في تذكر ياسر عرفات
رأي القدس
Nov 13, 2017
في مناسبة ذكرى وفاة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات (11 تشرين الثاني/نوفمبر 2004) تداول ناشطو وسائط التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية الكثير من الذكريات والعواطف والوقائع والتحليلات حول شخصية قائد الحركة الوطنية الفلسطينية الراحل، كما شهدت غزة، للمرة الأولى منذ عشر سنوات، احتفالا كبيراً بالمناسبة حضره الآلاف.
اختلاف الاتجاهات السياسية للمعلّقين لم يمنع من وجود ما يشبه الإجماع والاتفاق على الأثر الهائل للرجل في التاريخ الحديث، وعلى دوره الخطير في المآلات التي آلت إليها القضية الفلسطينية.
ولعلّ أكبر مصادر الإجماع الفلسطيني على عرفات كامن في عناصر ولادته ونشوئه: الوالد الغزّاوي، والأم من أصول مقدسية، والولادة في القاهرة (وبعد ذلك العلاقات الخاصة مع أغلب العواصم العربية)، والاسم الذي مرّ بمرحلة طويلة للتشكل مروراً بكونه محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، إلى ياسر عرفات /أبو عمار، حيث يحضر تراث الصبر الإسلامي على المشاقّ والمهالك (عمار بن ياسر)، وتكمن، أيضاً، البساطة والعمومية اللتان سحرتا الشعب الفلسطيني.
صعدت أسطورة عرفات مع لحظة تاريخية هائلة عرفها العالم العربي بعد هزيمة حزيران 1967 والتي شهدت نزوعاً عربياً هائلاً للنهوض كانت معركة بلدة الكرامة عام 1968 التي صمد فيها الفلسطينيون والأردنيون أمام جيش الإحتلال الصهيوني أشبه بالصاعقة التي أيقظت الفلسطينيين والعرب إلى خيار المقاومة فاندفع آلاف المتطوعين العرب للانضمام لفتح والفصائل الفلسطينية وأصبح عرفات بعدها بسنة قائداً لمنظمة التحرير الفلسطينية.
تلقّت حركة المقاومة الناهضة ضربة كبيرة مع الاصطدام مع الجيش الأردني عام 1970 وانتقل عرفات، وفصائل المقاومة، بعدها إلى لبنان، عبر تسوية رعاها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر في قمة عربية طارئة في العام نفسه توفّي بعدها بيوم واحد (وقيل، كما عرفات بعده، أنه مات مسموما)، حيث بدأت مرحلة أبو عمار اللبنانية الطويلة والغنيّة التي انتهت عام 1982، مع اجتياح إسرائيل للبنان، ثم مع محاصرة النظام السوري لعرفات في طرابلس عام 1983 التي أبحر منها إلى اليمن ثم تونس.
ارتبط اسم عرفات، بعد ذلك، باتفاقيات أوسلو التي أعلنت عام 1993، والتي أعادته رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية بانتخابات شعبية، وجاءت بعدها الانتفاضة الثانية، والخلافات مع حركة «حماس»، وصولاً إلى حصاره في مقرّه برام الله والتي تناظرت مع حملة إسرائيلية وأمريكية لإقصائه، وصولاً إلى حادثة وفاته (أو اغتياله) الشهيرة، والتي سبقتها عشرات المحاولات السابقة، وكذلك الحوادث، التي نجا منها بأشكال عجيبة، كما حصل في حادثة تحطم طائرته في الصحراء الليبية عام 1992.
«الظل العالي» (على حد تعبير محمود درويش) لعرفات في فلسطين لا يمنع، بل يستوجب، الخروج من رحاب الأسطورة إلى برهة التحليل والنقد، ويدخل في ذلك، ربطه القضية الفلسطينية بشخصه، وإمساكه بكل خيوط السلطة السياسية والمالية والإدارية، رغم أنه، أثناء مرحلة بيروت وما بعدها، أصبح زعيما للشعب الفلسطيني لا يمكن منافسته، ويعتبر، لهذا السبب، مسؤولاً عن هشاشة المأسسة الديمقراطية، كما يعدّ، إلى حدّ كبير، مسؤولاً عن قرارات تركت أثراً هائلاً على مستقبل الفلسطينيين، منها الوقوف مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين خلال أزمة الخليج الشهيرة، وعن السرّية التي طبعت مفاوضات أوسلو، وكذلك عن طرق إدارة الثروة الفلسطينية.
من جهة أخرى، يمكن اعتبار أبو عمار، خلال المرحلة التي مثّلها أكثر الزعماء العرب قرباً من شعبه، والأكثر انسجاما مع ثقافته ورغباته وأحلامه، وإذا كان بعض الزعماء القلائل جدا قد نافسوه على شعبيته الكبيرة عربيّاً فإن عرفات، بالمقارنة، لم يحصل على زعامته بانقلاب أو بوراثة بل بقيادة طبيعية لنضال شعبه بحيث صار زعيمه التاريخي، وصار مسدّسه وكوفيّته وعباءته العسكرية ومكتبه الصغير المتواضع في رام الله، رموزاً تشير للفلسطينيين إلى الطريق… وترعب الإسرائيليين.