رخص القيادة العراقية...
رشاوى تضاعف نزيف الطرقات في بغداد
السبت, 21 تشرين1/أكتوير
اختار العشريني العراقي أحمد موسى الوقوف في طابور طويل لساعات من أجل استخراج رخصة القيادة من مديرية المرور في بغداد، بدلا من الحصول عليها، دون إجراء الخطوات الرسمية المتمثلة في بيان الفحص الطبي، واجتياز اختبار قيادة المركبات، في مقابل 300 ألف دينار عراقي أي ما يوازي 250 دولارا أميركيا يدفعها إلى وسطاء يعملون لصالح موظفي دائرة المرور، وفق ما يقول لـ"العربي الجديد"،
مضيفا أنه "يعرف أصدقاء له حصلوا على رخصة القيادة مقابل المال، غير أنه ليس بحاجة إلى تلك الطريقة التي يلجأ إليها الكثيرون، إذ تخرج من مكتب لتعليم القيادة".
وشهدت مديريات المرور العراقية إقبالا كبيرا للحصول على رخص القيادة بعد إعلان مديرية المرور العامة التابعة لوزارة الداخلية في يناير/كانون الثاني من عام 2016، عن بدء المحاسبة على إجازات السوق وفرض غرامة وحجز المركبة بالنسبة للمخالفين، بعد أن كانت مديريات المرور العراقية قد توقفت عن تسجيل السيارات ومنح رخص القيادة بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003، غير أنها عادت في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2010 إلى منح رخص القيادة، دون التدقيق عليها، بحسب إفادة، مدير مكتب طريق الأمان لتعليم القيادة الخاصة عمار محمد.
وتمنح إجازة السوق لمن أكمل 18عاما، "بشرط أن تؤيد لجنة طبية متخصصة تعينها وزارة الصحة لياقته الصحية، وأن يجتاز الاختبار الفني في قيادة المركبة وقوانين المرور وفق نوع الإجازة التي يروم الحصول عليها، شريطة ألا يكون قد صدر حكم قضائي بمنعه من قيادة المركبة وفقا للقسم (3) من قانون المرور العراقي رقم 86 لسنة 2004، على أن يدفع طالب الإجازة عشرة آلاف دينار عراقي كرسوم، وفقا للمادة 19من الملحق (أ) التابع للقانون ذاته".
وسطاء الرشوة
يعمل وسطاء في إنجاز رخص القيادة للراغبين في عدم المرور بالإجراءات القانونية في مقابل المال، من بينهم العشريني ضياء عباس والذي طلب عدم الكشف عن هويته الحقيقية وتعريفه بهذا الاسم حتى لا يتضرر من يعملون معه كما يقول، موضحا أنه "يعمل وسيطا بين أشخاص ينوون حيازة رخصة السياقة عن طريق دفعهم مبالغ تتراوح بين 250 ألف دينار عراقي (212 دولارا أميركيا) و300 ألف دينار، يحصل عليها ضباط وموظفون يعملون في دوائر المرور العراقية، يناله منها مبلغ يتراوح بين 120 ألف دينار (102 دولار) و150 ألف دينار (127 دولارا)، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه يعتمد على أصدقائه ومعارفه لجلب الراغبين في الحصول على رخصة القيادة في مقابل المال.
ويعاني العراق من فساد إداري ومالي كبيرين، بحسب مؤشر مدركات الفساد "CPI" الأخير الصادر في يناير/كانون الثاني الماضي عن منظمة الشفافية الدولية التي تتخذ من برلين مقراً لها، والذي صنف العراق في المرتبة 166 من بين 176 دولة تناولها التقرير بسبب تفشي الفساد في مؤسساته الحكومية، وهو ما يطابق دراسة "الفساد والنزاهة في القطاع العام العراقي"، التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مارس/آذار من العام الماضي وأنجزتها لجنة النزاهة العراقية، بدعم من الجهاز المركزي للإحصاء، إذ كشفت الدراسة أن 60% من موظفي الخدمة المدنية في العراق يتعاطون الرشوة، وتصل نسبة الفساد في بغداد إلى 29% وهو ما يزيد بمقدار الضعف عن بقية المحافظات الأخرى، ولفتت إلى أن قطاعات الشرطة المختلفة وموظفي العقارات من أكثر الجهات التي تنتشر فيها الرشاوى، الأمر الذي يتفق مع بيان هيئة النزاهة العراقية الصادر في فبراير/شباط 2015، والذي كشف أن مواقع المرور المختصة بإصدار إجازات السوق احتلت صدارة دوائر بغداد التي شاب إجراءاتها شبهات بتعاطي الرشوة، إذ حصل موقع مرور الزعفرانية على مؤشر 40.94 خلال ديسمبر/كانون الاول 2014، في حين كان موقع مرور الغزالية الأعلى في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام بنسبة 44.14 في المائة بنسب تعاطي الرشوة.
66 ألف حادث مروري في 10 أعوام
تسببت رشاوى استخرج رخصة القيادة في فوضى مرورية أدت إلى ارتفاع عدد حوادث السير خلال الـ 14عاما الماضية في المدن العراقية، بحسب ضابط المرور العراقي الرائد حسين الربيعي، الذي يرى أن توقف العمل بقانون حيازة رخصة القيادة ضاعف من هذه الحوادث، إذ وقع 66 ألف حادث مروري، متسببا بوفاة 22952 وإصابة 79545 شخصا في العشر السنوات الماضية، بمعدل وفاة وإصابة 28 شخصا يوميا وفقا لإحصائية موثقة صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط نهاية عام 2015، وهو ما يؤكده الرائد في مديرية المرور العامة أحمد العبيدي، مشيرا إلى أن الحوادث المرورية شهدت ارتفاعاً بعد عام 2003، والسبب كما يقول "يرجع إلى توقف شرطة المرور عن محاسبة السائقين الذين لا يحملون رخص السياقة والعديد منهم في مراحل عمرية صغيرة"، الأمر الذي تسبب بحوادث مروعة، ناهيك عن أسباب أخرى للحوادث المرورية أهمها عدم الالتزام بالإرشادات المرورية، والسرعة الزائدة، وإهمال صيانة السيارة، وتكاثر التحوطات الأمنية التي أدت إلى قطع الكثير من الطرق بحسب الربيعي، مضيفا أن أسبابا أخرى تؤدي إلى حوادث مرورية ليست لها علاقة بالسيارة، أو سائقها، ومنها تقصير البلدية بالعناية بالطرقات المحفّرة التي تتسبب بالحوادث، إلى جانب حوادث مماثلة تتسبب بها الأحوال الجوية.
ويتفق مدير مكتب طريق الأمان لتعليم القيادة مع الرأي السابق، مؤكدا أن من يلجؤون إلى دفع المال مقابل الحصول على رخصة على يقين بأنهم لن ينجحوا في اختبارات الحصول على رخص القيادة، لعدم إتقانها، وهو ما يؤكده ضباط مديرية المرور العامة في بغداد إذ إن اختبار القيادة ليس من السهل اجتيازه، إلا لمن يملك مهارتها ويدرك تعليماتها وإرشادات المرور.
مخالفة القانون
ينص قانون المرور العراقي رقم 86 لسنة 2004 المعدل في القسم 21 منه على أن السائق غير الحائز على إجازة سوق "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ستة أشهر كل من قاد مركبة بدون إجازة سوق". ويحال إلى القضاء من يقود السيارة دون امتلاكه رخصة قيادة سيارة بحسب المحامي علي حسين، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن العقوبة تتراوح بين شهر وستة أشهر سجنا للمخالفين، وقد تصل إلى أكثر من ذلك في حال ارتكب مخالفات أخرى، أو ارتكب حادثاً ما".
وحدد قانون المرور رقم 86 لسنة 2004 معدل المخالفات والحوادث المرورية وعقوباتها، التي تشمل الحبس لمدد مختلفة بحسب نوع الحادث الذي قد يرافقه جرم، مثل مقتل، أو إصابة أشخاص، ومثل هذه الحوادث تقع باستمرار، وكثيراً ما يكون مرتكبو هذه الحوادث شبابا لا يملكون رخص سياقة، كما يقول حسين منتقدا التساهل مع سائقي السيارات غير المتقنين للقيادة، مؤكدا ضرورة تطبيق قانون العقوبات بحزم على الراشين والمرتشين لمنع الظاهرة.
ضحايا الفساد في رخص القيادة
التساهل مع سائقي السيارات خلال السنوات الماضية وعدم محاسبة من لا يملك رخصة قيادة أباح الشوارع في العراق لآلاف السائقين الجدد من الشباب الذين بلغوا السن القانونية التي تسمح لهم بقيادة السيارات، من دون أن يجتازوا اختبارات القيادة الرسمية، الأمر الذي تسبب في ارتفاع حوادث السير، بحسب الضابط الربيعي الذي يؤكد أن الأحداث الأمنية المتلاحقة التي فرضت وجودها على البلد أوقفت بعض القوانين، ومن بينها حيازة رخصة السياقة، قبل أن يتابع "حيازة الشخص لرخصة السياقة تعني أن هذا السائق مؤهل كونه أجرى اختباره في كيفية التعامل مع المركبات في الشارع والطرق والمشاة والالتزام بالإرشادات المرورية، وهذا ما يفتقده عشرات الآلاف من سائقي السيارات حالياً" كما يقول، وهو ما يؤكده عمار محمد، مشيرا إلى أن المتخرج من دورات المكاتب المختصة بتعليم السياقة ينال شهادة اجتياز الدورة، وهذا يعني أنه مؤهل لاجتياز الاختبارات العملية والنظرية، لكن نجل الأربعينية نوال جابر وقع ضحية لحادث سير، نتيجة لحداثة تعلم السائق للقيادة، دون امتلاك رخصة السياقة حسبما تقول، مضيفة لـ"العربي الجديد" أن من دهس ولدها شاب في العشرين من العمر كان يسير مسرعاً بسيارته أثناء مروره من شارع فرعي، فيما كان ولدي يسير إلى أحد جانبي الشارع الذي يقع في حي سكني، وتتابع نوال: "ابني كان على أبواب الزواج بالفتاة التي أحبها، لكن القدر كان أسرع من أن أراه عريساً".
***
العربي الجديد/بغداد - كرم السعدي
Like