ساحة الميدان.. محال لموروث تأريخي وفني
من محتوياتها عقال الملك وقميص الزعيم...
بغداد/الصباح ـ يوسف المحمداوي:ادهشت الصورالتي التقطها الزميل زياد جسام لساحة الميدان ومحال التحف القديمة فيها الجميع بعد ان ارتدت ثوبا عمرانيا جديدا بدءا من الشارع المحاذي لبناية وزارة الدفاع حتى الوصول اليها، وهذا مادفعنا للتوجه اليها لاجراء هذا الاستطلاع الميداني عن هذه الساحة الموغلة بالقدم والمبهرة بحكاياتها التاريخية التي هي وبلا شك ذات قيمة لايمكن تقديرها في الذاكرة الجمعية للعراقيين،ما ان وطأت اقدامنا اول خطوات الشارع المتوجه اليها حتى بدأ مخرج فيلم (الماضي)يعرض لنا مشاهد من عبق التاريخ، هل مر من هنا الملك فيصل الاول ليتوج في تلك الساحة ملكا على العراق في العام 1921؟، ومن هنا توجهت ام كلثوم لتطرب الحشود داخل وخارج فندق الهلال العام 1932، القينا التحية على حرس دار الوثائق والكتب العراقية، وكذلك على نصب مالئ الدنيا وشاغل الناس المتنبي لشيخ النحاتين الراحل محمد غني حكمت العام 1977
الساحة الجامعة للجميع
في كل خطوة لاستطلاعنا كان هناك مشهد جديد لفيلم الماضي،وهي حكايات يعرفها اغلبنا وتحدث الكثيرون عنها وصيغت قصص وروايات وقصائد عنها ،ملوك ورؤساء وعبيد،اغنياء وفقراء،ادباء وفنانين،منفلتين وملتزمين، شيوخا وشبابا،علماء وجهلة، مطربين وملالي، عسكريين ومدنيين، مناضلين وجواسيس سلطة، جميعهم مروا من هذا الشارع متجهين صوب تلك الساحة الجامعة بايديولوجيتها الحزبية والدينية والقومية التي تترجم بحشودها تلك قول الشاعر(ديني لنفسي ودين الناس للناس)،الشارع الذي كان يبحث عن الاسفلت قامت الامانة بتعبيده وجدناه وللانصاف نقولها مبهرا وكان ينقص الباب الجانبي لوزارة الدفاع طوب ابو خزامة الذي صيغت عنه الاساطير ونذرت له النذور وكانت زيارته من قبل بعض النساء طقسا مألوفا عند العديد من العوائل البغدادية،ونحن نسير على الرصيف مرت حافلة مصلحة نقل الركاب الالمانية ذات الطابقين لتعيدك الى صاحبتها الانكليزية وذكرياتها ايام زمان، الاسئلة التي تدور في الذهن كثيرة ومتنوعة ومنها على سبيل المثال ،هل شمل الزي الجديد للشارع الساحة الفاصلة مابين شارعي الرشيد والجمهورية؟،هل مازالت محال الانتيكات والتحف التراثية محافظة على مقتنياتها وروادها؟،فكان الرد سريعا ومفرحا ...نعم...نعم.
نعم ارتدت ساحة الميدان حلة جديدة في كل شيء وقبح الامس تحول الى جمال بهي،لم تعد تلك الساحة التي كانت بالامس القريب عبارة عن مكب للنفايات،وموئل للمشردين واللصوص تجدها اليوم ساحة تعج بالمارة المتوجهين الى مقاهي الرشيد ومكتبات شارع المتنبي،ومرائب حديثا لمختلف العجلات،وامنيتنا ان تشمل هذه الحلة الجديدة شارعي الرشيد والجمهورية لنصفق وباعتزاز لجميع الجهود التي تبذل من اجل بناء عراق مشرق في كل شبر من ارضه الغالية.
الهواية التي تحولت إلى حرفة
في القرب من مقهى شعبي وعلى يساره مباشرة وجدنا قطعة كتب عليها فضيات،مسبحات،سجادا ،لوحات فنـــية، نــــحاســــيــات ،احـجارا كريمة، محابس،دخلنا الى المحل الذي استقبلنا فيه صاحبه بكل ود لنسمع منه ونرى بام اعيننا مايدهشنا ويذهل عدسة الزميل نهاد،لوحات ونصب لفنانين كبار ،راحلين واحياء،تحف نادرة ،اركيلات من الفضة واخرى من الزجاج المنقوش،نصب ،صور شخصية رسمت بريشة فنانين كبار،يقول ناصر عبد الكاظم البركاتي صاحب المحل والذي يناديه الجميع بابي زينة انه امتهن هذا العمل منذ(39)عاما وعشقه بعد ان فتح عينيه على هذه التحف وسط عائلة تهتم بالتحفيات والفن خاصة انه واخوته رسامون،وقام باخراج العديد من لوحاته لنشاهدها،مبينا لنا ان اثاث البيت كان اغلبه من النوع القديم ومن صناعة اليهود ويضم انواعا من التحف القديمة والجميلة،وحتى تخم (القنفات) من النوع القديم المنقوش،وزجاجيات الفرفوري(البورسراين)،كل تلك الامور نمت عندي هذه الهواية باقتناء كل ماهو جميل ،لتتحول تلك الهواية الى حرفة يمارسها الى يومنا هذا.
الملك فيصل وماري انطوانيتابو زينة بين لنا انه تعامل في بيع وشراء تلك الاعمال واللوحات والتحف النادرة العام 1974وقام بفتح اول محل له العام 1975ضمن بناية تضم متحف الازياء والحرف الشعبية، وكان هذا المتحف الوحيد من نوعه في الشرق الاوسط ،وكان هذا المتحف يضم غرفة نوم الملك فيصل الاول وبعض الملابس التي كان يرتديها والعديد من سيوفه المشهورة ومعظمها كمايقول البركاتي مصنوعة من الذهب،وتحف رائعة كانت تخص العائلة المالكة، فضلا عن بدلات خاصة للزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وحتى ادوات حلاقته، لكنها والكلام لابي زينة سرقت تحت ذريعة نقلها الى المتحف العراقي في نهاية سبعينيات القرن الماضي ،كلام البركاتي احالني الى قصر فرساي في باريس وهو يحتفظ بغرفة نوم الملكة ماري انطوانيت وكذلك علبة مكياجها الى يومنا هذا،على الرغم من الاشكاليات التي اثيرت حولها التي ادت بها الى الاعدام بالمقصلة،وحين حاول بعض اللصوص القيام بسرقة تلك القصور قام روبسبيروهو احد زعماء الثورة الفرنسية باعدام العديد منهم وبالمقصلة ليحد من تلك الظاهرة ،وتدين له فرنسا على الرغم من تحوله الى ديكتاتور فيما بعد بالحفاظ على هذه الثروة السياحية التي تدر بمليارات اليوروهات سنويا من خلال السياحة،ولكن في تلك الفترة واقصد بها النظام السابق والتي سرقت فيها آثارنا كانت المقصلة بانتظار من يريد ان يعمل مافعله روبسبير لانها كانت بيد اللصوص. متحف شعبي للروادلاأخفيكم وانا اصغي الى كلام البركاتي كنت سارحا بين حديثه وبين ما يحتوي محله من مقتنيات لاتقدر بثمن كان شعوري كقلب طفل داخل متجر للحلوى حائر لمن يختار وجميعها لذيذة يسيل عليها لعاب رغبة الاقتناء،البركاتي يقول انه تعامل مع اهم الاعمال للفنانين الرواد ومنهم بحسب قوله،فائق حسن ،محمد غني حكمت ،شاكر حسن آل سعيد،حافظ الدروبـي ،خالــد الرحــال ،اسماعيل الشيخلي،نــــوري الــــراوي،راكان دبـدوب،ليـــلى الـعطـــــــار،ماهود احمد،سعاد العطار،وميران السعدي ،ومخطوطات للراحل وشيخ الخطاطين هاشم الخطاط وحتى خطاطين عرب من ضمنهم الفنان اليمني علي غدار،كلام البركاتي بالتاكيد يدفع فضول اي صحفي للسؤال عن ماتبقى من تلك المقنيات ،فماكان من الرجل الا ان يخرج لنا عدة نصب ولوحات فنية قمنا بتصويرها مثل نصب برونزي يتجاوز المتر ونصف المتر للفنان محمد غني حكمت يمثل فلاحا وفلاحة،نصب خشبي لامراة لشيخ النحاتين نفسه موقعة باسمه العام 1954،نصب لامراة عارية من الرخام الابيض وهي بوضع الجلوس للنحات ميران السعدي صاحب نصب ساحة النسور. لوحة فائق وقميص الزعيميقول ابو زينة انه يمتلك لوحة للفنان فائق حسن ولكنه لم يعرضها للبيع لانها لامرأة عارية بوضع فاضح ،لايمكن لاي عراقي ان يقتنيها ويعلقها في بيته طبقا لتقاليد لذلك آثرت الاحتفاظ بها بعيدا عن الانظارعلى حد وصفه،وعن التحف والانتيكات المهمة التي يعتز بها ولايعرضها للبيع اخرج لنا البركاتي من داخل كيس يحتفظ به في احدى زوايا محله النموذج الاصلي (الماكيت)الاصلي لنصب المتنبي الموجود حاليا في مدخل المكتبة الوطنية،وهذا النموذج قام بصبه الفنان محمد غني حكمت في ايطاليا وهو مصنوع من انواع مختلفة من المعادن،وحين قام بتصويره عاده الى الكيس نفسه ليحفظه بدقة الفنان المحترف،مبينا انه في العام 1992 قامت زوجة الفنان الراحل خالد الرحال في بيع العديد من مقتنياته وحتى مكتبته الاثيرة وقمت انا بشرائها ،موضحا ان من ضمن المقتنيات قميصا عسكريا للزعيم الراحل عبد الكريم قاسم برتبته ونياشينه الذي كان صديقا للرحال،وعندما طلبنا منه رؤيته قال انه غير مكو بسبب حفظه داخل كيس ومع ذلك اخرجه الرجل لنقوم بتصويره من عدة زوايا وكان مكتوبا على ماركة القميص خياطة(دكس)لعبد الحميد عبد الرزاق،لم انتظر وانا احمله من شم الرائحة التي تفوح من ذلك القميص لأملأ قلبي وكل كياني بعطر الوطنية والنزاهة التي فارقناها منذ زمن بعيد. عقال الملك ولوحة فان كوخصورة للزعيم عبد الكريم قاسم طبعت على صينية من الالمنيوم العام 1959 بدت وكانها صنعت اليوم من شدة بريقها،والمفاجأة الاخرى والمهمة والتي يحتفظ بها ابو زينة وهو عقال الملك فيصل الثاني وكذلك عصا تبختره في طفولته،العقال الذي يسمى بالمقصّب وهو مصنوع من خيوط الفضة كما بين لنا وكذلك يمتلك البذلة العسكرية للملك فيصل الثاني لكنه اخرج لنا العقال والعصا لنقوم بتصويرهما،لكنه اعتذر عن عدم وجود البدلة العسكرية الان بالقرب منه،وحين حاولت ان البس العقال على رأسي رفض البركاتي ذلك ،وعزا ذلك لكون الفضة تتأثر بالمواد الكيمياوية التي تحملها فروة الرأس الا بوجود قطعة قماش كفاصل مابين الرأس والعقال،وهذا ماحرمني لاكون ملكا ولو للحظة واحدة،ومع ذلك لم اعترض على رغبة من اغنانا بكل هذا،وعن اهم اللوحات التي عرضت عليه قال بعد الغزو الصدامي للكويت عرضت علي لوحة للفنان فان كوخ وبثمن بخس ولكني رفضت اقتناءها لاني اعرف بانها مسروقة،وخاصة ملامح البائع تدل على انه مشبوه ،وانا والكلام للبركاتي لا اتعامل بالمسروق ابدا لأنه يضر بسمعة التاجر بتلك التحف على حد وصفه. المسبحة الألمانية والابسونوبالنسبة للاسعار كما يقول البركاتي تخضع لنوعية العمل ولاسم الفنان والحجم،وبشأن المسبحات التي تزين المكان بالوان وانواع مختلفة ،يقول هي السندروس ومايطلق عليه بالخطأ السندلوس وهناك الكهرب بانواعه الالماني والروسي والبولوني واليماني وافضلها كما يوضح هو الالماني لقدمه،وهناك الكهرمان ،وكذلك مسبحات بلاستيكية،واسعارها من الالف دينارالى الملايين،قبل ان نودع البركاتي لفت نظري مخطوطة بـ(الابسون)وهو نوع من الفن الفرنسي من عمل مدام عراقية عاشت في فرنسا تدعى (ام خالد) وهي من العوائل العراقية العريقة،ودعناه وكذلك ودعنا لوحة مرسومة لعلامة الآثار بهنام ابو الصوف كانت تعلو طقم (قنفات هندي) وهي للرسام الفنان ياسين شاكر. صناديق السيسم والراديو الالماني دخلنا محل ابو ليث الذي يتخصص بالتحف الاوروبية والفضيات العراقية كما يقول،مبينا ان اغلب تلك التحف الثمينة التي تبيعها بعض العوائل لعدة اسباب جميعها تصدر الى خارج العراق،مضيفا انه يتخصص بماركات عالمية مثل المايسن، سيرف،هرند،درذن،وجميعها من مناشئ اوروبية كانت تقتنيها بعض العوائل العراقية من تلك الدول،والآن عادت اليها،سألته عن الاسعار قال ان مزهرية نوع بورسليم فرفوري بيعت بسعر(3000) دولار، اما الفضيات اسعارها اغلى فمثلا تحفة فضية وزنها (200)غم وصل سعرها(7000)دولار،ويبين ابو ليث ان الناس بدأت تشتري الاخشاب القديمة التي نسميها نحن (اثاث اليهود)مثل الكنتور ابو العصافير او صباح الخير وميز ابو الكاشي التي يعود تاريخها الى العام 1929،وكذلك الصناديق الخشبية التي تسمى بصناديق السيسم اي الخشب الهندي الذي يصل سعره الى (1000) دولار.محل ابو غزوان تخصص ببيع المسجلات والراديوات والكرامات القديمة بين لنا ان سعر الراديو القديم صناعة المانيا الشرقية سعره(400)الف دينار،والكرام الانكليزي سعره يصل الى (1500) دولار،والمسجلات القديمة التي تصل اسعارها مابين 400 - 700دولار،وانا اودع ابي غزوان وساحة الميدان كان مذياعه يصيح باعلى صوته (عمي يبياع الورد...كلي الورد بيش كلي)،وانا اردد بحسرة(عمي يبياع التحف كلي التحف بيش ..كلي)،وحسرتي بالتاكيد لكونها لا تقدر بثمن.