حل الدولتين في عُرف دونالد ترامب
د. مثنى عبدالله
Oct 02, 2018
«يروق لي حل الدولتين.. هذا ما أعتقد.. هذا شعوري»، بهذه الكلمات أعرب الرئيس الامريكي دونالد ترامب وللمرة الأولى، عن تفضيله لحل الدولتين في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، متعهدا بعرض خطة متوازنه في غضون أربعة أشهر لهذا الموضوع.
للوهلة الأولى وقبل كل شيء يمكننا أن نقرأ في هذا التصريح كيف يتعامل الآخرون مع قضايانا، بحيث أن الدولة الأقوى والأعظم في العالم، التي يفترض أن تكون حامية للأمن والسلم العالمي والراعية الأولى لحقوق الشعوب والدول، تبحث قضايا العالم بما يروق لها وما لا يروق، وبما تريد ولا تريد، وليس وفق مبادئ حقوق الشعوب والأوطان، التي هي من ثبتتها في ميثاق الأمم المتحدة. وهذه ليست مفاجأة بالنسبة لنا نحن العرب، فلقد تعامل المجتمع الدولي مع قضايانا، وخاصة القضية الفلسطينية، بما يروق له منذ سبعين عاما. وتلاها بالصيغة نفسها من التعامل مع القضايا الأخرى التي مرت على الأمة العربية. لكن الطامة الكبرى هي أن الزعامات العربية مازالت، رغم كل الإحباطات والغش والخداع، يركضون خلف هذا السراب الذي اسمه الولايات المتحدة الامريكية. السؤال الأهم اليوم هو ما الذي تغير عندما يطرح الرئيس الامريكي مجددا حل الدولتين؟ وماذا تريد الإدارة الامريكية الحالية من وراء هذا الطرح؟
هنا لابد من التذكير أن كل الرؤوساء الامريكيين أطلقوا وعودا ومشاريع كثيرة لحل القضية الفلسطينية، والنزاع الفلسطيني الاسرائيلي. وكانت كل تلك المشاريع تأتي متزامنة مع عدوان أو تآمر على دولة عربية أخرى. والهدف كان واضحا وهو حشد جهد النظام العربي الرسمي معها، والجائزة هي مشروع لحل القضية الفلسطينية، وبذلك كانت كلها مجرد تسويق لبضاعة فاسدة، ومناورات ومواقف كاذبة، وأن الإدارة الحالية ليست استثناء من بين أولئك.
عندما وصل ترامب الى السلطة كان يقول إنه مع الحل الذي يختاره الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي، وأن حل الدولتين ليس الحل الوحيد، ما أعطى انطباعا بأن الولايات المتحدة كدولة راعية للمفاوضات، لم تعد تتبنى حل الدولتين، كهدف للوصول الى حل شامل وحقيقي لهذا النزاع الدائم. في حين كان حل الدولتين مبدأ ثابتا في سياسات الولايات المتحدة على اختلاف الزعماء الذي توالوا عليها. اليوم هو يقول بأنه الطريق الأكثر فاعلية للوصول إلى السلام والأمن في المنطقة.
إذن عند مقارنة تصريحه الحالي مع ما سبق يظهر لنا وجود تغيير كامل في الموقف، لكن لو أمعنا النظر جيدا سنجد أن التغيير شكلي لا أكثر، لأن المضمون غير واضح تماما، فهو لم يتحدث عن حدود الدولتين، ولا عن مصير القدس، ولا عن عاصمتي الدولتين، ولا عن الالتزامات والضمانات التي تستطيع الولايات المتحدة تقديمها لتحقيق هذا الحل. ولو ذهبنا للتمحيص أكثر في جدية تصريح الرئيس الامريكي، لوجدنا أن كل ما قام به لا يستقيم مع منطق حل الدولتين الذي يطرحه الان، فكل قراراته التي تخص هذا الصراع الدائم كانت ضد هذا الحل، بل إنه وعلى خلاف من سبقوه، الذين اختاروا الانحياز الى إسرائيل، هو اختار تبني السياسة الاسرائيلية كاملة ووضعها في جوهر ولب السياسة الامريكية، حتى من قبل أن يصبح رئيسا. وعندما تولى الإدارة هو من قرر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس، وهو الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل خلافا للقرارات الدولية، وهو من أوقف المساعدات المخصصة للأونروا التي ترعى اللاجئين الفلسطينيين. وهذه كلها إجراءات عملية قضت على حيادية الطرف الأمريكي، كي يقبله المنطق بصفة وسيط بين الجانبين.
لقد تعود المجتمع الدولي سماع تصريحات الإدارة الحالية اللامنطقية والبعيدة كل البعد عن السياقات العامة في العلاقات الدولية. وأن كل تصريحات ترامب غالبا ما تأتي نتيجة لعدم فهم طبيعة الحدث، أو لنيل الرضى والقبول من لدن قاعدته الانتخابية، أكثر مما هي سياسة واقعية يمكن التعويل عليها من قبل الآخرين. لذلك لا يمكن قبول تصريحه بحل الدولتين شكلا لا مضمونا، خاصة أن هذا الحل لم يعد ممكنا في ظل الإدارة الحالية المعادية تماما للحق الفلسطيني. فإذا كان المضمون كما تشير إليه بعض التسريبات من أنه، دولة في قطاع غزة بسيادة أمنية إسرائيلية – مصرية أو إسرائيلية فقط، وحكم ذاتي محدود في بعض المناطق من الضفة الغربية تحت السيادة الامنية الاسرائيلية، أو بالاشتراك مع السيادة الامنية الاردنية، وضم أجزاء من الضفة الى إسرائيل، مع نسيان القدس تماما، فإن هذا الحل هو ما تريده إسرائيل، لأن الفلسطينيين يريدون دولة على حدود الـ67. بمعنى القدس الشرقية وقطاع غزة والضفة الغربية. وبذلك يتبين بوضوح أن هذه الإدارة تريد أن تضع مبادرة وحلا وتسوية نهائية للقضية الفلسطينية بما تريده إسرائيل. هي تتبنى من خلال هذا الطرح وجهة النظر الاسرائيلية وبعض من يوافقونها من العرب، التي تقول بأن جعل المنطقة تعتمد على التكامل الاقتصادي والمشاريع الاستثمارية الكبرى، كفيلة بخلق علاقات متميزة بين كل الاطراف، وبذلك يتم قبول إسرائيل شريكا وتكون فيها آمنة ومستفيدة.
قد يكون طرح حل الدولتين الحالي جزءا مما يطلق عليه صفقة القرن، التي يقول البعض بأن الرئيس الامريكي يتأنى في طرحها الآن، لانه لا يريد أن يخسر أصوات مؤيدي إسرائيل، في الانتخابات النصفية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، على اعتبار أن في الصفقة بعض المقترحات التي قد تغضبهم، لكن مع ذلك فإن مضمون الطرح الحالي مازال يكتنفه الغموض والضبابية وعدم الوضوح، وربما حتى عدم وجود شيء محسوم في هذه القضية. قد يكون مجرد جس نبض لسماع نقاط الرفض والقبول من جميع الأطراف كي يتم بناء موقف عليها. بالنسبة للفلسطينيين قالوها صراحة بأنهم لا يعولون على الموقف الأمريكي بعد الآن، وأنهم ذهبوا لخيار السلام معولين على حسن نية الطرف الاخر من الصراع، وكذلك على المجتمع الدولي. لكنهم اليوم لا يجدون حكومة إسرائيلية يمكن الحوار معها، ولا وسيطا دوليا نزيها ومحايدا.
أما الإسرائيليون فإن نتنياهو قال موقفه بصراحة أيضا أمام عدد من الصحافيين في الأمم المتحدة مؤخرا. قال بأن كل طرف يفسر مفهوم الدولة بشكل مختلف، وطالما بقيت أنا على رأس السلطة فلن أتخلى عن السيادة الامنية على كل الأراضي. لقد بذلت السلطة الفلسطينية كل ما في جعبتها من جهود لتحريك عملية السلام، بل إنها كادت أن تفقد مصداقيتها عندما كانت في كل منعطف حاسم ومؤلم تؤكد على أن المفاوضات مع إسرائيل هي خيار استراتيجي، حتى أن الانقسام الفلسطيني كان أحد نتائج هذا الخيار الصعب. واليوم لم يعد أمام القيادة الفلسطينية إلا إعادة النظر في كل السياسة التي أنتهجتها، فلم يعد مقبولا التشبث بطريق لن يوصل الى المستقبل.
باحث عراقي في الشأن السياسي
- Share on Facebook
- Click to share on Twitter
- Click to share on Google+
- Click to email this to a friend