حينما تنحر القيم والمبادئ!
الدكتور جاسم الشمري
في نهاية آذار(مارس) 2015، حذر الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، الجنرال ديفيد بتريوس، الذي قاد جيش الاحتلال الأميركي في العراق، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست"، من أن "الخطر الحقيقي على استقرار العراق على المدى الطويل يأتي من ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، وليس من تنظيم "الدولة الإسلامية"، وأنهم – أي الحشد- التهديد الأكبر لكافة الجهود الرامية إلى جعل سنة العراق جزءاً من الحل في العراق وليس عاملاً للفشل".
وحذر بتريوس من" تنامي نفوذ هذه المليشيات بحيث تصبح الحكومة العراقية عاجزة عن احتوائها، وعلى المدى البعيد قد تبرز هذه المليشيات الشيعية المدعومة من إيران كقوة مؤثرة في البلاد، وتخرج عن سيطرة الحكومة وتدين بالولاء لطهران".
وفي السنتين الماضيتين ظهرت بوضوح سيطرة الحشد الشعبي على غالبية الملفات العراقية العسكرية والمدنية، وربما يمكننا القول إن الحشد صار القوة الأبرز في العراق اليوم.
والحشد الشعبي قوة غير منضبطة، وعابثة بأرواح المدنيين، ومدمرة لأسس التعايش السلمي بين المواطنين، وجرائمه تترى في يوميات العراقيين، ومنها الجريمة التي بثها ناشطون في يوم الجمعة الماضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أظهر مقطع فيديو قيام عناصر من مليشيات الحشد الشعبي بإعدام الطفل محمد حسين علي الحديدي من قرية الحديديين جنوب الموصل بطريقة بشعة، حيث أطلقوا النار عليه، قبل أن يضعوه تحت جنازير الدبابة وسحقه بطريقة بشعة لم نر مثلها في عراق ما بعد العام 2003، وكأننا أمام أسلوب جديد وممنهج للقتل والإرهاب المليشياوي الرسمي!
هذا التطور في صور الإجرام المليشياوي يمكن تفسيره بوجود جهات داعمة وساندة لتلك المليشيات على الرغم من كل خروقاتهم للقوانين والقيم، ومن هذه الجهات:
- المؤسسة الدينية الشيعية الداعمة للحشد الشعبي، واستمرار مباركتها لعملياته، وفي ذات الوقت تجاهلها شبه التام لجرائمه، لأنها هي التي أفتت بتشكيل الحشد بموجب فتوى الجهاد الكفائي، وهذه الفتوى أعطت الحشد غطاء دينياً لتنفيذ جرائمه التي شهدت بها بعض المنظمات الدولية، ومنها منظمة العفو الدولية التي اتهمت، وعلى لسان مدير الأبحاث وأنشطة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيليب لوثر، "الحشد الشعبي والقوات الحكومية العراقية بارتكاب جرائم حرب وهجمات انتقامية وحشية في حق السنة الفارين من تنظيم "داعش" في الموصل".
- دعم حكومة حيدر العبادي المطلق للحشد وصمتها عن جرائمه، رغم ارتباطهم المباشر بمكتب رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة عبر هيئة الحشد الشعبي.
- مساندة مجلس النواب للعمليات العسكرية والقوات المشاركة فيها، ومنها الحشد الشعبي، والمتزامنة مع صمت الغالبية المطلقة من نواب المدن المنكوبة عن الجرائم اليومية للقوات المهاجمة بحق المدنيين.
- التضليل الإعلامي الكبير، وبالذات من شبكات الإعلام الرسمي، التي تمتلك قدرات مالية وبشرية هائلة لتزييف الحقائق في معركة الموصل التي ترتكب فيها جرائم كبيرة بحجة ملاحقة "داعش"!
هذه الجرائم الطائفية لا يمكن أن تصلح كأرضية للتعايش المشترك بين العراقيين، الذي تدعيه الحكومة، بل على العكس من ذلك هي مادة أساسية لقتل التلاحم الشعبي.
إن جريمة دعس هذا الطفل نُحرت معها القيم والمبادئ التي تتغنى بها حكومة بغداد، والقوات المتجحفلة معها. وهذه الأفعال الانتقامية أدلة قاطعة على طائفية القوات المهاجمة، وأنها تمتلك أجندات يُراد منها نشر الرعب والإرهاب والخوف بين الأهالي لدفعهم للهجرة، وبالتالي إحداث تغيير ديموغرافي في الموصل وضواحيها، وهذا ما تطمع به إيران، والتي لا ندري متى تترك العراق للعراقيين بعد أن صار تدخلها العلني والمخفي لا يمكن السكوت عليه أكثر؟
الواجب الإنساني والعروبي يحتم على الدول العربية السعي لإنقاذ العراق من تغول المليشيات، والعمل لاستصدار بيانات من المنظمات الإسلامية، وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي لتجريم تلك المليشيات التي لم يعد بالإمكان تجاهل جرائمها، أو تحملها.