هكذا هي الحياة، لا تنزعج!
+ المطران يوسف توما
مشى رجل مرموق إلى أحد الفنادق الراقية، ودخل حالا إلى المطعم. فقُدِمت إليه قائمةُ الطعام وطلب ما يريد أن يأكل.
بعد حوالي 20 دقيقة دخلت مجموعة من الناس وجلسوا حول طاولة قريبة من ذلك الرجل وأوصوا ما يريدون من طعام.
أصيب الرجل الذي دخل أولا بالذهول عندما رأى أن هؤلاء الأخيرين، الذين جاؤوا بعده، قُدّم إليهم الطعام حالا.
كان الرجل يراقبهم ويراهم قد شرعوا يأكلون ويضحكون بارتياح. حتى إنه سمع أحدَهم يتباهى بأنه يعرف الجميع في هذا الفندق، وكيف يجعل الأمور تسير بسرعة بالنسبة إليه في تقديم الطعام.
أحسّ صاحبُنا كما لو كان كل ما يجري سخرية منه. فصعد الغضب في نفسه وفكّر أن يقوم ويغادر المطعم. لكنه تمالك نفسه وكظم غضبه وبقي ينتظر.
ولما لم يعد يتحمل أكثر من ذلك، دعا النادل وتحدّث إليه عن أسفه عن مسار الامور بالنسبة إليه، وأنها ليست من العدالة بشيء...
لكن النادل قاطعه بهدوء وقال: "إن ما أوصيتَ به يا سيدي هو طعام خاص، وقد أصرّ رئيس الطهاة أن يُعدَه لك بنفسه. أما طلبات هؤلاء الناس فهي عادية، وقد تم إعدادها من قبل المتدربين في المطبخ، لأن كبار الطهاة مشغولون بما أمرتَ به أنت. هذا هو السبب في أن طلبيّتهم جاءت في المرتبة الأولى. أرجوكَ روّح عن نفسك ببعض العصير بينما أنت تنتظر".
كان صاحب الفندق قد رآه يدخل، وتصادف أنهم كانوا فيما مضى أصدقاء حميمين، لكن الحياة فرقت بينهم منذ زمن طويل، ولما رآه قادما، أراد أن يفاجئه، لذلك صاح النادل – الذي أخذ الطلبية - وأدخل عليها بعض التعديل محوّلا إياها من وجبة بسيطة، إلى مأدبة ترحيب بصديقه القديم ليفاجئه بها.
انقلبت الأمور إذن، فأطرق صاحبنا خجلا وهدأ وبقي ينتظر.
بعد وقت قصير، دخل فريق من ستة خدم يحملون الصواني، لقد كانت وجبة لن ينساها طوال حياته، أراد صاحب الفندق أن يبهره بحق، فنسيَ صاحبُنا كلّ شيء وارتاح جدا.
أما الذين كانوا على الطاولة الأخرى فقد شُدِهُوا لِما رأوا وأصابتهم الصدمة، كانوا كلهم يبحلقون بما يحدث أمامهم. بل حتى بدأ بعضهم يدمدم ويشتكي ويتذمر، لأن خدمتهم تمت بعجالة، ولم يحصلوا على هذا النوع من الخدمة الراقية في وجبتهم.
هذا هو الحال مع الحياة!
بعض الناس قد يتقدّمك وهو يتمتع بكل ما لذ وطاب الآن، قد يضحك منك، ويستعلي عليك حول معرفته بالناس (والوساطات) ويعدّد كل ما يملكه من مال وسلطة، وكيف انه يستمتع بالحياة بسببهما.
أما أنت الذي تكون قد انتظرتَ طويلا، أحيانا على الهامش، وتساءلتَ: لماذا تختلف الأمور معك، والوقت يجري بما لا تشتهي أنت للحصول على أبسط أسباب الراحة، بل قد تتعرض للسخرية والإهانة المستمرّة من البعض بسبب اختلافِك عنهم. حتى ربما خطر ببالك وفكرت بارتكاب المحذور واتخاذ قرارات انتقام وتسرّع، بل يمكن أنك قد مررتَ بمرحلة اكتئاب أو عانيت من قلق نفسي شديد...
نصيحتي لك لا تقلق، فهذا ليس الحل!
تذكر فقط أن صاحب هذا العالم قد رآكَ ولمَحَك من بعيد. رأى كلّ شيء، وهو لا يريد أن يقدّم لك وجبة بسيطة وعادية مثلما فعل هؤلاء الذين ضحكوا منك.
ما كان عليك أن تتعلمه فقط: أن تنتظر، كي تتناول وجبة خاصة مميّزة وهذا يستوجب صبرًا ووقتا طويلا.
إن كبير الطهاة وحده يستطيع إعداد مثل تلك الوجبة!
الدرس الذي أنصحك به: إنتظر وجبتك واسترخِ مرتاحا. بقدر ما يتعلق الأمر بك، وعندما ستقدَم لك الوجبة سيتوقف الضاحكون وسيسكتون إلى الأبد إزاء ما يحصل لك.
هذه القصة استلهمتُها من إنجيل لوقا، حيث يقول يسوع لتلاميذه: "طوبى لأولئك الذين إذا جاء سيدُهم وجدهم ساهرين، الحق أقول لكم إنه يَشدّ وَسَطَه ويُجلِسُهم للطعام، ويدورُ عليهم يخدُمهم" (12/37).
كركوك 20 تموز 2018