بسم الله الرحمن الرحيم
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }(183) البقرة
~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~
اللهم اجعل صيامنا في رمضان صيام الصائمين
وقيامنا فيه قيام القائمين
ونبهنا فيه عن نومة الغافلين
وهب لنا جرمنا فيه يا إله العالمين
واعف عنا يا عافيا عن المجرمين
اللهم آمين يا رب العالمين
أما بعد :
سألتة : ما الصيام عندك ؟
قال : كف البطن عن الطعام والشراب , والفرج عن قضاء الشهوة .
قلت : هذا أهون الصيام عند السلف .
قال : فكف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام .
قلت : ونسيت القلب ؟
قال : وهل يصوم القلب ؟
قلت : يصوم أعظم صيام .
قال : اشرح لي ذلك .
قلت : صيام القلب بالإعراض عن الهمم الدنيئة والأفكار الدنيوية , وبكفه عما سوى الله بالكلية .
قال : وكيف يكون الفطر من هذا الصوم ؟
قلت : يكون بالفكر فيما سوى الله والدار الآخرة ,
وانشغال القلب بالدنيا إلا دنيا تراد للآخرة .
قال : وهل لذلك أثر من الكتاب والسنة ؟
قلت : قولة تعالى : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) ( الشعراء : 88 , 89 )
فعلق النجاة يوم القيامة على سلامة القلوب و إذا سلِمت القلوب سَلمت الجوارح , واستقامت على طاعة الله , واجتنبت معصيتة ونواهيه.
وقال النبي صلى الله علية وسلم : " ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد , وإذا فسدت فسد سائر الجسد , ألا وهي القلب " ( متفق علية ) .
فأساس الصلاح والفساد هو صلاح القلوب وفسادها ولذلك كان إصلاح القلوب وتهذيبها وتطهيرها من أعظم أعمال الطاعة التي غفل عنها كثير من الناس .
قال أبو تراب النخشبي : ليس من العبادات شئ أنفع من إصلاح خواطر القلوب .
وقال أحمد بن خضروية : القلوب أوعية , فإذا امتلأت من الحق , أظهرت زيادة أنوارها على الجوارح , و إذا امتلأت من الباطل أظهرت زيادة ظلمتها على الجوارح .
" صـــــــــــــــــــــفة القلـــــــب الصائـــــــــــم "
والقلب الصائم :
قلب متحرر من حب الدنيا والتعلق بشهواتها وملذاتها , طلباً للنعيم الأعلى والراحة الدائمة .
قالت رابعة : شغلوا قلوبهم بحب الدنيا عن حب الله عز وجل , ولو تركوها لجالت في الملكوت , ثم رجعت إليهم بطرائف الفوائد
والقلب الصائم:
قلب مشغول بالفكر في الآخرة , والقدوم على الله عز وجل .
قال حادث بن أسد : بلية العبد تعطيل القلب عن فكره في الآخرة , حينئذ تحدث الغفلة في القلب .
والقلب الصائم :
قلب سالم من الأحقاد والضغائن لا يضمر لأحد من المسلمين غلاً ولا شراً ولا حسداً بل يعفو ويصفح ويغفر ويتسامح , ويحتمل أذى الناس وجهلهم .
وقد سئل ابراهيم بن الحسن عن سلامة القلب فقال :
" العُزلة والصمت وترك إستماع خوض الناس ولا يعقد القلب على ذنب , ويهب لمن ظلمة حقة " .
والقلب الصائم :
قلب ساكن مخبت متواضع ليس فية شئ من الكبر والغرور والعلو في الأرض .
قال النبي صلى الله علية وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبة مثقال ذرة من كبر " ( رواة مسلم ) .
والقلب الصائم :
قلب مخلص لا يريد غير وجة الله , ولا يطلب إلا رضى الله , ولا يلتذ بغير محبة الله وذكره وشكره وحُسن
عبادته .
قال يحيى بن معاذ : النسك هو العناية بالسرائر واخراج ما سوى الله عز وجل من القلب .
وقال ضيعم : إن حبه تعالى شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره فليس لهم في الدنيا من لذة حب تداني لذة محبته , ولا يأملون في الآخرة من كرامة إلا الثواب الأكبر عندهم وهو النظر إلى وجه محبوبهم " سبحانه وتعالى "
فأين أصحاب هذه القلوب النقية ؟
و أين أرباب تلك الهمم العليّة ؟
" أعيـــــــــــــــــاد الصائـــــــــــــــمين "
قال ابن رجب : " من يصوم في الدنيا عما سوى الله فيحفظ الرأس وما حوى ويحفظ البطن وما وعى ويذكر الموت والبلى ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا , فهذا عيد فطره يوم لقاء ربة وفرحته برؤيتة .
كما قيل :
أهل الخصوص من الصوم صومهم صون اللسان عن البهتان والكذب .
والعارفون و أهل الأنس صومهم صون القلب عن الأغيار والحجب.
~*~*~*~*~*~*~*~*~*~
اللهم اجعلنا ممن اصطفيتهم لقربك ..
وأخلصتهم لودك ..
وشوقتهم للقائك ..
اللهم آمين