مدينة الزبير... حاضر عراقي يمسك بماضيه
مدينة الزبير... حاضر عراقي يمسك بماضيه
البصرة - ميمونة الباسل:تتبع بلدة الزبير إداريا إلى محافظة البصرة، أقصى جنوب العراق، سميت بهذا الاسم نسبة إلى الصحابي الزبير بن العوام المدفون فيها سنة 38 هـ/ 658. تسكن قضاء الزبير عشائر وقبائل وأسر من أصول نجدية ويمانية عربية، ولكن عاد الكثير من تلك الأسر النجدية إلى المملكة العربية السعودية والكويت في مطلع الثمانينات. كما أن قربها من البادية جعلها موقعاً لاستقرار البدو القادمين من صحراء نجد وبادية العراق ومنطقة للتبادل التجاري معهم.
يعتقد بأن غالبية سكان الزبير القدامى كانوا من أصول نجدية حتى عام 1958. ومع أول جمهورية بالعراق بدأت الهجرة المعاكسة للهجرة الأولى ورجوع أهلها الى مسقط رأس أجدادهم نجد لأسباب كثيرة، أهمها تغير نمط الحياة بالزبير بما لا يناسب طبيعة أهلها المحافظين وكثرة التقلبات السياسية بالعراق. ومن أكبر عوائل الزبير: السويدان والصقير والدليجان والدايل والمانع والتركي والعوهلي والخميس والجار الله والدريهم.
موقعها ومكانتها التاريخية
حفلت الزبير، كبلدة عراقية لها مكانتها التاريخية، بالتراث والأحداث خلال بضعة قرون في تأسيسها كما أنها كانت محط رحال القادمين والقاصدين إلى الحج ممن هم خارج العراق القادمين من الشمال والشر. ويعتقد أن المدينة تأسست في سنة 979 هـ/1571م، عندما أمر السلطان العثماني سليم الثاني أن يقام مسجد بجوار قبر الزبير بن العوام في شهر رجب من نفس السنة، وقضاء الزبير قريب من موقع البصرة القديمة، وبالذات قرب مقابر البصرة، وهي تقع بين موقع مدينة المربد الأثرية ومدينة البصرة القديمة التي أسسها عتبة بن غزوان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
ولا تزال مدينة الزبير القديمة ومناطقها تحتفظ بأسماء من شيدوها وسكنوها عبر مئات السنين، إذ تشتهر الزبير بمناطقها التي سميت بأسماء العائلات النجدية، ومن تلك المناطق، الرشيدية نسبة إلى بيت الراشد، والزهيرية نسبة إلى بيت الزهيري، والسلمانية نسبة إلى سلمان الإبراهيم، بالإضافة إلى قائمة طويلة تبدأُ ولا تنتهي من البيوت الكبيرة والعريقة، التي مازال طينها يعاند الزمن، مثل بيت المنديل والذكير والبسام والصانع والشريدة والمهيدب، إلى آخر القائمة التي صنعت تاريخ الزبير وكونت شخصيتها المستقلة.
وتحتوي منطقة الزبير على الكثير من المساجد منها مسجد الدليجان، المنتفك، القرطاس، الكوفة، دروازة الحرم، ومرقد ومسجد طلحة بن عبيد الله وغيرها الكثير من المساجد والجوامع الأضرحة والمراقد الأثرية القديمة والحديثة. أما البناء والتشييد فقد اتسم قديما بثلاثة عناصر معمارية وهي: الميبب وهو سقف يصل بين دارين، والبادقير وهي أقواس طينية مفتوحة تبنى فوق الأسطح لتسهل مرور الهواء داخل البيوت، وكذلك باب الخوخة وهو عبارة عن بابين في باب واحد، أحدهما كبير والآخر صغير ولكل استخدامه.
ولأن الزبير مدينة علم بامتياز، فليس مستغرباً أن تجد من خصص فناء بيته، رغم فقر الحال، لتعليم القرآن. وعلى الرغم من عُمر الزبير الضارب في عمق السنين، لا تزال بيوتها شامخة عصية منذ إنشائها قبل مئات السنين. البيوت والشبابيك والطين صامدة مع مرور الأجيال، وتحكي قصص من كانوا هنا، حتى إن البعض يرى أن البيوت القديمة أكثر صلابة ومقاومة لظروف البيئة من البناء والتشييد الحديث.
كما اشتهرت بلدة الزبير منذ تأسيسها بالتجارة، إذ كانت هجرة أبناء نجد من بلادهم إلى مدينة البصرة الحديثة، لكسب الأرزاق والعمل في بساتين نخيلها خاصة في موسم الرطب والتمور، وإذا ما انتهى الموسم عادوا إلى بلادهم نجد يحملون معهم القليل مما كسبوه ليستعينوا به على تحسين أحوال أسرهم المعيشية.
وبسبب الرخاء والأحوال المعيشية الرغيدة التي تعيشها البصرة آنذاك، يلتقي الطرفان في موقعها بعد موسم من التبادل السلع بين حاضرة البصرة الحديثة وباديتها، فيعرض أهل البصرة الكثير من منتجاتهم كالتمور والحبوب والألبسة، ومنتجات صناعية أخرى، على البادية والزوار وحجاج بيت الله الحرام، كما تعرض باديتها أيضا منتجاتها من الأنعام كالجمال والأغنام والدواب كالخيل والحمير، ومنتجاتهم من الجلود والأصواف والأوبار والدهون وبيوت الشعر وبساط المفارش من الأصواف وحطب الوقود والأعشاب الطبية.