعي أنه الشرف والصدق والنزاهة. والكل يدعي ان «الآخر» لص فاسد.
في ظل هذه الحكومة وما سبقها، بقيادة حزب الدعوة، وبمشاركة مجلس النواب بإسلامييه وعلمانييه، تمت سرقة 360 مليار دولار أو ما يعادل نصف عائدات نفط العراق تقريبا، خلال عشر سنوات فقط، حسب تقارير لجان في مجلس النواب. وخلال عام واحد، تم تهريب 550 مليون دولار من قبل شخص واحد. ولنتمكن من تصور انعكاس حجم هذه السرقات الرسمية على تحسين اوضاع النازحين، اقتبس ما كتبه احد القراء معلقا بان المبلغ المسروق يعادل تكلفة بناء 12 مليون وحدة سكنية بقيمة 30الف دولار للوحدة السكنية الواحدة. مما يعني ليس فقط حل مشكة السكن والمدارس والمرافق الخدمية في البلد ذي الـ35 مليون مواطن، بل يضع تحسين وضع النازحين وتزويدهم بما يحفظ كرامتهم، ومساعدة الاطفال على مواصلة التعليم، في إطاره: أمر ممكن التحقيق وليس مستحيلا كما يشاع، فيما لو توفرت النية الصادقة لحكومة ترى ان دورها الاول والأخير هو تمثيل المواطنين، ويتم تنظيفها من الساسة – اللصوص الذين يجدون في الشخص النزيه، حقا، تهديدا على وجودهم ومصالحهم. مع ادراكنا بأن تقديم المساعدات الإنسانية لن يوفر حلا جذريا. اذ يرتبط الحل باستعادة العراق سيادته على أراضيه وبناء دولة يتمتع فيها العراقي بالحرية والكرامة وحق المواطنة.
٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة