عن حصار قطر و«الجزيرة» واعتقال الدوريات الأكاديمية هيفاء زنكنة Jun 27, 2017
لديكم عشرة أيام لتنفيذ المطالب المذكورة والا… هذا الانذار العاجل ليس موجها من شركة كهرباء أو غاز إلى زبون تجاوز الفترة الاولى المحددة لدفع فاتورة الحساب ومدتها 4 أسابيع، عادة. انه انذار موجه من اربع دول هي المملكة العربية السعودية والامارات والبحرين ومصر، ضد دولة قطر التي كانت، حتى الأمس القريب، دولة « شقيقة» وعضو في إتحاد يضم « أشقاء».
تضمن الانذار 13 مطلبا، حاولت الدول الاربع بساستها وخبراء القانون لديها، صياغتها، بعد اسبوعين من اعلانها « مقاطعة» قطر، الدولة المارقة بمنظور الدول الاربع، وما احاط ذلك من تخبط اعلامي، بغية توضيح الأسباب للرأي العام في البلدان الخمسة والمنطقة والعالم. فجاءت المطالب لتزيد الغموض غموضا، والمحاججة هلامية رخوة مثل بطن حلزون، خاصة، فيما يتعلق بتهمة مساندة الإرهاب والمطالبة بإغلاق شبكة «الجزيرة» الإعلامية والقنوات التابعة لها، بالاضافة إلى المطالبة باغلاق عدد من الصحف والمراكز الفكرية. جاء تسلسل الاحداث غريبا. بدأ بتنفيذ المقاطعة ثم الاعلان، بعد أسبوعين، عن المطالب، أي الاسباب الداعية إلى تنفيذ المقاطعة، يماثل التسلسل أصدار حكم الاعدام على شخص وتنفيذ الحكم به، ثم توجيه انذار اليه يطالبه باعلان التوبة. هذه هي صورة المنطق اللامنطقي التي يراد من الشعوب العربية المنهكة، أساسا، جراء نزاعات الحكام وخصوماتهم وتبعيتهم، الاقتناع بها ومسايرتها.
لننظر إلى تهمة الإرهاب. الملاحظ ان حزمة المطالب ملفوفة، بأناقة، بمصطلح « الإرهاب»، باعتبار دولة قطر داعمة له، و الدول الاربع الأخرى محاربة له. وهو تقسيم كونكريتي صلب، أسسته ادارة المحافظين الجدد الامريكية، وأطلقه الرئيس الامريكي جورج بوش بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، ليتم تقسيم الدول وحكوماتها إلى معسكرين لا غير : « اما معنا او ضدنا « تحت راية «محاربة الإرهاب». هذه الايديولوجيا، المفروضة، قسرا، من الخارج على شعوب المنطقة، هضمها الحكام العرب، مثل وجبة طعام سريعة، ثم اجتروها وتجشأوها على الشعوب، سياسيا واعلاميا، باعتبارها من بنات أفكارهم وسياستهم المناوئة للتطرف.
من هذا المنطلق، تأتي تعليبة مطالب الدول الاربع، متماشية مع قالب «محاربة الإرهاب»، على الرغم من تآكله لكثرة استخدامه، تبريرا، وابتزازا، وشرعنة للقمع والقتل من قبل أشخاص ومنظمات ودول، حسب الحاجة والطلب. والويل الويل لمن لا ينضم إلى تحالفات القصف الجوي، والطائرات بلا طيار، واغتيالات العمليات الخاصة والفرق القذرة وتفجيراتها، واستخدام أسلحة اليورانيوم والفسفور الابيض، ناهيك عن القتل اليومي، المباشر، وغير المباشر، للفلسطينيين، بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، وتحالف الكيان الصهيوني، ومباركة الحكومات المحلية في العراق وسوريا واليمن ودول الخليج.
الملاحظ، ايضا، اصرار الدول الاربع على استخدام مصطلح « مقاطعة « توصيفا لاجراءاتها ضد قطر التي اعتبرتها « حصارا وعقوبات اقتصادية شديدة»، وهو اجراء أقرب إلى العقوبة الجماعية اذا ما روجعت التفاصيل. مايسترعي الانتباه هو استخدام هيئة الاذاعة البريطانية ( البي بي سي)، تعبير الحصار والعقوبات الاقتصادية في تغطيتها للحدث، مما يدفع إلى التساؤل عما يمنع الدول الاربع من ارسال انذار إلى الحكومة البريطانية للمطالبة باغلاق البي بي سي وقنواتها، كما الجزيرة، خلال عشرة ايام والا…
لا يمكنني الا عقد المقارنات البعيدة والقريبة التي تمس جرحا لم يندمل بعد عراقيا. ولأن العراق عاش اطول فترة حصار في التاريخ المعاصر، وصفه دنيس هاليداي، مندوب الامين العام للامم المتحدة بالعراق ( 1997-1998)، المستقيل احتجاجا، بانه « جريمة ابادة ضد الشعب العراقي»، ولأنني كنت من المناهضين بقوة لسياسة الحصار على الشعب مع معارضتي، في الوقت ذاته، لسياسة النظام العراقي السابق، يعيدني فرض الحصار على قطر، وترويجه، اعلاميا، وابتزاز وانزال العقاب بكل من يرفع صوته احتجاجا او معارضة، حسب قاعدة « أما مع أو ضد»، إلى كيفية تسويق امريكا حصارها الجائر ضد الشعب العراقي، بمساهمة دول عربية « شقيقة»، على مدى 13 عاما باعتباره « عقوبات اقتصادية»، حتى وهي تبرر قتل نصف مليون طفل جراء الحصار، باعتبار انه « ثمن يستحق الدفع»، بلسان وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت. كل ذلك الخراب البشري والمادي، تم بناؤه على أساس كاذب هو امتلاك العراق أسلحة دمار شامل تهدد العالم خلال 45 دقيقة! أليس هذا النموذج، الواضح، في التلفيق، والتضليل، ونتائجه الكارثية على الشعب العراقي وانعكاساته على بقية الدول العربية والعالم، درسا يدفع إلى تمحيص الخطاب الرسمي للقوى العظمى والدول المحكومة بالقطيعة مع شعوبها والتبعية لمن يزودها بالسلاح ضده، وهي سمات كافة الدول العربية بلا استثناء؟ الا تستحضر أجواء اتهام قطر بالإرهاب، اليوم، ذلك العراق الذي حكم عليه بالاعدام متهما بامتلاك اسلحة الدمار الشامل كذبا وزورا؟
تأخذنا ذات الاجواء المسربلة بالتهديد والابتزاز، إلى المطالبة باغلاق قناة الجزيرة وغيرها. فبالاضافة إلى كون حرية الرأي والتعبير من اساسيات حقوق الانسان، كيف يمكن تمحيص الخطاب الرسمي لأية دولة، وتقديم الحقائق، وتوسيع فسحة المعلومات بعيدا عن الخطاب السائد، واغناء وجهات النظر، بدون تعددية اجهزة الأعلام، ومراكز البحوث والدراسات، لتنمية الوعي النقدي ؟ الا يؤدي التخندق العقلي إلى جعل الشعوب أسيرة الخطاب الرسمي / الحزبي/ الايديولوجي، الواحد، المكرس لمسخ الآخر باعتباره عدوا يستحق التطهير؟ ترى ما الذي فكر به سياسيو الدول الاربع وهم يشترطون اغلاق قناة تلفزيونية قد لا يتفق معها الكثيرون، لكنها ضرورية ضرورة تعدد الاصوات والآراء؟ واذا كانت الانظمة العربية تعمل، عادة، على منع اجهزة الاعلام ومراكز الدراسات، بشكل شبه مستور، فأن تحويل اغلاق قناة الجزيرة والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى مطلب، علني، أساسي لرفع الحصار عن قطر، يشكل نقلة نوعية في تعامل الانظمة مع شعوبها لاسكات الاصوات المغايرة، مهما أختلفنا معها. وهل ستكون الخطوة التالية في كسر المستور الأعتراف الرسمي بالعلاقة مع الكيان الصهيوني العنصري وتحقيق أمنية مجرم الحرب نتنياهو بزيارة مكة المكرمة؟
ولأننا نعيش في عصر المفارقات المضحكة المبكية، اجدني غير قادرة على التخلص من غواية التساؤل عن مغزى الخبر التالي: صادرت السلطات المصرية، يوم الأربعاء الماضي، العدد 20 من دورية «عمران» للعلوم الاجتماعية، وهي دورية أكاديمية، صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. ترى كيف سيحمي منع الدراسات الاجتماعية، التي نحن من اضعف امم الأرض فيها، الشعب المصري والعربي، عموما، من خطر الإرهاب؟
٭ كاتبة من العراق