مأساة الموصل الإنسانية بين الاستهداف المبيّت وجرائم الحرب والإبادة
- الأحد 19-03-2017 03:29 صباحا
الهيئة نت ـ متابعات| مع شدّة المعارك التي يشهدها الجانب الأيمن من مدينة الموصل وكثافة القصف الذي يستهدف أحياءه القديمة؛ يعاني النازحون الفارون من هناك أوضاعًا إنسانية صعبة للغاية، يرافقها تقييد لحرية الحركة والتنقل بسبب الممارسات الحكومية ومتطلبات ما يسمى (التدقيق الأمني)؛ مما يجعلهم إلى سجناء في العراء.
وفي الوقت الذي تؤكد مصادر محليّة في محافظة نينوى؛ أنها تشهد موجة نزوح غير مسبوقة ما تزال مستمرة حتى اللحظة؛ اعترفت وزارة الهجرة الحالية بأن عدد النازحين من مناطق القتال في الجانب الغربي فقط وصل إلى (125) ألفًا حتى مطلع الأسبوع الجاري؛ ليرتفع بذلك إجمالي عدد النازحين إلى نحو (400) ألف شخص من عموم المدينة منذ بدء العدوان عليها منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
الأرقام المتعلقة بأعداد النازحين ليست محصورة أو مقيدّة، إذ تؤكد التقارير أنها تتصاعد على نحو مطّرد ينذر بكارثة إنسانية لم تشهدها مدينة أخرى من قبل، لاسيما وأن معاناة عائلات النازحين لذين يواجهون مخاطر حقيقية أثناء اجتيازهم خطوط المواجهات بين طرفي القتال، آخذة بالتصاعد والتعقيد، وليس في الأفق المنظور بوادر حل يخفف وطأتها، فضلاً عن سوء الأحوال الجوية في هذا الوقت من السنة الذي أسهم في زيادة معاناة النازحين وهم يصطفون طوابير ممتدة إلى ما هو أبعد من مدى النظر ولساعات طويلة، نتيجة تنفيذ القوّات الحكومية إجراءات أمنية مشددة تجاههم.
العائلات التي تنجح في الوصول إلى مخيمات النازحين في شرقي الموصل وجنوبها؛ تواجه معضلات أخرى، لأن القدرة الاستيعابية لجميع المخيمات بلغت أقصاها، ولم تعد قادرة على استقبال نازحين جدد، وهذا يعني أن قدوم نازحين آخرين يُعدّ مشكلة حقيقية، في الوقت الذي تتواصل عمليات النزوح على مدار الساعة، وسط توقعات بأن الأرقام المذكورة آنفًا مرشحة لبلوغ الضعف أو أكثر.
ومما يفاقم الأوضاع الإنسانية؛ هو وصول النازحين إلى حالة صحية سيئة؛ إذ يعاني بعضهم من أمراض مزمنة فيما يعاني آخرون مما تعرضوا له من حوادث على طريق النزوح، وذلك كلّه يأتي ظل غياب شبه كامل للحكومة الحالية التي تعد السبب المباشر للنزوح، إلى جانب صعوبة وصول المنظمات الإنسانية إلى المخيمات أو أماكن مكوث أفواج العائلات التي خرجت على غير هدى تبحث عن مأوى وملجأ.
وعن الإجراءات التعسفية والممارسات المشددة التي تنتهجها الحكومة الحالية؛ نقلت مصادر صحفية عن عدد من النازحين قولهم؛ إنهم يخضعون لتفتيش دقيق قبل التحاقهم بالمخيمات، علاوة على أن الوصول إلى المخيم يعني بالمحصلة أن الفرد النازح قابع في سجن حقيقي تحيط به الأسلاك والأسيجة من كل جانب، وكل كشيء عنده مقيد بدءًا من الحركة والحرية، وانتهاءًا بانعدام الماء والكهرباء والخدمات الصحية.
وفي هذا السياق؛ أكّدت مصادر محليّة من داخل المدينة أن المراكز الصحية في الموصل تشهد نقصًا كبيرًا في الأدوية، وأن أمراض الثلاسيميا والكلى انتشرت بشكل واضح في المدينة، مشيرة أن أدوية الأمراض المزمنة باتت في عداد العدم، وأن مستشفى الولادة لا توجد فيها مواد مخدرة لغرض إجراء عمليات الولادة.
وغير بعيد عن ذلك؛ قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن هناك ارتفاعًا مخيفًا في عدد القتلى المدنيين جرّاء معارك الجانب الغربي لمدينة الموصل، وتحدث المركز في آخر تقرير له عن عشرات القتلى يسقطون يوميًا، وسط تقارير من مصادر أخرى تقول إن عدد القتلى المدنيين الذي سقطوا خلال الأسبوع الماضي فقط في الجانب الأيمن تجاوز (700) شخص، بسبب القصف الجوي الذي تنفذه طائرات التحالف الغربي، وطيران الجيش الحكومي الذي تدعمه واشنطن.
وعلى الرغم من كل هذه المأساة؛ خرج المتحدث باسم التحالف الدولي يوم الأربعاء الماضي ليعلن للصحفيين أن الأيام القادمة سوف تشهد قتالاً شرسًا بين القوّات الحكومية ومسلحي (تنظيم الدولة) دون أن يعرّج على ذكر أي شيء يتعلق بمصير المدنيين أو المحافظة على البنى التحتية للمدينة القديمة التي تعاني من تهاوي أبنيتها بالأساس وانهيار بعضها بمجرد ارتجاج الأرض بسبب سقوط قذيفة أو صاروخ في مكان قرب منها.
الدلائل التي تشهدا الأرض؛ تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لا يفرق بين مسحل ومدني؛ إذ تأكد من مصادر غربية ومحليّة استخدام قنابل الفوسفور الأبيض ـ المحرمة دوليًا ـ في قصف المناطق السكنية في الجانب الأيمن، فضلاً عن إظهار صور الأقمار الصناعية حجم التدمير الذي طال البنايات السكنية والمنشآت الحيوية بفعل القصف الجوي وتارة والمدفعي الثقيل تارة أخرى.
ما جرى ويجري في مدينة الموصل، وبالتحديد في شقّها الغربي (الجانب الأيمن) يعد جريمة حرب مع سبق إصرار، وفقًا لما يؤكده المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب الذي تحدث تقريره الأخير عن واقع مأساوي يعيشه النازحون وذلك من منظور اتفاقية جنيف، مؤكدًا أن مشاهد الموت والتدمير والنزوح الكثيف؛ تعكس وجود نوايا مبيّتة تجاه أهالي المدينة.
الهيئة نت
ج