لطفية الدليمي: في رحيل زهاء حديد صانعة الأساطير المعاصرة الخالدة
31/03/2016
اختارت مجلة تايم الامريكية واسعة الانتشار في سنة 2010 المهندسة العالمية زهاء حديد في المرتبة الاولى بين المفكرين والشخصيات المائة الأكثر تأثيرا في العالم وعلقت المجلة على اختيارها لها بأن ( أعمال زهاء حديد تثير الولع والشغف بما تحمله من رؤية فريدة شأنها شأن الأساطير دون أن تفقد أصالتها الابتكارية )
لم يلتفت العراق ومسؤولوه وجامعاته الى أهمية هذا التكريم العالمي الذي حظيت به زهاء، و لم يحتفل أحد باختيارها لهذه المرتبة الشرفية بين مبدعي ومفكري عالمنا المعاصر وصناع الرأي العام من الكتاب والفلاسفة والفنانين ، بل كانوا حينها يقيمون طقوس التكليف الشرعي للفتيات من سن السابعة لتحجيب رؤوسهن الصغيرة وعقولهن المتفتحة للتعلم وشغف المعرفة بزرع فكرة العورة والعيب في نفوسهن الغضة منذ نضارة أعمارهن في المرحلة الابتدائية حسب تعليمات وزارة التربية ، ترى كم من صغيرة كانت ستنبغ في بلادنا وتصنع أساطير جديدة لحاضرنا ومستقبل العراق لو اتيحت لها فرصة التفكير الحر والتعبير عن الشغف بالجمال ووجدت من يوجه خطواتها نحو ابراز عبقريتها كما وجدت زهاء حديد في طفولتها؟
وبعد حيازة زهاء حديد هذه المكانة بين الشخصيات المؤثرة في عالمنا اختارتها اليونسكو ضمن لائحة فناني السلام الذي يستخدمون فنهم ونفوذهم لتعزيز المثل العليا لمنظمة اليونسكو وأنها كما وصفتها اليونسكو ( تلعب دورا بارزا في رفع مستوى الوعي العام للحوار الفكري والتميز في مجال التصميم والإبداع وخدمة المثل العليا ) فهل اهتم العراق بهذا التكريم السامي ؟
تعترف زهاء حديد في حوار من حواراتها النادرة أن بلوغها هذه المرتبة بين مهندسي عالمنا المعاصر ونيلها جائزة بريتزكر أرفع جائزة للهندسة المعمارية - بأن نجاحها لم يكن سهلا قط ّ فهناك صعوبات وعوائق تقف أمام عمل المرأة في مهنة قاسية كالهندسة، وأن كونها إمرأة وعربية الجذور كان تحديا كبيرا لقدراتها ضمن محيط العمل التنافسي في عالمنا المعولم وتقول : حالما اجتزت عقبة كوني انثى وتقدمت في عملي كانت تبرز أمامي مسألة كوني عربية وتبدأ التحديات مرة أخرى ولكني سرعان ما أتجاوزها لأصبح أقوى وأكثر دقة مما انعكس على تصاميمي الهندسية - وما تزال المهندسة الرائدة في عالم الابداع تواجه التحديات لكنها تمضي قدما في تنفيذ مشاريعها الاسطورية المعاصرة التي ادهشت العالم مابين اليابان وأوروبا وأميركا .
بقوة شخصيتها ومثابرتها وابتكاراتها وعزيمتها مهدت لنفسها الطريق وتخطت العوائق و نجحت خلال خمسة وثلاثين عاما من العمل المبدع والتدريس في جامعات عالمية أن تحتل اعلى مراتب الشرف في دنيا الهندسة والابتكار الفني ، وقد وصفها استاذها المهندس العالمي ( كولهاس ) بأنها (كوكب يدور في مداره الخاص ) وأصبحت شريكة له في مؤسسته الهندسية قبل أن تنشيء شركتها الشخصية التي يعمل فيها 400 شخص ينفذون مشاريعها ومبتكراتها في المباني والأثاث والديكور.
تكشف أعمال زهاء حديد عن استقلالية شخصيتها و طاقتها الخلاقة التي تنبيء عن انسيابية موسيقية وعدم استقرار وكأنها تنحو الى التحرر مما هو أرضي وتستغرق في الغرائبي مبتعدة عن الأشكال التقليدية ذات الأبعاد المتناسقة ، لذا اعتبرت أعمالها تعبيرا مبدعا عن النزعة التفكيكية مضافا اليها بعض المؤثرات الكامنة منذ نشأتها الأولى، وتقول زهاء عن عملها (أريد أن أبدأ في وقت واحد بالنهاية والبداية معا...وكأن نهاية العمل كانت بداية انبثاق الفكرة ) وتفسر اشكالها الحلزونية ومنحنياتها المتداخلة هذه العلاقة الغامضة والمركبة بين البدايات والنهايات في تصاميمها.