بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من يستجوب من... والله كلكم حرامية
شبكة البصرة
عوني القلمجي
لكي لا نزعج احباب حكومة حيدر العبادي ومرتزقتها واقلامها الماجورة، سنعتبر هذه الحكومة منتخبة ومستقلة، ومثلها اعضاء البرلمان الاشاوس. لكن اعذرونا فليس بامكاننا تبرئة هؤلاء من السرقة وارتكاب الجرائم والاتجار بدم الناس. لاننا اذ فعلنا ذلك سنزعج عموم الراي العام العراقي، الذي قال فيهم كلمته: "باسم الدين باكونا الحرامية". ثم ان هذه الشلة، قد فضحت نفسها بنفسها، بالصوت والصورة، حين اتهم بعضهم البعض الاخر بارتكاب مثل هذه الجرائم. بحيث اصبح الحديث عن السرقات لا يحتاج الى ادلة او براهين، وكان اخرها ما حدث في جلسة البرلمان التي خصصت لاستجواب وزير الدفاع خالد العبيدي.
فبدل ان يدافع هذا المتهم بالفساد عن نفسه، وضع الاخرين في خانة الاتهام ووصفهم بالحرامية، ليستمر تبادل الاتهامات المخجلة والمهينة والمعيبة فيما بينهم، حتى انتهى بهم المقام عند قضاة التحقيق، فمنهم من اخذ البراءة كما هو متوقع،مثل سليم الجبوري، ومنهم ومن ينتظر مثل محمد الكربولي. بحيث اصبح من الصعب حتى على اعضاء هذه الاحزاب الحاكمة الدفاع عنهم ولو بكلمة واحدة. الامر الذي ولد استياءا عاما لدى عموم الشعب العراقي وصارت كلمة، والله كلكم حرامية تجري على كل لسان وفي كل مكان.
بعد هذه الفضائح المدوية، كان من المفترض، او على الاقل المتوقع ان يزحف الناس افواجا افواجا ومن جميع انحاء المدن العراقية باتجاه مغارة علي بابا والمسماة بالمنطقة الخضراء، متسلحين بما ملكت ايديهم والقاء القبض على من فيها، والبقاء هناك لحين تشكيل حكومة وطنية من المخلصين من الشعب العراقي. لكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث، بل اختزلت ردود الفعل على الغضب والادانة، او خروج مجاميع قليلة الى بعض الشوارع عبرت فيها عن استنكارها لهذه الافعال المشينة.
ترى هل لازال الناس بعد هذه الفضائح يراهنون على قيام هؤلاء الاشرار بتلبية مطالب الانتفاضة طواعية، او عبر الوسائل السلمية وفق شعار سلمية سلمية للابد؟ ام ان هذا الحدث سيدفع الناس وقادة الانتفاضة ولجانها التنسيقية الى اعادة النظر في الية التظاهرات من حيث مواعيدها المتباعدة، اي كل يوم جمعة، او من حيث شعاراتها السلمية الى الابد؟. بمعنى اخر اكثر صراحة ووضوح، هل ستتحول الانتفاضة الى فعل كفاحي يومي، وتتبنى شعارات اخرى الى جانب شعار السلمية، وعلى وجه التحديد، شعار الانتفاضة المسلحة؟.
نحن على يقين، بان العراقيين لن يراوحوا مكانهم ويستمروا باستجداء الحقوق. خاصة وان هؤلاء الاشرار لن يلبوا اي مطلب شعبي يضر بمصالحهم، فما حدث لن يمر مرور الكرام لفترة طويلة. فهذا الشعب المظلوم والقادر على انتزاع حقوقه بكافة الطرق والوسائل، سيعيد النظر بألية الانتفاضة السلمية التي لم يجن منها سوى الخيبة تلو الخيبة. وسينبذ المراهنات على اجراء الاصلاحات على يد هؤلاء الاشرار. خاصة وان الحكومة قد فشلت في تحقيق اي مطلب من مطالب الناس حتى البسيطة منها. ونقصد بها اقصاء خمس وزراء قدموا ككبش فداء، حيث اعاد القضاء الفاسد هؤلاء الى مناصبهم معززين مكرمين.
ولكن هذا ليس كل شيء، فان تبرئة رئيس البرلمان من التهم الموجه له وغض النظر عن المتهمين الاخرين مثل، حنان الفتلاوي وعالية نصيف ومحمد الكربولي وغيرهم، واحتمال غلق هذه الملفات ومن ثم المصالحة بين الحرامية، سيولد قناعة راسخة بان جميع اطراف العملية السياسية، باحزابها وشخصياتها المنضوية تحت لوائها، او تحت لواء البرلمان، متفقة تماما على تقاسم الغنيمة، واذا حدث صراع بينها فهو من اجل تحقيق مكاسب اكبر لهذه الجهة او تلك. وهذه بدورها ستنهي اية مراهنة على اي طرف من اطراف العملية السياسية، كالتيار الصدري، او المراهنة على خلافات سياسية تحدث فيما بين اطرافها وتؤدي بها الى السقوط. بمعنى اخر، فان هذا الشعب، في المحصلة النهائية، لن يستمر في طريق الاوهام والمراهنات ويبقى متمسكا الى الابد بالشعارات السلمية لوحدها دون الاخذ بوسائل النضال الاخرى، ومنها على وجه التحديد، اللجوء الى الانتفاضة المسلحة.
قد يرفض البعض اصرارنا على هذا الموقف الحاد والرافض للعملية السياسية جملة وتفصيلا، كون ما حدث من فشل ليس قدرا محتوما، وانما بالامكان اجراء تغيرات لصالح الناس، او تغيير شكل الحكومة، من حكومة محاصصة الى حكومة تكنوقراط مستقلة، سواء من خلال التظاهرات السلمية، او من خلال انتخابات مبكرة، او الانتخابات القادمة. لكن وجهة النظر هذه تتطلب، اكثر من اي وقت مضى، النظر الى الوقائع الفعلية ومعالجتها كما تجري حقا، وليس كما تبدو او نتمنى احيانا ان تبدو. فاذا حدث وجرى تشكيل حكومة مستقلة ومن عناصر وطنية، فهذا سيصطدم مع الارادة الامريكية واصرارها على ترسيخ نظام المحاصصة الطائفية لاسباب معروفة. وقد نجد انعكاسا لهذه الحقيقة في تصريحات باراك اوباما، راعي العملية السياسية رسميا وقانونيا، التي اكد فيها لرئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي، بان تشكيل الحكومة الجديدة يجب ان ترضي جميع الاطراف وتكون حكومة شراكة للجميع، وكلمة الشراكة وبهذه الصيغة، هي كلمة السر للمحاصصة الطائفية. وقد اثبتت الوقائع والاحداث بان حكوماتنا العتيدة لا تجرأ على رفض طلبا امريكا واحدا، سواء كان صغيرا ام كبيرا. الم يعترف المقبور احمد الجلبي، بالصوت والصورة، بان حكومة المالكي الاولى والثانية قد جرى تشكيلها في السفارة الامريكية بحضور جميع الاطراف وفق نظام المحاصصة البغيض؟.
دعونا نغير الاتجاه قليلا ونفترض بان العبادي او غيره تجرأ، بقدرة قادر، وطرح اسماء حكومة من الوطنيين المستقلين وذوي الاختصاص، ترى من سيوافقه على ذلك؟ هل هم جماعة اياد علاوي ام صالح المطلك ام اسامة النجيفي؟ هل هو تيار مقتدى الصدر او حزب الفضيلة ام فيلق بدر؟ واذا افترضنا ووافق كل هؤلاء، فهل ستوافق الاحزاب الكردية، المستيفدة رقم واحد من نظام المحاصصة، وهي التي تملك بيدها حق استخدام الفيتو الذي منحه الدستور لها ضد اي تعديل ؟، ثم من له الجرأة او الاستعداد لان يضع نفسه في مواجهة امريكا، وهي الحريصة اشد الحرص على تكريس نظام المحاصصة هذا وعدم المساس به، لا من حيث الجوهر ولا من حيث الشكل؟
واذا تركنا المحتل وسلمنا بانه سيفسح المجال امام الحكومة تعمل كما يحلو لها، وتلجم كل معترض ومن اية جهة كانت، ترى عن اي طريق ستنفذ هذه الحكومة برامجها الاصلاحية؟ هل من خلال الدولة التي تحولت الى دولة مليشيات مسلحة، على الرغم من وجود حكومة ووزارات وبرلمان وجيش وشرطة وقضاء الخ؟، ام من خلال دولة تمتلك مقوماتها من دستور وطني ومؤسسات كفوءة وقضاء نزيه ومستقل ؟ حيث من المعلوم بان حجم الفرق كبير بين مكونات الدولة ومقومات الدولة. لناخذ الدستور مثلا، كونه الركن الاول في هذه المقومات، لانه يمثل الاطار العام للدولة الذي يحدد هويتها، وشكل النظام فيها، وينظم سلطاتها العامة، ويرسم العلاقات فيما بينها، ويضع الحدود لكل سلطة على حدة، ويعين الواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، ويحرص بالمقابل على ضمان استقلال البلد وسيادته الوطنية ووحدة اراضيه ويحافظ على ثرواته الطبيعة الخ، ترى هل الدستور في العراق يتوفر على هذه المواصفات التي تحدثنا عنها، ويعبد الطريق امام الحكومة لانجاز مهامها الوطنية ويعدل ميزانها اذا مال لهذه الجهة او تلك؟ ام انه دستور جرى تصميمه من اجل خراب ودمار العراق دولة ومجتمع؟ الم يعترف بعض من هؤلاء الاشرار بان الدستور كتب باللغة الانكليزية اولا ثم تمت ترجمته الى العربية مع بعض التعديلات لصالح هذه الجهة او تلك؟.
باختصار شديد جدا فان العملية السياسية التي فرضها المحتل الامريكي، قد جرى تصميمها كما جرى تصميم الدستور من اجل دمار وخراب البلاد والعباد. وخير دليل على ذلك النتائج التي افرزتها على مدى سنين الاحتلال العجاف. حيث الدمار والخراب الشامل، وانتشار الفواحش والجرائم، والعجز التام في تقديم الخدمات والامن، والتهجير والتفريط بالسيادة وضياع الثروات والقائمة بهذا الخصوص طويلة ومؤلمة. وجراء ذلك كله، فان اية مراهنة على تغيير العملية السياسية من داخلها، سواء عبر الانتخابات او غيرها من الوسائل السلمية، او تغيير هذا الرئيس او ذاك، ضرب من الخيال، بل يدخل في خانة المستحيلات. وبالتالي فقد اصبحت مهمة الانتقال الى وسائل نضالية اكثر فعالية،مهمة لا تحتمل التاجيل اطلاقا. والمقصود هنا التخلي عن شعار الانتفاضة السلمية الى الابد، واعتماد طريق الانتفاضة الشعبية عبر استخدام كافة الوسائل النضالية ومن ضمنها اللجوء الى الانتفاضة المسلحة. فهذه وحدها القادرة على اسقاط الحكومة وكل المؤسسات التي انشأها الاحتلال، واسقاط ما سمي بالعملية السياسية بكل حلقاتها، وكذلك اسقاط الدستور الذي صاغه المحتل، ومحاسبة شبكات الفساد ومافيات النهب لاموال الشعب. اذ من دونها لا يمكن تحقيق مطلب واحد مهما كان بسيطا. خاصة وان هؤلاء الاشرار لم يكتفوا بما قتلوا وما سرقوا، وانما مصرين على الاستمرار في هذا الطريق، وهذا ما اكدته مجريات الصراع الدائر حتى الان، اذ لم نسمع عن مفردة واحدة من بين مفردات الصراع تضمنت اية اشارة تدل، ولو من بعيد، على يقظة ضمير او مراجعة للذات الخبيثة. بل على العكس من ذلك لازال الجميع يتحدث عن الوطنية والشرف والاخلاص.
ان الوصول للانتفاضة المنشودة يتطلب من قادتها ولجانها التنسيقية عدم الالتفات لما يجري ترويجه على مدار الساعة من مقولات ظاهرها الحق وجوهرها الباطل، من قبيل اللجوء الى الطرق السلمية والتوصل الى الحلول من خلالها الى حين تحقيق المطالب المشروعة للناس. فمثل هذه المقولات لا تجد مكانا لها في وضع العراق المزري، وانما تجده في ظل بلد مستقر وامن ومستقل وذي سيادة كاملة وخال من العملاء والطائفيين وجيوش المرتزقة.
ان من يصر على تشجيع الناس على الخنوع واستجداء المطالب، يساهم في استمرار نزيف الدم العراقي البريء. لسنا اقل من الشعوب الاخرى التي كنست حكامها الظالمين وعملائها المؤجورين عن طريق الثورات الشعبية والانتفاضات المسلحة. فهل سيفعلها الشعب العراقي، تيمنا بما فعلته الشعوب الاخرى؟
كاتب هذه السطور على يقين من ذلك.
11/8/2016
شبكة البصرة
الخميس 8 ذي القعدة 1437 / 11 آب 2016
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس