اعة " صوت الجماهير" في ذاكرة لا زالت حية !
زيد الحلي
إذاعة " صوت الجماهير" في ذاكرة لا زالت حية !
مرت اليوم ( 1/ 5 / 2018 ) الذكرى الـ 48 لتأسيس اذاعة " صوت الجماهير " ... ومثل اي مناسبة مهمة ، فأن التغييب ، مصيرها مع الاسف في هذا الزمن ، رغم ان هذه الاذاعة ، كانت واحة لكل العراقيين ، ومن اروقتها ، خرجت كفاءات مثلت كل الوان الطيف العراقي.. وقد اعتدتُ قبل العام 2003 ان انشر سنوياً مقالة عن الإذاعة الأثيرة الى نفسي .. ولمن غابت عنه ملامح التأسيس .. انشر سطوري ، الموثقة بأسماء معظمها ما زال على قيد الحياة والحمد لله ... فهل ، تفيد الذكرى لمن في أذنه وقر ؟؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الساعة الخامسة من عصر يوم الأول من أيار عام 1970 حمل الأثير صوت مولود جديد ، أحبه الناس جميعاً أسمه " اذاعة صوت الجماهير" فكيف انبثقت هذه الإذاعة ومن هم شهود تأسيسها؟ ذاكرتي تدلي الآن بإفادتها وكأن الأمر حدث بالأمس القريب وليس قبل عقود من الزمن .
نتابع أوراق إفادتي :
اتصل بي الصديق ، الإذاعي الشهير " سعاد الهرمزي " ظهيرة يوم الأثنين 27 نيسان 1970 ، طالباً مني الحضور بعد ساعة من مهاتفته ، الى مبنى التلفزيون .. اعتراني شعور هو مزيج من الاستغراب والدهشة ، وتساءلت مع نفسي عن دواعي اتصاله ، فالرجل التقيته قبل حوالي ساعة او أكثر بقليل عند مدخل استعلامات دائرة " الإذاعة والتلفزيون" دون ان يخبرني بشئ .
المهم ، كنت قبل الموعد المطلوب بقليل في مبنى التلفزيون وذهبت فوراً الى مكتب الأخ "الهرمزي" وما أن شاهدني ، حتى نهض دون ان ينبس بكلمة عن سبب طلبي الحضور الى التلفزيون ، مرحباً وراداً على سلامي بأبتسامه ، ثم خرجنا سوية ، وكانت خطواتنا باتجاه أستوديو التلفزيون القديم والمسمى بـ (البنكلة) او ما سمي لاحقاً بـ (أستوديو حيدر العمر) وهواسم المخرج السينمائي والتلفزيوني المعروف ... لاحظت ان الصديق " الهرمزي " لا يعرف شيئاً عن الموضوع الذي طلبني اليه غير معرفته بمكان اللقاء الغامض فقط ، وتلمست ذلك عندما فوجئ بمن سبقنا الى المكان ... كانوا بضعة أصدقاء من الإذاعيين ، وقد سأل احدنا الأخر عن فحوى اللقاء ولم نجد جواباً ، فالجميع حضروا دون ان يعرفوا سبب حضورهم وبضمنهم من دعاني .. كان من الحاضرين إضافة للصديق الهرمزي ، المذيعان غازي وفارس البغدادي والاخ مالك المطلبي ، الدكتور فيما بعد.. والأخ عبد المرسل الزيدي ، الدكتور لاحقا .. وثلاثة من مهندسي الأذاعة .. جلسنا على كراس بسيطة يبدو انها من مستلزمات ديكور تمثيلية عرضت قبل ليلة من هذا اللقاء .. وبعد لحظات ، دخل علينا الأستاذ "محمد سعيد الصحاف " مدير عام الأذاعة والتلفزيون ، وبسلام مقتضب ، بدأت الجلسة بطريقة ابتعدت عن ( البروتوكولية ) .. تحدث "الصحاف "بطريقة أثارت استغراب الحضور عن دور الإعلام الإذاعي في المجتمع ، ثم أعلن بصورة مفاجئة عن قرار تأسيس إذاعة عراقية جديدة تحت مسمى ( إذاعة صوت الجماهير) تواكب متطلبات العصر وتهتم بقضايا الناس وتكون ذات شخصية متميزة قادرة على استقطاب المستمعين في داخل الوطن وخارجه وتسعى الى توفير المتعة الثقافية الراقية ، ذاكراً ان الإذاعة الوليدة لن تكون بديلاً عن إذاعة بغداد ، كون الأخيرة هي إذاعة الدولة ، لكنها متميزة بأمر مهم هو ابتعادها عن "الرسميات" " وأستمر بالكلام : نريدها إذاعة خفيفة الظل ، متماسكة الفحوى ، قريبة الى آذان المستمعين في الوطن العربي والعالم ، وعلى هذا الأساس ( الكلام للسيد الصحاف) تم حجز موجة للبث ذات إبعاد عالية الطيف ، يستطيع الجميع التقاطها بيسر ووضوح .
وبدأت الآراء تترى وكلها صبت في مجرى تثمين هذا الاتجاه ألاعلامي الجديد .. كانت عيوننا ترنو وعقولنا تتجه ، في أثناء حديث السيد الصحاف الى إذاعة عربية رائعة هي ( إذاعة الشرق الأوسط ) المصرية ... كانت هذه الإذاعة في عز تألقها في المشوار الإعلامي ..
وطال الاجتماع ، لكن سؤالا مهماً ظل يعتمل في نفسي : لماذا لم يحضر أحد من كادر إذاعة ( القوات المسلحة ) الاجتماع ، سواي وهي الإذاعة التي ملكت قلوب المستمعين وهل كان المسؤولون فيها على علم بقرار استحداث إذاعة جديدة ، وما هو مصير العاملين فيها ، لاسيما أنهم اكتسبوا خبرة ممتازة في الفن الإذاعي .. وعلى هذا المنوال كانت اسألتي تدور ضمن ذاتي ، ولم أجد الجواب ، كوني لم أسألها جهاراً بل بقيت حبيسة نفسي ... وفي لاحق الأيام عرفت ان قرار تأسيس ألإذاعة جاء سريعاً من جهات عليا .. وانحصرالاعلان في الاجتماع المقتضب الذي تحدثنا عنه قبل قليل ، وقد طالب الصحاف ان يكون الأمر سرياً حتى تكتمل خطوط الخارطة البرامجية للإذاعة الجديدة ...وفعلاً أخذت ملامح الخارطة البرامجية تتبلور في الاجتماع ، وعند كل فكرة تطرح كان الشرط الوحيد ان لايكون شبيه لها ... وتمخض الاجتماع عن إقرار برامج سريعة ، جديدة في فكرتها ، وكان للصديق الإذاعي " سعاد الهرمزي " دور مشهوداً في تلك الأفكار .. وتم تكليف الأخ مالك المطلبي بإدارة الإذاعة الجديدة ،،، لكن المفاجأة الكبرى طلب الصحاف ان يبدأ بث الإذاعة الجديدة بعد ثلاثة ايام أي يوم الجمعة الأول من ايار، واتجهت أنظارنا باستغراب الى تحديد موعد البث ولم نعترض.
ومن تلك اللحظة بدأت " صوت الجماهير " مشوارها العملي ، يحدوها ألأمل بلبس ثوب إعلامي جديد .. وأتخذت الإذاعة من غرف وأستوديو إذاعة القوات المسلحة مقراً لها ، قبل ان تنتقل الى مبناها المعروف ، وهنا ينبغي القول إن كافة العاملين في إذاعة القوات المسلحة ، فرحوا بتأسيس الإذاعة الجديدة ولم يرتبك العمل فيها في اليومين اللذين سبق توقف الإذاعة فيهما نهائياً ، وقد استفادت ( صوت الجماهير ) من خبرات إذاعة ( القوات المسلحة ) ..
ومنذ اليوم الأول من أيار 1970 وحتى العام 1974 بقيت مستمراً في العمل بالإذاعة الجديدة ... ادخل أبوابها صيفاً وشتاء في الأيام الاعتيادية وفي العطل الرسمية حوالي الساعة الخامسة فجراً ، معداً لبرنامج " شريط الصحافة " ونشراتها الإخبارية الصباحية التي كانت تقرأ من قبل مذيعات منهن : أمل القباني و خيرية حبيب وصباح عباس وسهام مصطفى وأمل البياتي ومذيعين : رشدي عبد الصاحب وعبد الواحد محسن ونزار السامرائي ( الممثل لاحقاً ) .. بالإضافة الى هذا النشاط اليومي أعددت العديد من البرامج ، وأستمر الحال حتى تولي مسؤولية الإذاعة الصديق " عبد الرزاق محمد لفته " الذي رجوّته ، إعفائي من تلك المهمة لحاجة دائرتي الأصلية وهي صحيفة " الثورة" الى جهد مضاعف مني ، بعد ان توليت رئاسة قسم " الاخبار والتحقيقات المحلية " وهي مسؤولية كبيرة كما يعرف الزملاء ... وكان الرجل كريماً معي فوافق على إعفائي ( مشترطاً ) استمراري بأعداد برنامج أسبوعي ، فكان برنامج " وراء الأحداث " الذي تحول فيما بعد الى برنامج تلفزيوني ..
وينتهي شريط ذاكرتي عن الإذاعة التي ولدت سريعا واستمرت بعملها لعقود من الزمن ، لكنها بالنسبة لي كأنها ولدت بالأمس .
[size=32]طيب الله ثرى اذاعة " صوت الجماهير" ![/size]