أربع شخصيات سنية تتنافس على رئاسة البرلمان العراقي
حسابات طائفية وحزبية تحرك العملية السياسية
كواليس المنطقة الخضراء، شديدة التحصين، تشهد منذ أيام حراكا تفاوضيا سنيا مستمرا للاتفاق على مرشح لرئاسة البرلمان.
العرب/بغداد - تتجه أطراف العملية السياسية في العراق إلى تثبيت التوازنات الطائفية التي يقرها نظام المحاصصة، وذلك من خلال التفرغ لحسم صفقة الرئاسات الثلاث، وتجاوز مرحلة الفراغ التي رافقت الخلاف بشأن نتائج الانتخابات والمرور إلى الفرز اليدوي.
وتتسارع خطى المفاوضات في بغداد لحسم ملف المرشح لشغل منصب رئيس البرلمان الجديد، الذي سيكون على الأرجح “سنيا”، كما جرت عليه العادة منذ العام 2005.
ووفقا للسياقات الدستورية العراقية، فإن انتخاب رئيس البرلمان الجديد، يجب أن يتم في الجلسة الأولى من الفصل التشريعي الأول لمجلس النواب المنتخب، ما يعني أن المدة الفاصلة بين المصادقة على النتائج وموعد الجلسة الأولى، يجب أن تتمخض عن اتفاق.
وينتمي منصب رئيس البرلمان إلى باقة ما يعرف بـ”الرئاسات الثلاث”، التي تضم أيضا رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية.
ولا يمكن انتخاب رئيس للبرلمان، من غير حسم صفقة الرئاسات الثلاث مجتمعة.
وتقول مصادر سياسية مطلعة في بغداد لـ”العرب”، إن “كواليس المنطقة الخضراء، شديدة التحصين، التي تضم مقر الحكومة العراقية وعددا من سفارات كبرى الدول، تشهد منذ أيام حراكا تفاوضيا سنيا مستمرا للاتفاق على مرشح لرئاسة البرلمان”.
وتطرح المصادر أربعة خيارات سنية لهذا المنصب لا يملك أحدها أي أفضلية حتى الآن.
والمرشحون لرئاسة البرلمان هم وزير الدفاع السابق خالد العبيدي عن قائمة النصر، ومحافظ الأنبار محمد الحلبوسي، ومحافظ صلاح الدين أحمد الجبوري، ونائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي.
وتقول المصادر إن هذه الشخصيات الأربع هي التي تتنافس على منصب رئيس البرلمان حاليا، من دون أن تكون لأي منها أفضلية بسبب عدم وضوح الرؤية.
ووفقا للأعراف السياسية العراقية، فإن رئيس الوزراء يجب أن يكون شيعيا، فيما اعتاد العراقيون على أن يكون رئيس جمهوريتهم كرديا.
وحتى الآن، تتجه الأمور إلى تكريس هذه المعادلة الثلاثية خلال الدورة القادمة، بعد تراجع أهمية الجدل الذي استغرق شهورا بشأن ضرورة تولي منصب رئيس الجمهورية في العراق شخصية عربية سنية.
ورغم الإقرار بضرورة المسارعة إلى تجاوز الفراغ السياسي لتطويق الاحتجاجات التي كشفت عن وجود هوة كبيرة بين الشارع العراقي والأحزاب، إلا أن الحسابات الحزبية والطائفية لا تزال المحرك الرئيسي للمواقف المختلفة.
واستبعد القيادي الشيعي مقتدى الصدر، الخميس، الدخول في تحالفات تشكيل الحكومة المقبلة إذا كانت تقوم على مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية.
وقال الصدر في بيان صحافي إن “لم تتحقق شروطنا المعلنة لن أدخل محاصصتهم وتقسيماتها (…) وليكن السقف الزمني المصادقة على النتائج النهائية للعدّ والفرز″.
ودخلت الأطراف السياسية السنية ما يشبه مرحلة الإنذار العسكري، منذ إعلان مجلس القضاء الأعلى إنهاء عملية العدّ والفرز اليدويين لجزء من أصوات الناخبين، بعد تشكيك وشكاوى تتعلق بتزويرها.
وتنتظر الأطراف الأساسية إعلان مجلس القضاء عن النتائج التفصيلية، التي قد تستغرق أسبوعا، وهي مهلة تقديم الطعون والنظر فيها ثم حسمها قبل أن تتحول إلى نهائية.
وتتوقع القوى السياسية العراقية أن تعلن النتائج النهائية المصادقة للانتخابات العراقية العامة في الثلث الأخير من الشهر الجاري.
وبمجرد الإعلان عن النتائج، يجب على البرلمان الجديد أن ينعقد في غضون أسبوع، لجلسة يرأسها أكبر أعضائه سنا، بشكل مؤقت، يتم خلالها انتخاب الرئيس الدائم للبرلمان.
وتقول المصادر إن ائتلاف النصر، الذي يحاول رئيسه ورئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، الحصول على ولاية ثانية، يجهز العبيدي لرئاسة البرلمان.
وكان العبيدي انضم مع القائمة التي يقودها إلى ائتلاف النصر بزعامة العبادي، وحقق نتائج كبيرة وضعته في المرتبة الثانية على مستوى العراق بالتصويت الشخصي، بعد زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.
وفازت قائمة العبيدي بتسعة مقاعد في الموصل وبغداد من أصل 42 مقعدا لقائمة العبادي في عموم البلاد، وهي نتائج كانت مفاجئة على جميع الأصعدة.
وتقول مصادر “العرب” إن “ائتلاف النصر سيدفع بخالد العبيدي إلى منصب رئيس البرلمان، في حال فشل حيدر العبادي في الحصول على منصب رئيس الوزراء لدورة ثانية”.
وتضيف المصادر أن “هذا الخيار قد ينال دعم مختلف الأوساط الشيعية، بسبب الشعبية التي يتمتع بها وزير الدفاع السابق”. ولكن المصادر تقول إن هذا الخيار ليس مطروحا بشكل علني الآن، نظرا لتمسك العبادي بترشحه إلى الولاية الثانية.
ويواجه العبيدي منافسا شرسا ينحدر من محافظة الأنبار، وهو محمد الحلبوسي، الذي فاجأ الجميع بحصوله على أكثر من 40 ألف صوت خلال الانتخابات داخل دوائر محافظته.
ويشغل الحلبوسي الآن منصب محافظ الأنبار، ويبدو أنه يطمح لمنصب أكبر.
ويعرف الحلبوسي بالطموح الكبير، ويرتبط بعلاقات وثيقة مع عائلة “الكرابلة” بزعامة رجل الأعمال جمال الكربولي، الذي ارتبط اسمه بعلاقات إقليمية مثيرة للجدل وملفات فساد.
ويعتمد الحلبوسي على “الكرابلة” لنقله إلى منطقة المنافسة على المناصب الكبيرة في البلد، بعدما كان شخصية محلية بسبب علاقاتها المتشعبة مع مختلف الأطراف وشهرتها في إبرام الصفقات السياسية السرية.
ويتمثل الخيار الثالث في محافظ صلاح الدين أحمد الجبوري، الذي وُجّهت إليه منذ أعوام تهم كثيرة وكبيرة بالفساد من دون إدانته.
وبقي الجبوري محتجزا عدة شهور في بغداد بعدما ألقي عليه القبض في ظروف غامضة للتحقيق في قضية فساد بمليارات الدولارات. لكن الغريب أنه بقي محافظا لصلاح الدين حتى وهو مسجون، وعندما خرج بلا إدانة، عاد إلى ممارسة مهام عمله بشكل طبيعي.
وتقول مصادر محلية إن الجبوري لعب دورا بارزا في توجيه نتائج الانتخابات في صلاح الدين بما ينسجم مع أهدافه.
وتضيف المصادر أن الجبوري هو من تحكم في توزيع عدد المقاعد على القوائم الفائزة، بالنظر لسيطرته الكلية على المكتب المحلي لمفوضية الانتخابات.
وتتحدث مصادر سياسية عن استعداد الجبوري لدفع مبالغ طائلة للأطراف التي تمكنه من الحصول على منصب رئيس البرلمان في العراق. وتحجم أطراف شيعية عديدة، على غرار ائتلاف النصر وائتلاف دولة القانون وتحالف الفتح، عن الإدلاء بآرائها بشأن الجبوري. لكن مصادر مطلعة تؤكد أن لدى الجبوري علاقات وثيقة بجميع هذه الأطراف.
أما الخيار السني الرابع لرئاسة البرلمان، فيتمثل في نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، الذي سبق أن تولى المنصب نفسه خلال ولاية المالكي الثانية بين 2010 و2014.
ويشير مراقب سياسي عراقي إلى أن السياسيين في العراق يثبتون من خلال مناوراتهم أنهم مطمئنون إلى أن جبهة نظام المحاصصة لن تتصدع بتأثير الاحتجاجات التي تعم مدن الجنوب ولا بسبب الشروط التي تقدم بها مقتدى الصدر، زعيم الكتلة التي حققت الفوز الأكبر في الانتخابات، معتقدا أن أولئك السياسيين لا يجدون بديلا لنظام المحاصصة من أجل المحافظة على مصالحهم، وهي مصالح باتت محسوبة بدقة.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إنه وكما يبدو فإن ما يراه الشعب الذي انتخب هؤلاء السياسيين لا يروق لهم ولا ينسجم مع مصالحهم لذلك قرروا الإبقاء على كل شيء في مكانه كما لو أن شيئا لم يحدث في المدن العراقية، مضيفا أن المناصب في العراق ثابتة بالرغم مما أفرزته الانتخابات الأخيرة من تغييرات، توقع الكثيرون أنها ستحسم الأمور لصالح القوى العابرة للطائفية.