رسائل ومؤشرات في العراق تثير التفاؤل والمخاوف
مصطفى العبيدي
Jan 07, 2017
بغداد ـ «القدس العربي»: مع تباشير العام الجديد تصاعد الحراك السياسي المحموم في المشهد العراقي، ليعكس مرحلة جديدة من الصراع الشرس بين القوى السياسية في خضم مساعيها للحفاظ على مكاسبها وامتيازاتها، وما يخلفه ذلك الصراع من تداعيات سلبية على الأوضاع العراقية.
وبرزت هذه الأيام إشارات أثارت مخاوف وقلق الشارع العراقي من تداعيات الصراع السياسي على الأوضاع بالتزامن مع ارتفاع شراسة المعركة المصيرية بين القوات العراقية وتنظيم «الدولة» في الموصل وما تبقى له من مناطق يسيطر عليها.
ومن طهران انطلقت تصريحات الأمين العام لحزب الدعوة نوري المالكي حول تجدد طموحاته بخوض الانتخابات المقبلة ونيته لاعادة «هيكلة النظام السياسي» من خلال فرض الأغلبية السياسية بدل التوافق الوطني بين القوى الذي كان سائدا منذ 2003 وهو ما يعني حصر السلطة والحكومة بيد الأكثرية السياسية الشيعية. والتساؤل المشروع هنا هو انه إذا كان اسلوب التوافق السياسي في الحكم أوصل العراق إلى مرحلة الانهيار شبه الشامل الحالية، فماذا سيفعل به اسلوب التفرد الشيعي بالحكم؟!
وقد أرسل الاهتمام الكبير من القادة الإيرانيين بحليفهم البارز المالكي الذي رفضته المرجعية الشيعية والشارع العراقي، وتشجيعه على العودة لرئاسة الحكومة على حساب زميله في حزب الدعوة حيدر العبادي، رسائل عديدة منها إصرار إيران على التدخل في الشأن العراقي من خلال فرض الحلفاء، والتوجه نحو مرحلة إلغاء التوافقات في إدارة الحكم في العراق والاتجاه نحو حسم السيطرة على السلطة، وهو ما يعني زيادة التأزم السياسي والأمني الموجود أصلا في المجتمع، كما يعكس محاولة تحجيم النفوذ الأمريكي في العراق والمنطقة على حساب تصاعد النفوذ الإيراني.
ومن جهة أخرى، جاءت تصريحات رئيس الحكومة حيدر العبادي التي دعا فيها خصومه السياسيين إلى اللجوء إلى البرلمان لإقصائه بدل المتاجرة بدماء الأبرياء، في إشارة إلى الانهيار الأمني والتفجيرات التي انتشرت في العاصمة العراقية مؤخرا، وكان واضحا عندما وصف في مؤتمره الصحافي الاسبوعي، عملية خطف الصحافية العراقية افراح شوقي، باعتباره «خطفا سياسيا جرميا» وهو ما يعكس بعض أوجه الصراع السياسي لقوى متنفذة في المشهد العراقي لديها الاستعداد للتضحية بدماء المواطنين وأمنهم في سبيل تحقيق مصالح سياسية بحتة.
ورغم إطلاق سراح الصحافية المختطفة في أعقاب تصريحات العبادي، فان المراقبين اعتبروا عملية الخطف، إضافة إلى التفجيرات التي عمت بغداد هذه الأيام، صورة لأنشطة قوى سياسية متنفذة تسعى للضغط على حكومة حيدر العبادي لإسقاطها من خلال اظهارها بمظهر العاجز عن فرض القانون وحماية المواطنين وتوفير الأمن.
وفي موقف واضح يكشف اتساع الهوة بين السيد مقتدى الصدر والتحالف الوطني الشيعي الذي كان جزءا حيويا فيه، أطلق التيار الصدري مبادرة «التسوية المجتمعية» بديلا عن «التسوية التاريخية» التي طرحها رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم، بالتزامن مع مساعي ومحاولات محمومة من الأخير للترويج لها محليا وإقليميا، ليشكل مشروع الصدر ضربة إضافية لمشروع الحكيم الذي ترفضه القوى السنية وتتحفظ عليه بقوة رغم الضغوط الكثيرة.
وقد وجه السيد مقتدى الصدر رسالة إلى التحالف الوطني طالبه فيها بتغيير سياساته وقياداته، كما أبدى التيار الصدري تحفظات واعتراضات كثيرة على مشروع «التسوية التاريخية» لعدم شموله كل الأطياف العراقية وعدم تركيزه على مكافحة الفاسدين وتحقيق الاصلاح الذي تطالب به الجماهير، ما يعكس تعمق الخلافات بين أطراف التحالف الوطني واحتمال عقد التيار الصدري تحالفات مع قوى وطنية من مختلف الطوائف تحت شعار «كتلة عابرة للطائفية» لتحقيق الاصلاحات.
وفي كردستان، حذر الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة رئيس الإقليم مسعود البارزاني، من محاولات حلفاء نائب رئيس الجمهورية نوري المـالكـي لخلق أزمة بين حكومة حيدر العبادي وحكومة الإقليم، وذلك خوفا من انتقال التحالف العسكري الحالي بمواجهة تنظيم «الدولة» إلى تحالف سياسي مؤثر في الانتخابات المقبلة، حسب الحزب المذكور.
كما كرر القادة الكرد هذا الاسبوع تمسكهم بحدود الإقليم الحالية التي وصلوا إليها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 وبعد انتزاع بعض المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم «الدولة»، حيث أعلنت وزارة البيشمركه «ان حدود الإقليم ترسمها البيشمركه وليس نوري المالكي» الذي دعا الإقليم إلى انسحاب قواته إلى حدود ما قبل 2003. ويجدد هذا الاعلان المخاوف من احتمالات بروز التوتر بين حكومتي بغداد واربيل على «المناطق المتنازع عليها» في المرحلة التي تلي الانتهاء من ظاهرة تنظيم «الدولة».
ويراقب العراقيون الصراع الشرس والسباق المحموم للقوى السياسية في ترتيب أوضاعها وتحالفاتها، استعدادا لمرحلة ما بعد تنظيم «الدولة» والانتخابات المقبلة، وهم في حيرة وترقب، بين الآمال بتغيير تحقق من خلاله قوى الخير، مستقبل مستقر آمن بعيد عن الأزمات والتحديات، وبين مخاوف من طموحات سياسيين متمسكين بالسلطة وامتيازاتها حتى ولو على حطام شيء اسمه الوطن.