الصين: إمبراطورية تحت السماء
د. مثنى عبدالله
Sep 20, 2016
في الثالث من الشهر الجاري نشبت مشادة كلامية على مدرج الطائرات بين مسؤول صيني ومستشارة الأمن القومي الامريكية سوزان رايس، بعد قليل من هبوط طائرة الرئيس الامريكي أوباما في مدينة هانغتشو في شرق الصين لحضور قمة مجموعة العشرين.
خلال الحادثة حاول أحد المسؤولين الصينيين منع طاقم الأمن الامريكيين من محاولة إفساح المجال أكثر من اللازم للصحافيين الامريكيين بتغطية وصول الرئيس الامريكي عند سلم الطائرة، فاعترضت المستشارة الامريكية على ذلك بالقول إنها طائرتنا، فصرخ المسؤول الصيني في وجهها، هذه بلادنا وهذا مطارنا. وقد علق الرئيس الامريكي على الحادثة بالقول، إن المشاحنات التي وقعت بين مسؤولين أمريكيين وصينيين في مطار هانغتشو، تظهر الفجوة بين البلدين إزاء التعاطي مع حقوق الانسان وحرية الصحافة، فهل هذا الوصف هو حقيقة الموقف بين البلدين؟
ليس خفيا على أحد أن الصين لديها خلافات مع حلفاء أمريكا، خاصة مع اليابان، وهي تسعى إلى تنسيق أكبر مع روسيا لمواجهة ضغوطات أمريكية وغربية. لكن السياسة الأمريكية تغيرت كثيرا مع الصين في عهد أوباما، وقد بدأ ذلك في نوفمبر 2009، عندما اقترح أوباما على الصينيين مبدأ الشراكة التفضيلية في المسائل الدولية المفصلية، لكنهم رفضوا ذلك، عندها أدرك الأمريكان أن توقيع اتفاقية مع الصين لن يتم في المستقبل، وردوا على الموقف الصيني أواسط عام 2010 بمبدأ ردع الصين وفق أربعة اتجاهات: أولا إحياء الحلف مع أستراليا ونيوزلندا عسكريا لمواجهة التهديدات الصينية. ثانيا استعداد الامريكان لاستخدام أسطولهم لضمان حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي وبناء قاعدة عسكرية في سنغافورة أي في المنطقة التي تستورد الصين منها احتياجاتها من موارد الطاقة من الشرق الاوسط والمعادن الخفيفة من أفريقيا، ما يجعل أمام الصين طريقا واحدا هو روسيا وبلدان آسيا الوسطى. ثالثا تعزيز الامريكان مواقعهم في الهند الصينية، خاصة الشراكة العسكرية مع فيتنام ومساندتهم في النزاع مع الصين في بحر الصين الجنوبي. رابعا إقامة شراكة عابرة للمحيط الهادي كاتحاد اقتصادي جديد يحاول الأمريكان جر اليابان إليه، ومن المهم أن يتصاعد الصراع بين اليابان والصين حسب التخطيط الامريكي. خامسا اللعب ضد الاتفاقية الروسية الصينية التي تشكل أساس الشراكة الروسية الصينية.
ومع ذلك فإن الامريكان لا يريدون خوض صراع مع الصين، لكنهم حريصون على جعلها تصطدم بدولة أقليمية مثل فيتنام في بحر الصين، الذي شهد صراعا صينيا فيتناميا عام 1979. أما الدولة الثانية المرشحة للصدام مع الصين فهي الهند، فالامريكان يتحدثون عن قوس عدم استقرار يمتد بين هذين البلدين، حيث توجد خلافات تقليدية حول التبت ونيبال وبوتان، وتحاول أمريكا استفزاز الصين باتفاقية الشراكة العسكرية الهندية الامريكية. من المنظور الامريكي فإن هنالك مدرستين ترسمان العلاقة مع الصين، الاولى تسعى إلى احتواء الصين، أما الاخرى فإنها تسعى إلى الارتباط معها، ورغم الاختلاف بين المدرستين لكن هنالك نقاط اشتراك وهي أن المدرستين تدركان أن الصين تنمو وتكبر بشكل حثيث، وأن هنالك نقاط تلاق بين البلدين في المحيط الهادي وآسيا. بعض الأوساط الامريكية تؤكد على أن الصين لا تشكل تهديدا للولايات المتحدة، لكن توجد أطراف أمريكية خصوصا في المُجمّع العسكري، من الذين لا يستطيعون تبرير صناعات حربية هائلة لمحاربة مجموعات إرهابية صغيرة، لذلك هم بحاجة إلى عدو كبير، وهنالك من الجمهوريين والديمقراطيين من يشككون بالصين، كما أن هنالك ميولا امبراطورية لدى البعض ترى أي قوة صاعدة تتفوق على الامريكان ستشكل تهديدا للسيادة العالمية الامريكية. وهذه عقلية واشنطن وهو نمط قديم من التفكير، لانه ليست الصين وحدها هي التي تنمو، بل البرازيل والهند وغيرهما، وعلى أمريكا أن تفهم ذلك وتتعايش معه، لكن غالبا ما يحصل خلاف بين القوى القديمة والصاعدة، لعدم قدرة القوى القديمة على إدراك التطور وتغيير تفكيرها. لكن في المقابل فإن طريق الصين ليس مفروشا بالحرير، فهنالك تحديات كبرى أمامها لا تمكنها من سحب البساط من تحت الامريكان، لأن الصين لديها خلافات مع كل دول الجوار تقريبا على المياه والمناطق غير المأهولة، وأن تدخّل الولايات المتحدة في ذلك يمكن أن يؤدي إلى مواجهة بين العملاقين. كما أن من يحاول احتواء الصين في المحيط الهادي هم حلفاء أمريكا منذ أيام الحرب الباردة، وأن حماية الولايات المتحدة لدول غنية مثل كوريا الجنوبية واليابان وتايوان وأستراليا، تشكل فرصة كبرى لاحتواء الصين الصاعدة وشل حركتها، حيث قد يحدث نزاع محلي بين الصين واليابان حول الجزر. كما أن الامريكان يُرسخون في العلاقات الدولية نقطتين جديدتين خاصة في السنوات العشرين الاخيرة، هما محاكمة دول ذات سيادة، وضرورة نزع سلاح الانظمة الخطرة وعدم الوثوق بها والتشهير بها واتهامها بالديكتاتورية. الصين تخاف من أن تصبح في يوم ما هدفا لهذه الاستراتيجية، لذلك هي تحاول أن ترد بتغيير سياستها، التي كانت حتى وقت قريب تنتهج طريق الابتعاد عن مركز الصدارة، خاصة في المسائل الدولية التي لا تؤثر عليها، لكنها اليوم تحاول جاهدة أن تكون فاعلة في هذا النشاط. هي اليوم أصبحت في قدرة عالية للقوة، وباتت مصالحها أوسع اقتصاديا، لذلك توجد أصوات في هذا البلد تطالب القيادة الصينية بالبروز على المسرح الدولي كقوة فاعلة وإقامة أحلاف سياسية على الساحة الدولية. وقد انتصر هذا الرأي عندما أرسلت في صراعها مع اليابان على الجزر طائرات وغواصات، لذلك قد يكون المستقبل مختلفا تماما عن الحالي، لأنها بدأت تعيد النظر في عقيدتها العسكرية الدفاعية، وبدأت تفكر في أن يكون لها دور في الحفاظ على الممرات المائية التي يأتي النفط اليها عبرها. وقد فاجأت العالم بالمشاركة الفعالة في الحملة الدولية لمكافحة القرصنة في خليج عدن منذ عام 2008، على الرغم من أن السفن الصينية لم تعمل على هذا البعد عن الدولة. وحصلت على نقاط مراقبة ورصد في سواحل عدن وعمان لمنظورات مستقبلية. صحيح أن العامل الاقتصادي مهم جدا خاصة أن علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة الامريكية متطورة ومتقدمة، لكن يجب أن لا نبالغ في دور هذا العامل كثيرا، ففي الحرب العالمية الاولى كانت روسيا والمانيا على ارتباط وثيق في المجال الاقتصادي، لكن ذلك لم يمنعهما من خوض الحرب إحداهما ضد الاخرى، مع العلم أن النظام الاقتصادي في ذلك الوقت كان واحدا في البلدين.
سنحاول أن نستعرض في مقالنا المقبل طريق الصين الاقتصادي، وتأثيراته على البنية الاقتصادية للدول الصناعية الاخرى.
باحث سياسي عراقي