اللواء الركن غازي الداغستاني ودوره العسكري في العراق
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
اللواء الركن غازي الداغستاني ودوره العسكري في العراق
غازي الداغستاني أحد رموز العهد الملكي في العراق في سنيه الاخيرة قبل ثورة 14 تموز 1958 وقلب نظام الحكم وتأسيس جمهورية العراق . كان من قادة الفرق ، وقد اعتقل بعد الثورة وحوكم أمام المحكمة العسكرية العليا الخاصة المعروفة ب(محكمة المهداوي ) و(محكمة الشعب ) وحكم عليه بالاعدام لكن الحكم لم ينفذ واطلق سراحه وسافر الى لندن وبقي هناك حتى وفاته هناك رحمه الله يوم 11 كانون الثاني سنة 1966 اثر نوبة قلبية ..
غازي الداغستاني هو ابن المشير الركن محمد فاضل الداغستاني قائد الفيلق السادس العثماني المرابط في العراق ووكيل والي بغداد قبيل الحرب العالمية الاولى والاحتلال البريطاني للعراق 1914-1918 . وال الداغستاني من أُسرة (ما ليكوف) احد أفخاذ عشيرة (اقار) الداغستانية والتي اشتهر منها بطل داغستان المسلم الامير شامل الداغستاني الذي قاوم الروس لسنين طويلة . وقد عمل محمد فاضل الداغستاني مرافقا للسلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909.وخلال الاحتلال البريطاني للعراق واثناء احتلال البصرة كان محمد فاضل الداغستاني قائدا لقوات المجاهدين العراقيين وقد استشهد خلال المقاومة للاحتلال في معركة كوت العمارة ودفن في مقابر الامام الاعظم ابو حنيفة ببغداد بعد ان شيع تشييعا عسكريا مهيبا .
وآل الداغستاني اسرة جركسية اصولهم عثمانيون جراكسة من داغستان . وكان اللواء الركن غازي الداغستاني من ابرز العسكريين الموالين لنظام الحكم الملكي بل كان قريبا جدا للملك فيصل الثاني وثمة من يقول انه كثيرا ما حذر الملك من الامير عبد الاله ولي العهد ونوري السعيد رئيس الوزراء المزمن (شكل 14 وزارة خلال العهد الملكي ) ودعاه الى ضرورة التخلص منهما وتسليمهما مناصب دبلوماسية خارج العراق لان الجيش كان ناقما عليهما بسبب ارتباطاتهما ببريطانيا وتنفيذهما مخططاتها في الشرق الاوسط وقد كشفت السيدة تمارا الداغستاني ابنته في جريدة الزمان (اللندنية ) حسبما يشير الكاتب الصحفي الاستاذ علي شطب ذلك في مقال له في جريدة الزمان 2-11-2012 .
كتب عنه الاستاذ أحمد قوشجو أوغلو مقالا جميلا عنه قال فيه ان غازي الداغستاني من اسرة داغستانية عريقة ، وغازي الداغستاني هو والد الضابط تيمور غازي الداغستاني الذي خدم في الجيش الاردني وكان قائدا لقوات البلاط الملكي الاردني .وخير من أرخ للواء الركن غازي الداغستاني العميد المؤرخ الاستاذ خليل ابراهيم حسين في الجزء السادس من موسوعته "موسوعة ثورة 14 تموز 1958 " الصادرة سنة 1989 فقال : أن اللواء غازي الداغستاني معروف بين الضباط بنزاهته وانضباطه ، واستقامته ، ومواقفه الصلبة والشجاعة .
وغازي الداغستاني من مواليد بغداد سنة 1911 ..أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في بغداد ودرس في كلية فكتوريا بالإسكندرية في مصر وانتمى بعد ذلك إلى المدرسة العسكرية في بغداد سنة 1928 وتخرج سنة 1930 برتبة ملازم ثان ..وفي سنة 1928 أوفد إلى لندن لمواصلة دراسته في كلية الأركان وتخرج فيها سنة 1940.
اسهم في دورات عسكرية في انكلترا وفي كلية (وولج) في لندن لدراسة الفنون العسكرية وقد أختص في الهندسة ...وقد إشترك في حركة الاثوريين سنة 1933 وهو برتبة ملازم ثان، عين في سنة 1940 في مديرية الحركات العسكرية في وزارة الدفاع، أشترك في ثورة مايس سنة 1941 وحارب الانكليز وكان برتبة رائد ركن . وفي 30/ أيار / 1941 أوفد إلى السفارة البريطانية المحاصرة في بغداد لطلب الهدنة مع السفير البريطاني (السر كنهان كورنواليس) وفي صباح يوم 31 مايس سنة 1941 حصل على الهدنة عبر جسر الخر ببغداد أمام أرتال الجيش البريطاني القادم نحو بغداد .
في سنة 1948م أصبح رئيس ركن القيادة العسكرية العراقية في فلسطين تحت قيادة القائد اللواء مصطفى راغب باشا .وفي السنة ذاتها تولى منصب مدير الأشغال العسكرية بعد عودته من فلسطين في عام 1952م شغل منصب ملحق عسكري في السفارة العراقية في لندن وبعد سنتين عين مديراً للحركات العسكرية .. وفي سنة 1954م عين معاوناً لرئيس أركان الجيش وهو برتبة زعيم (عميد ) ركن في سنة 1955م رفع إلى رتبة لواء ركن . وفي سنة 1956م عين قائداً للفرقة المدرعة الثالثة في منطقة جلولاء وحتى انبثاق ثورة 14 تموز 1958م .
كان الزعيم الركن عبد الكريم قاسم أمراً للواء التاسع عشر وهو أحد ألوية الفرقة الثالثة بقيادة اللواء الركن غازي الداغستاني .
بعد قيام الثورة أعتقل الداغستاني بوصفه من رموز النظام الملكي المباد وأحيل إلى محكمة الشعب , المحكمة لعسكرية العليا الخاصة , والمعروف بمحكمة المهداوي وحكم عليه بالإعدام .وإثناء مكوثه في السجن عانى الداغستاني أنواع الأهانات والتعذيب النفسي والجسدي على أيدي الشيوعيين .لكن الزعيم الركن عبد الكريم قاسم علم بالامر واستقدمه الى وزارة الدفاع وتعهد له بإطلاق سراحه وبالفعل اطلق سراحه سنة 1961 وسافر الى لندن وتوفي هناك .وثمة اخبار عن اعتقاله وما تعرض له في المعتقل في كتاب العميد الركن جاسم كاظم العزاوي الموسوم :" ثورة14/ تموز/ 1958" والذي كان المرافق الخاص لوزير الدفاع عبد الكريم قاسم .
فيما يتعلق بالضباط الاحرار وعلاقة غازي الداغستاني بهم هناك مايشير في كتاب استاذنا الدكتور فاضل حسين الموسوم :"سقوط النظام الملكي في العراق " الى ان الضباط الاحرار فكروا في ضم الداغستاني اليهم ومفاتحته واختياره رئيسا للتنظيم الا ان اتفاقا من هذا لم يحصل لاسباب عديدة لامجال لذكرها في هذه العجالة .
تميزت الحياة العسكرية للواء الركن غازي الداغستاني بالانضباط والنزاهة والشجاعة وقد عرف عنه وطنيته واخلاصه لبلده وقد حصل على انواط واوسمة كثيرة .
في الجزء الاول من محاضر جلسات محاكمات المحكمة العسكرية العليا الخاصة الصادر عن هيئة التنسيق في المحكمة سنة 1958 والذي تضمن محاكمة "أمير اللواء الركن المتقاعد غازي الداغستاني والتي ابتدأت في الساعة العاشرة من صباح يوم السبت 16 آب –اغسطس سنة 1958 وفقا للمرسوم الجمهوري رقم 18 الصادر في 20-7-1958 ما يدل على ان غازي الداغستاني قد قدم نفسه على انه غازي محمد فاضل الداغستاني وان عمره 46 سنة وانه ضابط متقاعد وانه يسكن بغداد ..
وقد ثبتت المحكمة صورته وهو في المحكمة متماسكا رابط الجأش مهندما يلبس الملابس المدنية وتجدون صورته هذه الى جانب هذه السطور .وقد وجه الادعاء العام العقيد الركن ماجد محمد امين الى اللواء الركن المتقاعد غازي الداغستاني تهمتان رئيسيتان هما :
1.التآمر على الشقيقة سوريا
2.تبديد أموال الدولة وتسلمه مبلغ ثلاثين الف دينار دفع منها عشرة الاف دينار الى العقيد السوري اديب الشيشكلي وادعاءه بتسليم الباقي من المبلغ الى الملحق العسكري في بيروت لصرفه على ما تقتضيه متطلبات المؤامرة من اعمال تبعية .
3.وقال المدعي العام ان اللواء الداغستاني هو احد العسكريين الذين اشتركوا في المؤامرة على سوريا وانه هو من اعد الخطة وتشكيل سرايا وتموين العشائر على الحدود السورية لقلب نظام الحكم في سوريا وممن استدعي للشهادة الزعيم الركن سيد امين بكر والزعيم المتقاعد احمد مرعي ورئيس اركان الجيش السابق رفيق عارف والدكتور فاضل الجمالي وعبد المطلب الامين واللواء المتقاعد عمر علي وقد بلغ عدد الشهود 39 شاهدا وقد دافع اللواء غازي الداغستاني عن نفسه وقال ان تدخلات العراق في سوريا ليست جديدة وانها تعود الى سنة 1948 وكل الحكومات العراقية قبلت مبدأ التدخل في امور سوريا الداخلية وكانت تلك التدخلات تنحصر في اسناد الفعاليات الداخلية بواسطة الملحقين العسكريين وعن طريق الاحزاب والتكتلات السورية نفسها وقد قرر الحكام في العراق الملكي استخدام الجيش العراقي في ذلك وان الامير عبد الاله ونوري السعيد كانا وراء ذلك وان خطة وضعت لذلك بعنوان ( X) استلمتها من سلفي امير اللواء الركن المتقاعد عبد المطلب الامين وهذه الخطة وضعت "لغرض القيام بحركات عسكرية ضد سوريا " .
واضاف ان نوري السعيد وعبد الاله كانا يلحون على قادة الجيش بتحريض من بعض السياسيين السوريين وانه والفريق الركن رفيق عارف احتجوا على ذلك محتجين تارة بعدم كفاءة وسائط النقل واخرى لعدم تيسر العدد الكافي من الطائرات وضرورة تهيئة الطيارين والمطارات مما يتطلب وقت طويل جدا وقال :"لقد اوضحنا لهما ان اي اصطدام بين الجيشين العراقي والسوري يكون كارثة للبلدين ولايخدم الا مصلحة اسرائيل " .
يقينا ان متابعة سير المحكمة تظهر بأن اللواء الركن غازي الداغستاني كان صادقا في كلامه ، وان محاولات محمومة كانت تبذلها الحكومات العراقية للتدخل في سوريا . وكان يتردد ان الامير عبد الاله ولي العهد ، كان يطمح لان يجد له في سوريا عرشا وهذا ما كان يشاع انذاك لكن الفشل ظل حليف هذه التدخلات .