العراق.. مظاهرات مستمرة، وقرارات ارتدادية!
02 أغسطس 2018 | الكاتب:د. جاسم الشمري
0
مشاركة
المظاهرات المستمرة في مدن الجنوب العراقي منذ ثلاثة أسابيع، تطورت خلال الساعات القليلة الماضية من حيث التنظيم، ومن المتوقع أن تكون عصر اليوم الجمعة مظاهرات موحدة في مدن بغداد والبصرة وميسان وذي قار والديوانية والنجف وكربلاء، – تحت شعار جمعة الحقوق-، وهذا تطور ايجابي يُزيد من الضغط الفعلي على الحكومة لتلبية مطالب الجماهير الإنسانية.
مظاهرات الجنوب وبغداد كانت – وما زالت – واضحة الأهداف، وغايتها تحسين الواقع الخدمي والمعاشي، والسعي للقضاء على الجوع والعطش، وتوفير أبسط مقومات الحياة الإنسانية، ومحاسبة حيتان الفساد.
- اقتباس :
“مظاهرات الجنوب وبغداد كانت – وما زالت – واضحة الأهداف، وغايتها تحسين الواقع الخدمي والمعاشي”
مظاهرات العراقيين الحالية – وإن تضمنت شعارات مناوئة للحكومة والأحزاب الحاكمة- إلا أن غايتها الرئيسة – في الغالب العام- ليس تغيير نظام الحكم؛ بل لتحقيق مطالب محددة، لأن مرحلة التغيير الشامل لم تصل إليها عموم الثقافة الشعبية في الجنوب حتى الآن، وكذلك لاستمرار الدعم الديني للحكومة، وعليه لا يمكن القول إن هذه المظاهرات هي مظاهرات اقتلاعية، أو تغييرية، وبالتالي هي مظاهرات معارضة لواقع الحال المزري، وليس لتغيير الحكومة، أو إعادة ترتيب شكل الحكم في العراق، وهذا التقييم لا يقلل من أهميتها.
أهمية مظاهرات الجنوب تكمن في كونها مظاهرات من المناطق التي تظن الحكومة وكافة الأحزاب الشيعية الحاكمة أنها حاضنتها الشعبية، وعليه أرى أن هذه المظاهرات غيّرت جزءاً من المعادلة السياسية، وأوصلت رسالة للحكومة – ومن معها- مفادها أن أهالي الجنوب ليسوا (نائمين)، ولا يمكن خداعهم بعد اليوم بوعود تنموية وهمية، ولا إقناعهم بالسكوت بتخويفهم من ( إرهاب فكري، أو أمني) محتمل.
- اقتباس :
“أهمية مظاهرات الجنوب تكمن في كونها مظاهرات من المناطق التي تظن الحكومة وكافة الأحزاب الشيعية الحاكمة أنها حاضنتها الشعبية”
ثقافة المظاهرات، أو الاعتراض على الأداء الحكومي ما زالت غير ناضجة بشكل جيد، ورغم إننا نميل إلى عفوية المظاهرات لكن يفترض أن تكون لها قيادة ولو مناطقية يمكن من خلالها التفاهم على الحد الأدنى من الآليات، التي تمكنهم من إيصال أصوات المظلومين والعطشى والجائعين للحكومة المترفة، ولمجالس المحافظات المتخمة.
حالة العشوائية في التظاهر، وعدم الانتظام ستفتح الباب أمام المندسين لتخريب المظاهرات، وستشجع الحكومة وأنصارها على كيل الاتهامات للمتظاهرين: تبدأ من التخوين، ولا تقف عند حدود الإرهاب والأجندات المعادية للعراق والديمقراطية، وربما تصل حتى لإقحام هذا التوجه المذهبي الديني، أو ذاك!
الحقيقة الكبرى أن هذه المظاهرات أسقطت ورقة التوت عن الديمقراطية في العراق، وعرّتها أمام العالم؛ وذلك بسبب القوة المفرطة التي استخدمتها القوات الحكومية والمليشياوية في تعاملها مع المتظاهرين، والتي تسببت بمقتل قرابة 20 متظاهراً، وإصابة واعتقال المئات.
- اقتباس :
“الحقيقة الكبرى أن هذه المظاهرات أسقطت ورقة التوت عن الديمقراطية في العراق”
مقابل هذا القتل والإرهاب الرسمي عادت الحكومة لتؤكد استخفافها بالعراقيين، وذلك عبر قرارات غير منطقية، ومعالجات غير جوهرية، ورميها لكرة النار في ملعب الحكومات المحلية؛ وتشكيل رئيسها حيدر العبادي” لجنة لمحاسبة المسؤولين المقصرين في أداء مهامهم بالمحافظات”!
في ضوء هذا القرار الحكومي المتأخر جداً نتساءل: أين كانت الحكومة من هؤلاء المسؤولين المقصرين، ألا يفترض أنها تمتلك جهازاً لمراقبة، أو قياس الأداء الخاص بكل محافظة، ثم أين هم ممثلو الشعب من صور الفساد التي شخصتها الحكومة؟
حكومة بغداد – وبعد أن قتلت وجرحت واعتقلت المئات من المتظاهرين – أصدر رئيسها قبل عدة أيام بياناً (لترضية الجماهير)، وجّه فيه بـ”توسيع وتسريع آفاق الاستثمار للبناء في قطاعات السكن والخدمات وإطلاق درجات وظيفية لاستيعاب العاطلين عن العمل وإطلاق تخصيصات مالية للبصرة، بقيمة 3,5 تريليون دينار فوراً (حوالي ثلاثة مليارات دولار)”، وهذا ما حصل مع ذي قار والمثنى وغيرهما من مدن الجنوب!
الإجراء الحكومي (العاجل) يؤكد أننا أمام جملة من القرارات الارتدادية، وليست مشاريع تنموية مدروسة، ونحن بدورنا نتساءل ثانية: أين الخطط الحكومية لهذه المدن، وما هي خطط مجالس محافظات الجنوب، وهل نحن أمام دوائر شكلية لا تمتلك أي خطط شهرية، أو سنوية؟
الواقع أن هذه القرارات ليست حلولاً جذرية، ولا يمكن أن تقود لعلاجات نهائية، كل ما في الأمر أن هذه الأموال، والمشاريع المرتقبة ستكون باباً جديداً للفساد لأن الخلل في عموم المنظومة الإدارية القائمة على الحزبية والمحسوبية، ولا أظن أن العبادي يمتلك الجرأة الكافية للاقتراب من محاسبة أي مسؤول فاسد تابع لهذا الحزب، أو ذاك، بما فيهم أعضاء حزب الدعوة، الذي ينتمي إليه؛ لأن هؤلاء فوق النُظم، وخارج سياقات التقييم الإداري والمهني!
العراق لن يتعافى طالما المناصب والإدارات تُعطى بحسب الولاء الحزبي، وليس بحسب المؤهل العلمي، وكذلك لعدم وجود قانون صلب لا يميز بين الفاسدين والمجرمين على أساس الانتماء الحزبي، أو المناطقي، أو العشائري! وهنا تكمن الكارثة!
المصدر:عربي 21