التاريخ يعيد نفسه من ياسين الهاشمي الى طارق عزيز
[size=32]التاريخ يعيد نفسه من ياسين الهاشمي الى طارق عزيز[/size]
بقلم صفوت العزاوي
مات طارق عزيز، الأنسان المثابر و الرجل البار والدبلوماسي الحاذق بعد صراع مرير مع زنازين أعادئه وشرور غرمائه استمر أثني عشر عاما دون أن تتحرك ضمائرهم وتستنهض أنسانيتهم تجاه رجل مسن خدم العراق بكل جوارحه وأبدع في صنعه وأفنى عمره من أجله.
ظلّ طارق عزيز عفّ اللسان لآخر يوم من حياته حتى هصر الموت غصنه هصراً في معتقله بسجن الناصرية بعيداً عن عائلته المغتربة في الأردن وأهله الآفلين في العراق وبيته المغتصب على دجلة الخالد في عاصمة الرشيد بغداد، لكنه لم يمت في قلوب الرجال الأحرار والشرفاء الغيارى والعراقييون الأصلاء والعرب القوميين وكل الشعوب السامية.
مات طارق عزيز الرجل الذي وقف وقفة شموخ وكبرياء بوجه الفرس الأشرار في الحرب وبيكر اللعين في جنيف والخونة المتأمرين في الداخل والقاضي القبيح في المحكمة والمناضل تجاه فلسطين ولم تُفزعه قنابل الخسة في المستنصرية، فاخمد بسيكاره المخمّر هؤلاء الأراذل وناوئهم بعقله النيّر.
إذا أرتقى مِنبراً يُملي بديهتهُ أتى من الكلمِ الباقي بمختارِ
المغفور له كان قد أوصى عائلته بدفنه في الأردن تورعاً من نبش قبره على يد أوباش هذا الزمن كما حل بقبر زعيمه ورفيق دربه المرحوم صدام حسين، على أن يعاد رفاته الى بلده ليدفن هناك عند تحريره.
وصيةٌ ويا لها من وصية، جثمان "عزيز" بعيداً عن تربة العراق! متى كانت الجثث تُخيف ومتى كان الأنسان بعيداً عن وطنه.
السفير العراقي في عمان يصرح بأن رئيس وزراءه وافق على نقل جثمان نائب رئيس الوزراء طارق عزيز الى عمان لدفنه هناك وهذه الموافقة مشروطة بتعهد عائلته بعدم إقامة مراسم جنائزية له على أن يتم نقله من المطار الى المقبرة فوراً ورفض أي تجمعات لأنصار حزب البعث العربي الأشتراكي في مراسم الدفن...!
هذا الشرط العاسف من أضنى رئيس وزراء في تاريخ العراق الحديث يذكرنا بفجيعة مشابه وقعت قبل أكثر من سبعة عقود [size=32]لرئيس وزراء العراق، العروبي الشامخ ياسين باشا الهاشمي والملقب بالرجل ذو الدماغين، عندما قضى أنقلاب عسكرى بوزارته عام 1935 وغادر مرغما الى بيروت دون مجابهتهم، حقناً للدماء، ولما توفي بعد ثلاثة أشهر رفضت الحكومة الأنقلابية دفنه بمراسيم تليق بهذا العظيم ومنع أخيه طه الهاشمي من مرافقه جثمانه الى بغداد فكانت الجماهير العربية في سورية ولبنان والمسؤولين فيها حريصة على تكريم الرجل الذي جاءها مبعداً من الدولة التي أنشأها في موكب مهيب من بيروت الى دمشق وكان عدد المشييعين لا يدخل في نطاق الحصر ليوارى الثرى عند قبر صلاح الدين الأيوبي ..[/size]
تحت مآذن الجامع الأموي و حرصت الجماهير على ان تبدي كل ما تملك من شعور وأخلاص للعروبة عندما هزها نبأ وفاة ضيفها العظيم وودعت جثمانه الكريم أروع وداع ونقش على لوح قبره: "هنا يرقد زعيم العراق والعروبة ياسين باشا الهاشمي" وكان يوم حداد وطني عام في سورية... وأمام نعش الفقيد ألقى رئيس وزراء سورية كلمه مؤثرة ختمها بعبارة "[size=32] نم في مستقرّك كما ينام البطل الشجاع الذي عقد النصر بلوائه وضفر المجد له".[/size]
فهل سنستقبل عمان وجماهيرها العزيزة جثمان "عزيز" بنفس اللوعة والأسى الذي استقبلت دمشق سلفه الهاشمي.طارق عزيز الذي اكتسب محبة القلوب وفرض على كل عربي احترامه وتقديسه لاعماله المخلصة وكفاءته النادرة وكريم فعاله الخافية والظاهرة تجاه بلده العراق وقضاياه، والأمة العربية ومصيرها.
[size=32]الزامٌ يا أبا زياد ستستوي في مرقدك الاخير بين الخالدين والشهداء المقربين في اعلى عليين، تحمل آمال امة مفجوعة واماني شعب مرزوء. سيذكره العراقيين والعرب كلما تلفّتوا بقلوبهم وعيونهم الى ماضي هذا الرجل وهم على ضفاف دجلة الأزلي. سترثيه قلوب الذين عرفوا عربيته الصميمة وهي تجفل بالمستقبل اذا ما ظل حال البلاد العربية كما هو الأن، فكما كانت دمشق الأموية وصلاح الدين الأيوبي في قبره أرحبُ صدراً من القلوب الحاكمة في بغداد العباسية فعانق ياسين وضمه اليه وقبّله بعد الف سنة فأن مملكة عمون والهاشميون ستضم طارق في ثراها وأن رفضتك الأرض ستضمك الصدور في قلوبها.[/size]
[size=32]ايها الجندي الشجاع والرفيق المغامر، لقد تعبت من الجهاد فاسترح وشبعت من الظفر فاهدأ [/size][size=32]ومرحى لسورية العروبة... وعزّةٌ للهاشمييون في الأردن[/size]
وصدق الشاعر حين قال:
لئن حُرمت ثرى بغداد تنزِلُهُ وما كمثل ثراها طيبُ أبشارِ
لقد نزلت ثرى أهلٍ ذوي رحمٍ كرفرفِ الُخلدِ لم يُدنس بأوضارِ