رجال شجعان سيذكرهم التاريخ بشرف
ت هشام الهاشمي
[size=32]رجال شجعان سيذكرهم التاريخ بشرف:[/size]
كثيرة هي مواقف الرجال الشجعان ، سواء في وطننا العربي أو غيره ! ولكني سأكتفي في هذه المقالة بسرد ما يلي من حقب التاريخ لكي نطلع عليها ونستفيد منها ، وبالأخص ما يتعلق بقضية فلسطين على وجه الخصوص.
جلس ملك السعودية فيصل بن عبد العزيز والرئيس الفرنسي شارل ديغول يتحاوران.
قال ديغول بلهجة متعالية : يقول الناس يا جلالة الملك أنكم تريدون أن تقذفوا بإسرائيل في البحر . إن إسرائيل هذه أصبحت أمرا واقعا ولا يقبل أحداً بهذا الكلام!!
أجاب الملك فيصل : يا فخامة الرئيس أنا أستغرب كلامك هذا !!..إن هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمرا واقعا وكل فرنسا استسلمت إلا أنت انسحبت مع الجيش الانجليزي .. وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلبت عليه ..فلا أنت رضخت للأمر الواقع ولا شعبك رضخ .. فأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بالأمر الواقع!! والويل يا فخامة الرئيس للضعيف إذا احتله القوي .. فالاحتلال إذا أصبح واقعا فقد أصبح مشروعا؟!!
دهش الجنرال ديغول من سرعة بديهة الملك فيصل ورده المنطقي، فغيّر لهجته وقال : يا جلالة الملك يقول اليهود إن فلسطين وطنهم الأصلي وجدهم الأعلى إسرائيل ولد هناك !!
أجاب الملك فيصل: فخامة الرئيس أنا معجب بك لأنك متدين ومؤمن بدينك ..وأنت بلا شك تقرأ الكتاب المقدس ..أما قرأت أن اليهود جاءوا من مصر ؟!!غزاة فاتحين..حرقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال ...فكيف تقول أن فلسطين بلدهم وهي للكنعانيين العرب ، واليهود مستعمرون ..وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة ..؟؟!! فلماذا لا تعيد روما استعمار فرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة فقط ؟!!! أتُصلح خريطة العالم من أجل اليهود ولا تُصلحها من أجل روما؟ ونحن العرب أمضينا مائتي سنة في جنوب فرنسا في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنة ثم نفوا بعدها!!!
قال ديغول : ولكنهم يقولون أن أباهم ولد فيها !!
أجاب الملك فيصل :غريب !!! عندك الآن مئة وخمسون سفارة في باريس وأكثر السفراء يلد لهم أطفال في باريس .. فلو صار هؤلاء الأطفال رؤساء دول وجاءوا يطالبونك بحق الولادة في باريس !! فمسكينة باريس !! لا أدري لمن ستكون !!!؟؟
صمت ديغول وضرب الجرس مستدعيا (بومبيدو) وكان جالسا مع الأمير سلطان بن عبد العزيز ورشاد فرعون في الخارج وقال ديغول : الآن فهمت القضية الفلسطينية ..أوقفوا السلاح المصدر لإسرائيل .. وكانت حينذاك اسرائيل تحارب بأسلحة فرنسية وليست أمريكية..
ويقول الدواليبي: واستقبلنا الملك فيصل في الظهران عند رجوعه من هذه المقابلة ..وفي صباح اليوم التالي ونحن في الظهران أستدعى الملك فيصل رئيس شركة التابلاين الأمريكية وكنت حاضرا (الكلام للدواليبي) وقال له : إن أي نقطة بترول تذهب لإسرائيل ستجعلني أقطع البترول عنكم !! ولما علم بعد ذلك أن أمريكا أرسلت مساعدة لإسرائيل قطع البترول عنها وقامت المظاهرات في أمريكا ووقف الناس في طوابير أمام محطات البترول وهتف المتظاهرون : نريد البترول ولا نريد إسرائيل !!( من مذكرات معروف الدواليبي).
من ضمن ما قرأه وتعلم منه الرئيس العراقي صدام حسين في التاريخ هي القصة أعلاه. فمهما قيل ويقال عن صدام حسين، لكنه رجل قرأ التاريخ العربي وتعلم منه الكثير. فقد كان رجلاً لم يتهاون ولم يتنازل في أمر يخص القضية الفلسطينية.
نستذكر موقفاً للرئيس العراقي الراحل صدام حسين والملك السعودي الراحل خالد بن عبدالعزيز عام 1981 بعد إعلان أمريكا نيتها نقل سفارتها لدى الكيان الصهيوني إلى القدس، ونية عدد من الدول الغربية القيام بنفس الخطوة وحينها كان العراق مشغولا في مواجهة المد الإيراني، مدافعاً عن البوابة الشرقية، وكانت هناك معارك شرسة وملحمية في شرق البصرة !
طار صدام حسين "يرحمه الله" الى الرياض، وفي المطار إستقبله الملك خالد بن عبد العزيز "يرحمه الله"، وطلب الملك إصطحابه إلى القصر الملكي كما هو معتاد في استقبال ضيوف المملكه، لكن صدام إعتذر بسبب الوضع الحرج في جبهة القتال على تخوم البصرة، وفي صالة تشريفات المطار تناول فنجان قهوة وكأس من الماء ومرر أمامه البخور المكي المعطر، ثم طلب صدام حسين ورقة وقلم، وكتب بخط يده الآتي:
إجتمع ملك المملكة العربية السعودية ورئيس الجمهورية العراقية وتباحثا في موضوع نية بعض الدول نقل سفاراتها إلى القدس وقرر البلدين ما يأتي:
١. قطع العلاقات الدبلوماسية فوراً مع أي دولة تنقل سفارتها إلى القدس.
٢. إيقاف إمدادات النفط فوراًوإلغاء كل العقود المبرمة، وطرد كل رعايا تلك الدول العاملين في المجال النفطي بكلا البلدين.
٣. تجميد كل العقود الإقتصادية مع تلك الدول.
٤. سحب كل الأموال السعودية والعراقية المودعة في بنوك تلك الدول.
سأل الملك خالد الرئيس صدام حسين: هل سيتم بث البيان من بغداد أم الرياض؟
فأجاب صدام، من الرياض وبالتلفزيون الرسمي ووكالة الأنباء السعودية.
ونهض الرئيس العراقي وسلم على الملك خالد الذي ودعه إلى سلم الطائرة بحرارة، وفور إذاعة البيان أذعنت جميع الدول للقرار الذي كان صدمة لها وتراجعت عن التفكير فيه لغاية اليوم.
ونفذ القرار حال إذاعته، فتم حجز بواخر محملة بالنفط في الموانئ وفي عرض البحار كانت متوجهه إلى دول أوربية.
ومما يذكر وللتاريخ أيضاً ، فإن وفد الكونغرس الأمريكي برئاسة السيناتور روبرت دول عندما زار العراق وألتقى بالرئيس صدام حسين في الموصل عام 1990 وطلبوا منه التنازل عن إمتلاك العراق للأسلحة الكيمياوية والنووية والبيولوجية لأنها تشكل تهديداً لإسرائيل .... قال صدام حسين : نحن نريد السلام ولكن أن لا يكون السلام خضوع العرب أو إذلالهم أو إنتزاع أراضيهم وحقوقهم ، بل السلام الذي يضع الكل على مستوى إنساني واحد. أنتم الذين تعطون لإسرائيل صواريخ تهدد بها أمننا ، وليس العكس. وانهى صدام حسين لقائه مع أعضاء الوفد الأمريكي بعد أن أسمعهم ما لا يسرهم من حيث النظرة إلى إسرائيل المغتصبة لحق العرب .
كذلك ، فعندما تعرض العراق للعدوان العسكري الأمريكي عام 1991 ، لم يتهاون صدام حسين في قصف اسرائيل بـ 39 صاروخا، وفي حينه قال : "أتحدى كل الحكام العرب أن يكملوا قصف اسرائيل بالصاروخ الأربعين".
هذه هي المواقف التي يسجلها التاريخ لهؤلاء الزعماء الذين إنتصروا للقدس.. فيا ترى من الآن سينتصر لبيت المقدس، أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين؟
الان.. تتقلب مواقف الدول العربية والإسلامية رداً على قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالإعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بين التنديد والتحذير والدعوة إلى قمم واجتماعات طارئة ومواقف مُعتادة لا تُغني ولا تُسمن من جوع.
[size=32]وبهذا أنهي مقالتي هذه ، بإقتباس مطلع قصيدة الشاعر الكبير احمد مطر:[/size]
سوف لن ننسى لكم هذا الجميلا
ارفعوا أقلامكم عنا قليلا
واملئوا أفواهكم صمتا طويلا
لا تجيبوا دعوة القدس ولو بالهمس
كي لا تسلبوا أطفالها الموت النبيلا
دونكم هذي الفضائيات
فاستوفوا بها (( غادر أو عاد ))
وبوسوا بعضكم ..
وارتشفوا قالا وقيلا
ثم عودوا .. واتركوا القدس لمولاها
فما اعظم بلواها
إذا فرت من الباغي
لكي تلقى الوكيلا !
أخوكم المحب / هشام الهاشمي