تحت مطرقة الانتقام وسندان الحقد شعبنا سينتخب
د. مثنى عبدالله
Mar 13, 2018
من يراقب كل الانتخابات التي تجري في أرجاء المعمورة، يجد قاسمها المشترك الأعظم هو التبشير برحيل سلبيات مرحلة، وقدوم مرحلة أخرى تترفع عن كل ما حدث قبلها، وتتجاوز كل الأخطاء والخطايا، إلا في العراق فإن كل شيء فيه يأتي دائما خارجا عن المألوف، إلى الحد الدي سُمي الاحتلال تحريرا، والإقصاء والتهميش عدالة، والطائفية ديمقراطية.
كل راصد ومراقب للمشهد يجد أن كل الانتخابات التي حصلت منذ عام 2005 وحتى اليوم تسير على المنهج نفسه، بل عجزت كل الأطراف التي ادعت وبررت مشاركتها في العملية السياسية بدافع التغيير من داخل النظام السياسي وليس من خارجه، عن إحداث أي تغيير أو تصويب، أو حتى جزء يسير من التقويم في هذه المسيرة العرجاء. وها نحن اليوم، وفي ظل التبشير بانتخابات جديدة، وبعد خمسة عشر عاما مما يسمونه التغيير في العراق، تعود السلطات مرة أخرى إلى المتاجرة بقضية أفراد النظام السابق وممتلكاتهم، ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لهم ولزوجاتهم وأبنائهم وآبائهم.
حسب القوائم الصادرة في الأسبوع الماضي، التي تضم أكثر من أربعة آلاف شخص كان قد شملهم القانون رقم 72 الذي أصدره مجلس النواب العراقي، وعلى الرغم من دخول القانون المذكور حيز التنفيد في 18 سبتمبر 2017، لكن السلطات المختصة أبت إلا أن يكون صدور القوائم قبل أسابيع قليلة من الانتخابات. ولقد تكررت هذه الأفعال على مدى السنوات الماضية، وكانت جميع الفترات التي تسبق الانتخابات التشريعية حافلة بطرح العديد من الملفات الشائكة والمستعصية والإشكالية، التي غالبا ما تثير الرأي العام، وتدغدغ مشاعر فئة على حساب أخرى، أو لصالح طائفة ضد أختها. إن شهوة الثأر والانتقام التي ما زالت جمراتها متوقدة في نفوس السلطة الحاكمة، جعلت ما صدر في الاسبوع الماضي حافلا بالعشوائية والتخبط، فلقد نسي من أعدوا القوائم، الأخذ بنظر الاعتبار أي معطيات جديدة طرأت على البعض ممن وردت أسماؤهم. فهنالك من بين المشمولين بمصادرة أموالهم من انخرطوا وبفاعلية كبيرة في النظام الحالي وأجهزته الأمنية والعسكرية، وقاتلوا وقتلوا في المعارك التي كانت تدور ضد تنظيم «الدولة»، وأن منهم من منحته السلطات نفسها صفة شهيد. كما هنالك آخرون كانوا قد تعاونوا مع الاحتلال منذ الأشهر الأولى وعرضوا خدماتهم عليه، وما يمتلكون من قواعد معلومات كانت تحت أيديهم بحكم عملهم السابق في أجهزة الدولة. وإكراما لهم قام الاحتلال بالاعتماد عليهم في تشكيل أجهزة أمنية وعسكرية، بعد أن حل ما كان موجودا منها في السابق.
وإلى جانب هذه المآخذ يبقى التساؤل الكبير يدور حول ماهية الغاية والقصد من صدور هده القوائم قبل فترة وجيزة من الانتخابات؟ فعلى الرغم من أن المنطق يقول، بأن الدول عندما تهزم أعداءها تتولد لديها الرغبة في العفو وطي صفحات الماضي، والإقبال على المستقبل بروح جديدة، وإشاعة مزيد من الاستقرار والسلم المجتمعي. ويتعزز هدا المنطق ويظهر بصورة أكبر وبهمة عالية حينما يتزامن ذلك مع تهيؤ القوى السياسية لخوض انتخابات. لكننا نجد العكس هو ما يحدث في العراق، فبعد إعادة السيطرة على المحافظات التي سلبها تنظيم «الدولة»، لم نجد أي خطاب تصالحي يعيد اللحمة والوئام المجتمعي، بل إن روح الانتقام والثأر ما زالت هي شعارات الحملة الانتخابية الحالية. والسبب في ذلك هو أن العملية الانتخابية في نظر السلطة الحاكمة وأحزابها وتياراتها، ما هي إلا حلبة صراع، وعرض أوراق ضغط، ومزاد علني للملفات. وفي ظل غياب البرامج السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعندما يصبح المواطن رقما مجهولا في العملية الانتخابية، يصبح التكالب على صنع الاستفزاز والاستفزاز المضاد مقدسا، من أجل ضمان المنصب المراد عند تشكيل الحكومة، فإذا كان تبريرهم للقرار المذكور إنصافا للمضطهدين من النظام السابق، كما يقولون، فما الذي حصل عليه هؤلاء من النظام الجديد؟ ألم يتكرر ظهورهم على الفضائيات كل يوم شاكين من إهمال الجميع لهم ونكرانهم؟ وإذا كانت حجتهم أن الأملاك المصادرة استولى عليها السابقون من أموال الدولة، فلماذا إذن استولى عليها أعوان الحكم الحالي، واتخذوها سكنا لهم، ومقرات أحزاب وميليشيات، ومكاتب وهمية منذ عام 2003 وحتى اليوم؟ بل إن البعض منهم قام باستغلال سطوته على الآخرين لتزوير عائدية تلك العقارات، وإعادة تسجيلها باسم ابنائهم وأنسابهم وذويهم؟ كما قد يكون التبرير، كما سمعنا، بأن قيمة الأموال المصادرة تبلغ حوالي ثلاثة مليارات دولار، وأن هذا المبلغ رصيد جيد للميزانية الحالية الخاوية. إذن أليس من الأجدر أيضا أن يصدر قرار آخر يعيد مبلغ 600 مليار دولار، التي سرقت من خزينة الدولة في عهد رئيس الوزراء السابق، حسب تقرير البنك الدولي. وقرار ثان يعيد أكثر من 300 مليار دولار، قالت اللجنة المالية في البرلمان إن العراق خسرها بسبب عمليات غسيل الأموال والفساد.
إن كل ما صدر من قوانين وقرارات في ظل الحكم الحالي لمعالجة الفترة السابقة، كانت مجردة من أي سب،ب منطقي للتشريع، وليست وفق قواعد قانونية صحيحة، كما غفلت تماما الجوانب الاخلاقية والقيمية التي يجب ان تُراعى في مثل حالات كهذه. فالقرارات التي تعالج حالات سياسية شائكة يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار عدم تقديم الجانب المادي على المعنوي. وتقليل الخسائر في الجوانب المعنوية قدر الإمكان. فما فائدة مصادرة بيت له قيمة مادية معينة، لكن الدولة تخسر مقابله مواطنين عراقيين وتجبرهم على أن يكونوا أعداء لها؟
إن الدول لا يمكن أن تُبنى بسياسة الانتقام والنبش بالماضي وإثارة الاحقاد، وبمنطق الغالب الذي يجب أن يبقى يستنزف حقوق الاخرين، ومنطق المهزوم الذي يجب أن يبقى منصة تُطبق عليها كل الأحكام الظالمة والمجحفة بحق إنسانيته. هذه الافعال ستؤدي الى جعل النسيج الاجتماعي مُهلهلا ضعيفا يعاني من حالة تأزم مستديم. فإذا كانت عدالة الدولة هي الإقصاء والتهميش وملاحقة الآخرين في رزقهم وأموالهم ومساكنهم، فإن عدالة المضطهدين ستكون بالمقدار نفسه وبعكس الاتجاه. عندها ستكون الدولة هي من تصنع معارضيها، وهي من تضع العصي في عجلة سيرها. وهذه كلها تصرفات لا تمت بصلة للسلوك السياسي الواجب أن تتحلى به الدولة تجاه مواطنيها. ولقد سمعنا الكثير من الكلام عن المصالحة الوطنية، وعن ضرورة إحالة هذا الملف الى القضاء كي يقول كلمته فيه. لكن السلطات وفي كل مرة تؤكد لنا بسلوكها السياسي عدم وجود إرادة صلبة لها في هذا الموضوع، كونها تنظر إلى مؤيديها فقط على أنهم مواطنوها، على الرغم من أن السوء الحالي في العراق بات لا يُميز بين المؤيد والموالي. فالجميع مواطنون من الدرجة الثانية إلا الاحزاب والميليشيات فهم النخبة، ووحدهم فقط من يقرر مصير الآخرين .
باحث سياسي عراقي
تحت مطرقة الانتقام وسندان الحقد شعبنا سينتخب
د. مثنى عبدالله
- Share on Facebook
- Click to share on Twitter
- Click to share on Google+
- Click to email this to a friend