آلاف العائلات الموصلية خارج منازلها.. ما الأسباب؟ 24 أكتوبر 2018
قسم التقارير – الموصل بات من الطبيعي أن ترى عائلات من محافظة نينوى تسكن في محافظات عراقية أخرى بعد عام 2014 والحرب التي شنت على المدينة وانتهت في 10 تموز/ يوليو 2017، حرب أدت إلى تهجير مئات آلاف الموصليين ومن عموم محافظة نينوى إلى محافظات أخرى ومخيمات النزوح القسري في أطراف الموصل، ويؤكد مراقبون أن أكثر من نصف مليون نسمة من محافظة نينوى لم يعودوا إلى مدنهم وقراهم.
150 ألف عائلة نازحة أرقام قد تكون كارثية لمن يتابع الوضع في محافظة نينوى، إذ يقول عضو مجلس محافظة نينوى “حسام الدين العبار” إن قرابة 150 ألف عائلة من محافظة نينوى ما زالت نازحة ولم تعد إلى مساكنها في مدن وأقضية وقرى المحافظة.
وأضاف العبار في حديثه لوكالة “يقين” أن العائلات النازحة ما زالت متوزعة بين المخيمات ومحافظات الإقليم ومدن أخرى، عازيا ذلك إلى الدمار الذي حل بالمدينة وبناها التحتية ومنازل المواطنين.
- اقتباس :
- “أكثر من نصف مليون نسمة من محافظة نينوى لم يعودوا إلى مدنهم وقراهم”
من جهته أوضح المتحدث الرسمي لوزارة الهجرة والمهجرين “سيف صلاح” أن عدد النازحين في محافظة نينوى من الذين لم يعودوا إلى ديارهم يبلغ قرابة مليون وتسعمائة ألف نازح، مضيفا -في تصريح صحفي-، أن عدد نازحي نينوى هو الأعلى بين المحافظات العراقية التي شهدت نزوحا كبيرا بعد عام 2014.
ويشير مراقبون في نينوى إلى أن مشكلة النازحين في نينوى قد تستمر لسنوات قادمة، بسبب بطء الاجراءات الحكومية المفضية إلى تسهيل عودتهم إلى دورهم في المحافظة، وينتشر نازحو محافظة نينوى ما بين محافظات عدة ومخيمات نزوح تزيد عن العشر مخيمات في أطراف الموصل، حيث يقول “سعد قحطان” الموظف في دائرة الهجرة والمهجرين في محافظة نينوى في حديثه لوكالة “يقين” إن عدد النازحين من محافظة نينوى والذين أعلنت عنهم الوزارة صحيح، لكن الرقم الحقيقي في الواقع أقل من ذلك بكثير، مبينا أن عددا كبيرا من النازحين الذين عادوا إلى المدينة لم يسجلوا لدى دائرة الهجرة والمهجرين بأنهم عادوا الى المحافظة، وبالتالي فما زالت تعدهم الوزارة نازحون.
وأشار قحطان إلى أن الكثير من العائلات الموصلية استقرت في محافظات إقليم كردستان على الرغم من امتلاكهم منازل لم تدمر خلال الحرب، عازيا ذلك إلى خوفهم من عودة الأوضاع الأمنية إلى سابق عهدها، بحسبه.
أسباب عديدة تحول دون عودة النازحين أسباب عديدة تقف عائقا أمام عودة النازحين إلى مدينة الموصل ومحافظة نينوى، إذ يقول “مصعب الجبوري” إنه يقيم في محافظة أربيل بصورة دائمة ولا يفكر بالعودة للاستقرار في الموصل.
وعن أسباب ذلك أوضح الجبوري في حديثه لوكالة “يقين” أن بيته في حي الرفاعي في الجانب الأيمن من الموصل دمر بنسبة 50% وإن إعادته إلى وضعه السابق سيكلفه أكثر من 40 مليون دينار عراقي “33 ألف دولار” ولا يملك تكلفة إعماره، لافتا إلى أن أسعار الإيجارات في الموصل مرتفعة جدا في الموصل مقارنة مع محافظة أربيل، وبالتالي فإن السكن في أربيل أوفر وأضمن له، بحسبه.
وأضاف الجبوري أن أسعار الايجارات للبيوت في الموصل لا تقل عن 400 ألف دينار “330 دولارا”، بينما لا تتجاوز تكلفة الإيجار في أربيل 200 ألف دينار “166 دولارا”، لافتا إلى أن أربيل أفضل حالا من الموصل من الناحية الأمنية والخدمية.
دمار الجسور أبرز الأسباب ويبرز سوء الخدمات الذي تعانيه محافظة نينوى أحد أكثر الأسباب التي تحول دون عودة النازحين إلى ديارهم، حيث يقول مدير بلديات نينوى “عبد القادر الدخيل” في حديثه لوكالة “يقين” إن عدد الجسور والمجسرات “جسور صغيرة” التي دُمرت بفعل العمليات العسكرية في المحافظة تبلغ 72 جسرا ومجسرا.
وأضاف أن 12 مجسرا فقط أعيد إعماره من خلال تمويل البنك الدولي، وأن 60 جسرا ومجسرا ما زالت بانتظار الإعمار على الرغم من رفع كشوفات كاملة بشانها إلى وزارة البلديات والأشغال العامة والإسكان والمنظمات الدولية.
- اقتباس :
- “تقطيع أوصال المحافظة بسبب الدمار الذي حل بالجسور والمجسرات يدفع كثيرا من أهالي نينوى إلى عدم العودة”
الدخيل أوضح أن جميع الأقضية والنواحي في محافظة نينوى ترتبط من خلال الجسور والمجسرات، إذ أن الطبيعة الجغرافية لمحافظة نينوى متنوعة ما بين السهول والهضاب والمناطق الجبلية، مشيرا إلى أن الجسور الخمسة التي تربط جانبي الموصل الأيمن والأيسر دمرت خلال الحرب، وأن جسرا واحدا فقط المتمثل بجسر الموصل الحديدي المعروف بالـ”الجسر العتيق” أعيد إعماره بالكامل وأعيد إلى وضعه السابق بتمويل من البنك الدولي وتنفيذ شركة سعد العامة التي تتبع وزارة البلديات، لافتا إلى أن الأشهر القادمة ستشهد المباشرة بإعمار جسرين آخرين.
تقطيع أوصال المحافظة بسبب الدمار الذي حل بالجسور والمجسرات يدفع كثيرا من أهالي نينوى إلى عدم العودة الى المحافظة، بسبب صعوبة التنقل بين الأقضية والنواحي والقرى فضلا عن صعوبة التنقل داخل مدينة الموصل ذاتها، “مصطفى عبد الملك” طالب جامعي، يقول في حديثه لوكالة “يقين” إنه وبعد أن بدأ العام الدراسي الجديد في جامعة الموصل، فإنه يقضي أكثر من أربع ساعات يوميا للذهاب والعودة إلى الجامعة، إذ أنه يسكن في الجانب الأيمن من الموصل، بينما يقع مقر الجامعة في أيسر المدينة.
ويضيف عبد الملك في حديثه لوكالة “يقين” أن معاناته في التنقل بين جانبي المدينة، يعانيها عشرات آلاف الطلاب والموظفين والتجار في الموصل يوميا.
سوء الخدمات وانعدامها ليست مشكلة التنقل في نينوى الوحيدة التي تحول دون عودة النازحين إلى بيوتهم، إذ يشير مراقبون إلى أن معدلات الفقر والبطالة في محافظة نينوى شهدت ارتفاعا كبيرا بعد عام 2014، ويقول الخبير الإحصائي في محافظة نينوى “ميثم صلاح” في حديثه لوكالة “يقين” إن وزارة العمل ليس لديها إحصائية عن نسب البطالة والفقر في محافظة نينوى.
وأشار صلاح إلى أن نسب الفقر والبطالة قفزت إلى أضعاف ما كانت عليه قبل عام 2014، موضحا أن عوامل عدة تسببت في ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل، وأهمها منطقة الموصل القديمة التي كانت تعد القلب التجاري النابض لمحافظة نينوى، والتي تعرضت لدمار شامل، ما أخرجها من كونها مركزا تجاريا للمحافظة، وجعلها مركزا للدمار والركام والجثث.
وأوضح الخبير الإحصائي في ختام حديثه لوكالة “يقين” أن كثيرا من أصحاب المحال التجارية في الموصل القديمة باتوا بلا عمل، بعد أن تسببت الحرب في دمار محالهم وانقطاع أرزاقهم، مشيرا إلى أن نسب البطالة المرتفعة في المحافظة، رفعت نسب الفقر إلى مستويات قياسية، ما حدا بالكثير من سكان الموصل ومحافظة نينوى إلى اللجوء للعمل كعمّالة في محافظات أخرى.
وتعاني محافظة نينوى من أوضاع متردية وتراجع كبير في كل الملفات الخدمية والأمنية والاقتصادية، فلن تشهد المحافظة عودة جميع النازحين إليها، ما لم تباشر الحكومة عمليات الاستثمار والبناء والإعمار للمراكز التجارية والدور المهدمة، والتي تبدو أنها لن تبدأ قبل سنوات من الآن.
المصدر:وكالة يقين