بارزاني في بغداد.. هل تكون زيارة الوداع الأخير؟
أحمد أبو الخير - الخليج أونلاين:لطالما كرر مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، الذي وصل الخميس إلى بغداد في أول زيارة له للعاصمة العراقية منذ تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة الاتحادية، في أغسطس/ آب 2014، أن "كردستان المستقلة آتية آتية".
ووصل بارزاني إلى العاصمة على رأس وفد حكومي، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ 3 سنوات، تحديداً منذ أغسطس/ آب 2013، إبان حكم نوري المالكي الذي ترك لخلفه علاقات متوترة مع أربيل.
عنوان الزيارة العريض هو بحث معركة الموصل التي يُتوقع أن تبدأ أواخر الشهر المقبل لطرد تنظيم الدولة من آخر معاقله في العراق، إلا أن أجندات الزيارة النادرة تحمل أيضاً سفراً من الملفات العالقة بين حكومتي بغداد وأربيل.
- نقاط الخلاف
ويدور الخلاف ما بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، حول بعض النقاط، أهمها رواتب موظفي الإقليم، التي أوقفتها الحكومة الاتحادية منذ فبراير/ شباط 2014، رداً على تصدير الإقليم النفط من دون موافقتها، كما ترفض الحكومة صرف رواتب البيشمركة (جيش شمال العراق)، اعتراضاً على عدم ارتباطهم بالمنظومة الأمنية العراقية.
ومن جراء خلافات مع بغداد، لا يحصل إقليم كردستان العراق على حصته البالغة (17%) من الموازنة العامة للعراق، لذلك توجه الإقليم، منذ الأول من يناير/ كانون الثاني 2014، إلى تصدير النفط؛ في محاولة للتخلص من أزمته المالية، وهو ما تسبب بأزمة بين الطرفين، ما تزال آثارها مستمرة حتى الآن، وإن كانت بحدة أقل كثيراً عما كانت عليه حين كان المالكي رئيساً للوزراء.
وتلا تلك الخصومة والخلافات، تصريحات كردستانية متتالية، حول "حق الشعب الكردي" في تقرير مصيره، و"نيل استقلاله"، ما أجج الخلاف بين الحكومتين.
فخلال الفترة التي سبقت احتلال تنظيم الدولة لمناطق واسعة بالبلاد، كان بارزاني لا يترك مناسبة إلا ويشدد فيها على أن "الشعب الكردي لديه السلطة والصلاحية ليقرر مصيره، ونحن لن ندعم أي وضع ليس له مستقبل معلوم"، كما قال في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بأربيل، يوم 24 يوليو/ تموز 2014.
وأكد في السياق ذاته أنه "لن نتنازل مطلقاً عن حقنا في تقرير مصيرنا، وليس من حق أي شخص أن يفكر في شيء غير هذا مطلقاً، فنحن مصرون على الاستقلال مهما كلفنا الأمر"، ملمحاً في 16 سبتمبر/ أيلول 2014 إلى أنهم لن يتنازلوا عن فكرة إجراء استفتاء سيؤدي بدوره إلى الاستقلال.
ومؤخراً، مع أفول نجم تنظيم الدولة، وخسارته لجل المناطق التي احتلها، وقرب المعركة الأخيرة لطرده من آخر معاقله في العراق، بدأت تطفو على السطح تصريحات كردية مكثفة عن "حق الشعب الكردي بنيل استقلاله".
- تفاهمات
وقالت أشواق الجاف، النائبة عن الكتلة الكردية بالبرلمان العراقي: إن "أبرز الملفات التي سيجرى مناقشتها في زيارة بارزاني هي معركة الموصل، والتخلص من تنظيم داعش".
وأضافت الجاف أن "بارزاني سيبحث أيضاً علاقات حكومته مع نظيرتها الاتحادية"، مشيرة إلى أن "المرحلة الحالية تتطلب التوصل إلى تفاهمات بين الحكومتين".
ومن الواضح من تصريحات المسؤولين الأكراد، أن ما في جعبة بارزاني هما ملفان لا ثالث لهما: معركة الموصل ضد تنظيم الدولة، ومعركة "العلاقة" بين الحكومتين، وتحديد صلاحيات وحقوق كل طرف، وهي المعركة التي قد تفضي إلى انفصال الإقليم عبر استفتاء تقرير مصير محتمل، إذا ما فشلت المفاوضات بالتوصل إلى حل يرضي الطرفين.
ويرافق بارزاني في زيارته وفد سياسي وعسكري، أبرزهم، كوسرت رسول، نائب رئيس الإقليم، وشيخ جعفر شيخ مصطفى، قائد البيشمركة (قوات الإقليم المسلحة)، وفاضل ميراني، رئيس المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.
- تبدّل الأولويات
ومنذ سيطرة تنظيم الدولة السريعة على أجزاء واسعة من العراق، اعتمد إقليم كردستان على استراتيجية تضع أولويتها الانتهاء من طرد التنظيم قبل فتح ملف "الاستقلال".
ففي مايو/ أيار 2015، شدد مسعود بارزاني على ضرورة إعطاء الشعب الكردي في العراق فرصة تحديد مصيره ومستقبله من خلال استفتاء "يتم في سلام وتنسيق وتفاهم بشكل بعيد عن العنف".
وعندما سُئل خلال مشاركته بجلسة في المجلس الأطلسي (مركز بحثي في واشنطن): "متى؟"، أجاب بارزاني: "لا شك أن استفتاءً سيجريه الإقليم سيحدد ذلك، لكن الآن نحن مهتمون بمواجهة تنظيم (داعش)، فتأجل هذا الأمر حالياً، لكنه سيحدث لاحقاً حينما تكون الظروف الأمنية مواتية"، فــ "كردستان المستقلة آتية آتية"، إلا أن مواجهة "داعش" تمثل بالنسبة لهم "أولوية قصوى" وعلى جميع الشعب أن يتحد ضد التنظيم.
وفي التاسع من شهر سبتمبر/ أيلول، أعلن بارزاني أن الخطط العسكرية لاستعادة الموصل من تنظيم "الدولة" صارت جاهزة، مشيراً إلى أن استعادة آخر معاقل التنظيم باتت ممكنة قبل نهاية العام.
وأوضح رئيس إقليم كردستان العراق، في مقابلة مع تلفزيون فرانس 24، أن هناك "اجتماعات متعددة (حصلت) بين قادة البيشمركة وقادة الجيش العراقي، واتفقوا أخيراً على وضع الخطة العسكرية، ودور كل طرف".
ومطلع شهر أغسطس/ آب الماضي، أعلن رئيس إقليم كردستان العراق، أن تحرير مدينة الموصل هو "أمر مستحيل دون مشاركة قوات البيشمركة"، في تأكيد لتصريحات جبار ياور، الأمين العام لوزارة البيشمركة الذي أعلن أن قوات الإقليم ستشارك بـ50 ألف مقاتل في معركة الموصل.
وسبق زيارة بارزاني، بنحو أسبوعين اتفاق عسكري بين بغداد وأربيل، تضمن توحيد الخطة الإعلامية والإغاثية الخاصة بمعركة الموصل، وتشكيل لجان مشتركة لضمان انسيابية المعركة، ما يعني أن الشق العسكري جاهز بالفعل، وما بقي هو التفاهمات السياسية، و"تقاسم غنائم" ما بعد المعركة.
- الاستعداد لمرحلة الاستفتاء
ويرى بارزاني أن الأسباب التي أجّل لأجلها الحديث عن استقلال الإقليم الذي يتزعمه، والدعوة لإجراء استفتاء تقرير مصير- وهي تحديداً احتلال تنظيم الدولة لمناطق عراقية واسعة- باتت بحكم المنتهية، وهو ما يفسر أيضاً توقيت الزيارة التي تأتي قبيل انطلاق المعركة الأخيرة مع التنظيم، التي لا تشارك فيها قوات البيشمركة الكردية.
وما يؤكد هذا المعنى، تصريحات أدلى بها نوزاد هادي مولود، محافظ أربيل، ونقلتها "وكالة براثا" الكردية في 25 أغسطس/ آب، قال فيها: إن "مرحلة ما بعد داعش تعني بالنسبة للأكراد حق تقرير المصير".
وبدأت الحكومة العراقية في مايو/ أيار الماضي، بالدفع بحشودات عسكرية قرب الموصل، ضمن خطط لاستعادة السيطرة عليها من "الدولة"، وسط تصريحات رسمية حول اعتزام استعادة المدينة قبل حلول نهاية العام الحالي.
وتعد مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، ثاني أكبر مدينة في العراق من حيث السكان بعد بغداد، ويبلغ تعداد سكانها نحو مليوني نسمة قبل سيطرة "الدولة" عليها، وتبعد عن العاصمة نحو 465 كم.