السـرقة... مـقابـل التسـريـح
بقلم المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
[size=32]السـرقة... مـقابـل التسـريـح[/size]
في بداية الثمانينيات من القرن الماضي وفي أحد الأيام حيث كنت في استراحتي في داري وكان الوقت ليلاً تفاجئت بقدوم زائرين رجل وزوجته وبعد الترحيب بهما والقيام بواجبات الضيافة المعتادة استفسرت من الرجل عن سبب زيارته وحاجته وكان شكلهما يوحي في كونهما في مأزق وحالة غير طبيعية، تحدث الرجل عن معاناتهما وسبب قدومهما متوسلاً وطالباً تدخلي لنجاته من ما هو فيه وزوجته لا تكف عن البكاء وزوجتي تحثني على مساعدتهما وعندما استفسرت منه وطلبت منه الدخول في صلب الموضوع وبيان المشكلة...
أخبرني: ((هذه زوجتي وأنا أعمل في تجارة القماش وميسور الحال والحمد لله... لي أربعة بنات وولد واحد وهو سبب مشكلتي وشقائي وعلى الرغم من اهتمامي به أنا ووالدته لكونه ولدنا الوحيد فشل في دراسته ولم يتمكن إلا من تجاوز المرحلة الابتدائية بصعوبة ومع اقتراب موعد سوقه للخدمة العسكرية الإلزامية نصحني أحد الأصدقاء بتعيينه في مسلك الشرطة والخدمة فيها لمدة خمس سنوات مجزية عن الخدمة العسكرية))
وتابع قوله: ((لقد أكمل ولدي خدمته في سلك الشرطة لمدة خمسة سنوات وزاد عليها سنة أخرى إلا أن التعليمات الجديدة لا تسمح بتسريحه وتركه الخدمة وبيت القصيد هنا لقد أصبح يهددني بأنه سوف يهرب ويلتحق إلى جانب البيشمركَه... وأردف قائلاً: وأنت تعلم بتعليمات الحكومة العراقية التي تقضي بحجز عوائل الهاربين والملتحقين في صفوف قوات البيشمركَه وجئناك اليوم لتضع حداً لمعاناتنا، وخوفنا من ما ننتظره من مصائب تهدد أمن واستقرار عائلتنا)).
وبعد انتهائه ذكرت له بأنني أشاركه القلق وعدم الارتياح من ما هو فيه وكونه على صواب من تخوفه من مستقبله المظلم حيث أصدرت سلطات الحكومة العراقية أمر يقضي بحجز عائلة كل من يلتحق إلى جانب البيشمركَه من قبل السلطة، والقرار المذكور استثنى الأولاد المتزوجين والبنات المتزوجات من الحجز وقد أعدت الحكومة اماكن ومحلات خاصة لغرض حجز العوائل المشمولة بهذا القرار في المحافظات الثلاثة (أربيل-السليمانية-دهوك) وكان الغرض من إصداره هو لمنع من يفكر في الإقدام على هكذا تصرف...
القرار كان يشكل خرقاً لأبسط قواعد العدالة وحقوق الإنسان وكان محل استهجان المواطنين جميعاً وسبباً في تشجيعي على مساعدة هذه العائلة وتخليصهم من محنتهم بأي وسيلة أستطيع من خلالها أن أخدمهم وأجنبهم مآسي الحجز...
بينت لضيفي بأنني عاجز عن مساعدته بالطرق الأصولية والقانونية بسبب التعليمات الصادرة من وزارة الداخلية في بغداد ويمنع استقالة وتسريح الشرطة بسبب انعدام الإقبال على التطوع في دوائرها من قبل الشباب في كردستان وكان سبب عزوفهم عن ذلك يعود إلى تشكيل أفواج الدفاع الوطني والتي احتوت معظم المدعوين للخدمة العسكرية الإلزامية والمتخلفين والهاربين منها، وبهذه المناسبة تحضرني واقعة إذ كلفت في أحد الأيام في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي بمراجعة آمريه معسكر أربيل لاستلام مائتي وخمسون جندياً مكلفاً منها تقرر إعارة خدماتهم إلى مديرية شرطة محافظة أربيل للاستفادة منهم وكانوا جميعاً من أهالي محافظة أربيل وبعد إجراء التعداد عليهم بحضوري وآمر المعسكر الذي أوضح لهم بأنهم سوف تعار خدماتهم للشرطة طيلة فترة الخدمة الإلزامية وبأن ذلك سيكون في صالحهم لأنهم سيخدمون في دوائر الشرطة في محافظة أربيل وحسب محلات سكنهم وبالقرب من عوائلهم...
قلعة مدينة أربيل الأثرية منظر جموع الجنود الواقفين أثار استغرابي لكونهم بدلاً من إبداء ارتياحهم من هذا القرار وجدتهم يتحدثون ويتهامسون فيما بينهم مستهزئين به... على كل حال صدرت الأوامر إليهم من آمر المعسكر بعد أن وقعت المستند باستلامهم في ركوب السيارات اللوري السبعة التي أحضرتها معي وفعلاً استقلوا السيارات وما أن بدأت الحركة من المعسكر والخروج منه إلى داخل مدينة أربيل حيث بدأ الجنود في القفز من السيارات وتركها وعند وصولي إلى مديرية الشرطة لم أجد جندياً واحد في تلك السيارات وتصرفهم هذا أثار استغرابي ودهشتي حيث كان بإمكانهم الهروب من المعسكر أو عدم الالتحاق بالخدمة العسكرية, وبهذه المناسبة أود أن اذكر لقرائي الأعزاء بأن الحرب العراقية الإيرانية والتي كانت مستعرة في تلك الفترة أجبرت السلطات العراقية على التساهل وإبداء المرونة في تعاملها مع الشباب الكرد في مجال الخدمة العسكرية خوفاً من التحاقهم إلى جانب قوات البيشمركَه التي كانت منتشرة في المناطق الجبلية والمناطق المحيطة بالمدن في كردستان وكانت تابعة للأحزاب الكردية المعارضة للحكومة العراقية.
في بداية هذه الحرب المدمرة والتي استمرت ثمانية سنوات عجاف والتي أحرقت الزرع وأهلكت الضرع كما يقال, والتي بدأها النظام العراقي في 25 أيلول 1980 استباقاً لتطور الأوضاع وخوفاً من تعاظم قدرات نظام الحكم الجديد في إيران وعلى قاعدة (اتغدى بيه قبل ما يتعشى بيه) وفعلاً تغدى وتعشى أقطاب النظاميين في العراق وإيران بشعبيهما وجعلوهما وقود لهذه الحرب التي خلفت ألاف القتلى والجرحى والأسرى والمفقودين من الشعبين بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي لا تحصى وكانت القوى العظمى في العالم تشعر بالارتياح من اندلاع هذه الحرب واستمرارها ضماناً لمصالحها الاقتصادية والأمنية من خلال إضعاف قدرات الدولتين المتحاربتين وأنهاء خطرهما على دول المنطقة ومحاولة هيمنتها على منطقة الخليج الاستراتيجية وبدا واضحاً وبعد تحقيق هذه الغاية انتهاء هذه الحرب بدون منتصر أو خاسر.
استميحكم عذراً بسبب خروجي عن ما كنت اتحدث فيه والآن أعود إلى ضيفي ومحاولتي إيجاد طريقة لتخليصه من معاناته والذي كنت استمع إليه وفي نفس الوقت كنت منشغلاً في البحث عن سبيل أصولي وقانوني لتحقيق هذه الغاية، خطرت ببالي فكرة جهنمية كما يقال وهي أن يقوم ولده (الشرطي) بسرقة حاجة بسيطة من أحد المحلات أو الدور أمام الناس وصاحب الحاجة علانية وأن يمكن الشرطة من إلقاء القبض عليه وإصراره على كون الحاجة تعود له عند التحقيق معه عن فعلته هذه.
استفسر مني (والد الشرطي): ((أرجو أن توضح لي الغاية في أن يقوم ولدي بهذا العمل الشنيع وما هي نتائج هذا التصرف وهو من عائلة مشهود لها بالصدق والنزاهة والأخلاق)).
أجبته: ((اسمع أخي لقد جئتني تطلب مساعدتي وأنا أقول لك لا توجد غير هذه الوسيلة لتخليص ولدك من خدمة الشرطة وتخليصك وعائلتك من مصير الحجز في أقبية النظام طالما كان ولدك ملتحق في صفوف البيشمركَه... ولدك سوف تصدر عليه المحكمة حكماً خفيفاً عندما يحال إليها بسبب تفاهة قيمة المادة المسروقة وفي كل الأحوال لن تصل مدة الحكم إلى أكثر من سنة واحدة مع يقيني بأنها ستكون في حساب الشهر أو الشهرين وعند صدور هذا القرار والذي يعتبر مخلاً بالشرف لكونه جريمة سرقة وبعد اكتساب القرار الدرجة القطعية بعد مرور شهر على صدوره تقوم دائرتنا بإصدار قرار آخر يقضي بطرده من الوظيفة لارتكابه جريمة مخلة بالشرف))
وكان ضيفي صامتاً وأنا اتحدث إليه ومصغياً إلى كلامي بكل جوارحه وعندما أخبرته بأنني لا أملك غير هذا الحل، نهض مع زوجته والتي كانت تنظر لي وهي تتساءل كيف سنواجه الناس بأي وجه وعند خروجه أسرني الرجل بأنه سيفكر في الموضوع هذه الليلة وكانت المفاجئة في اليوم التالي عندما اتصل بي ليخبرني بأن ابنه قد تم توقيفه من قبل قاضي التحقيق لإقدامه على سرقة ديك عصر هذا اليوم في محلة كوران وهي محلة شعبية مكتظة بالسكان وكان من طبيعة ساكنيها من النسوة والأطفال خروجهم من دورهم الصغيرة وجلوسهم امامها للتسامر وقضاء الوقت والنميمة والغيبة ومتابعة ما تقوم به الجارات ويختمن الجلسة بمديح من قمن بغيبتهن (والله أحبها هي مثل أختي).
نعود لبطل قصتنا الذي أثناء ما كان يسير في أحد أزقة المحلة المذكورة حيث شاهد ديكاً هراتياً أحمر وأصفر اللون يتبختر مزهواً بنفسه وحوله مجموعة من الدجاجات وكأنه هارون الرشيد وحوله الجواري، الدجاجات منشغلات في البحث عن الطعام والديك مشغول في النظر إليهن بهدف تحديد التي سيختارها ليقفز عليها.
أفسد صديقنا الشرطي كل مخططات الديك الشقي بعد أن سبقه هو بالقفز عليه والأطباق عليه بعد حصره في زاوية مغلقة وصراخ الديك والدجاجات يشق عنان السماء على أثر ذلك الدجاجات تفرقن هاربات في كل الاتجاهات في الزقاق ولسان حال الدجاجة المستهدفة يلهج بالشكر والثناء لهذا الشرطي الذي أنقذها من النوايا السيئة لهذا الديك الملعون الذي لا شغل شاغل عنده سوى التفكير بمثل هذه الأمور وهذا ديدنهم في حزب الديك, أيقنت بأنها كانت مستهدفة منه لتركيزه النظر عليها دون سواها, تصرفات (الشرطي) كان مثار استهجان النسوة الجالسات في الزقاق حيث نهضن مع تجمع الأطفال وهن مستغربات من تصرفاته هذه وبادرته على الفور إحداهن قائلة: ((ما هذه التصرفات الصبيانية... اترك الديك)).
أجابها بحدة وبغضب: ((لن اترك الديك لأنه يعود لي وقد فقدته منذ شهر وأنا أبحث عنه في كل مكان))
ديك وحوله الدجاجات تطورت الأمور فيما بينهما ووصلت إلى مرحلة الشكوى من قبل صاحبة الديك لدى المفوض الخفر في مركز شرطة آزادي والذي حاول إيجاد حل ودي بين الطرفين من خلال محاولة اقناع المشتكية بالتنازل عن شكواها وإقناع (الشرطي) بإعادة الديك الذي كان يضمه إلى صدره بقوة رافضا الإقرار بكونه لا يعود له أصلاً.
لقد كان الديك المسكين حائر مما يجري حوله ومستغرب من تصرفات هؤلاء الناس وهو ينظر إليهم وهم في تناحر وخصام ولسان حاله يقول: ((يا إنسان ألا تكتفي باستباحة حقوق جميع المخلوقات وتتجاوز على حقوق أبناء جلدتك )) المشكلة لدى الديك تكمن في كونه لا يستطيع التعبير عن رأيه ويحدد من هو مالكه الحقيقي والأمر سيان عنده فمصيره الذبح إن بقي لدى المرأة أو أصبح من نصيب الشرطي ويذكرني ذلك ببيت للشاعر عنترة بن شداد عندما خاطب حصانه قائلاً:
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلمي
محاولات القائم بالتحقيق (مفوض المخفر) كانت تصطدم بعناد (الشرطي) وإصراره على كون الديك يعود له بالرغم من تأكيد النسوة المرافقات للمشتكية بالاستحواذ على الديك وقطع الأحلام الوردية عليه كون الديك يعود لها لدى عرض أوراق الشكوى على قاضي التحقيق الخفر قرر توقيف الشرطي لمدة عشرة أيام وعرض أمره على قاضي التحقيق المختص....
بعد خمسة أيام من توقيفه تم إطلاق سراحه بكفالة شخص ضامن وفي اليوم المقرر لإجراء محاكمته قررت محكمة جنح أربيل ما يلي:-
*الحبس لمدة شهر واحد وفق أحكام المادة (446) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل.
* جواز تبديل العقوبة بالغرامة
*اعتبار جريمته جنحة مخلة بالشرف
*احتساب مدة موقوفيته من ضمن مدة الحكم
المحكمة المذكورة استندت في حكمها بهذا الشكل المخفف إلى ما جاء في المادة أعلاه لكونها جريمة سرقة بسيطة تبعاً لقيمة المال المسروق والذي لا يزيد على الدينارين واعتبار ذلك عذراً مخففاً يجيز كذلك للمحكمة أن تحكم بالغرامة، ولزيادة الاستفادة ندرج فيما يلي نص المادة (446) عقوبات (يعاقب بالحبس على السرقة التي تقع في غير الأحوال المنصوص عليها في المواد السابقة، ويجوز تبديل العقوبة المقررة في هذه المادة بالغرامة التي لا تزيد على عشرين ديناراً إذا كانت قيمة المال المسروق لا تزيد على دينارين).
ولفظة الحبس وردت بشكل مطلق بما يسمح للمحكمة أن تحكم بالمدة التي تقررها على ضوء الظروف التي تصاحب جريمة السرقة البسيطة فمن يسرق بدافع الحاجة ليس كمن يسرق بدافع لعب القمار أو التردد على محلات الدعارة كما يمكن للمحكمة أن تأخذ بعين الاعتبار ظروف الزمان والمكان التي تقع فيها السرقة وسن الجاني.
المشرع فيما بعد جعل الحد الأدنى لعقوبة السرقة خمس سنوات حبس بموجب القرار الصادر من مجلس قيادة الثورة الرقم (38) في 27/2/1993 أي الحد الأعلى للحبس في جرائم الجنح، يبدو بأن بطل قصتنا قد فتح شهيتنا للحديث عن جريمة السرقة التي قام النظام العراقي السابق بتشديد عقوبتها بعد فترة من اندلاع الحرب العراقية الايرانية في عام 1980 حيث وصلت عقوبتها في بعض الحالات إلى الإعدام كما هو الحال بالنسبة للمادة (440) ق.ع عند اجتماع أربعة ظروف مشددة فيها للأسباب التالية:
1- لقد بررت السلطة العراقية إجراءاتها في تشديد عقوبة جريمة السرقة من خلال تحميل مسؤولية ذلك لتقدير المشرع العراقي للظرف الذي يمر به العراق وهو الحرب العادلة ضد العدو الإيراني, حيث تطلب هذا الظرف تواجد معظم الرجال في جبهات القتال مما يستوجب توفير الحماية الكافية لعوائلهم, كما أنه يجب أن ينصرف الجميع إلى هذا الواجب الوطني القومي وهو رد العدوان لا أن ينحدر البعض في هاوية الجريمة ويستغل هذا الظرف للكسب والاستحواذ على أموال الآخرين بطريق غير مشروع وغير شريف.
2- تزايد أعداد مرتكبي جرائم السرقات والسلب تبعاً للظروف الاقتصادية السيئة التي رافقت واشتدت مع استمرار هذه الحرب الطويلة التي استغرقت ثمانية سنوات عجاف
3- سوق أغلب الشباب ولعشرة مواليد أو أكثر في بعض الأحيان إلى الخدمة العسكرية وتدني الموارد المالية عندهم من جراء تركهم لأعمالهم التي كانوا يمارسونها قبل الالتحاق بالخدمة العسكرية الالزامية وبخس الرواتب التي كانوا يتقاضونها في الخدمة العسكرية.
4- لجوء البعض من العسكريين إلى ارتكاب الجرائم المخلة بالشرف ومنها السرقة أو الجرائم المخلة بالأخلاق من أجل التخلص من الخدمة العسكرية ومخاطرها المستمرة وتداعياتها في حصد الأرواح وإعاقة وأسر وفقدان الكثيرين من المشتركين في هذه الحرب الطاحنة ولجوء البعض الآخر من العسكريين إلى إطلاق النار أو اسقاط أنفسهم من اماكن مرتفعة من أجل إحداث عاهة في أبدانهم وحواسهم مع إخفاء تعمدهم ذلك لكون هذا التصرف من قبل العسكري يعتبر جريمة وهذا ما نص عليه قانون العقوبات العسكري رقم 13 لسنة 1940 والذي كان نافذاً اثناء الحرب العراقية الايرانية حيث ورد فيه:-
المادة (70-1) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات كل عسكري
أ- تمارض أو سبب في نفسه مرضاً أو عاهة.
ب- تعمد بنفسه أو سمح لغيره بتعطيل عضو من أعضاء جسمه أو من أعضاء عسكري آخر أو أوقع الضرر بنفسه عمداً أو بواسطة غيره ابتغاء أن يجعل نفسه أو غيره غير مؤهل للخدمة العسكرية
2- يعاقب المجرم بالإعدام اذا وقع الفعل حين مجابهة العدو
المادة(73) كل من شرع في الانتحار يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر
لم تكتفي الحكومة العراقية بتشديد العقوبات السالبة للحرية في جرائم السرقات بل خطت على نهج الشريعة الإسلامية وهو النظام العلماني حيث صدر قرار مجلس قيادة الثورة رقم 59 في 4/6/1994 والذي نص على تطبيق عقوبة قطع اليد على مرتكبي جرائم السرقة حيث نصت الفقرة (1) من القرار على أنه: ((يعاقب بقطع اليد اليمنى من الرسخ كل من ارتكب أياً من جرائم السرقة المنصوص عليها في المواد (445,444,443,442,441,440 ) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل مع قطع رجله اليسرى من مفصل القدم في حالة العود وعدم شمول مرتكبي جريمة السرقة وفق المادة (446) من القانون أعلاه بالقرار المذكور لكونها من الجرائم البسيطة, يشترط لتطبيق العود أن تكون الجريمتين من نوع واحد (السرقة) ودون تحديد فترة زمنية بين ارتكاب الجريمتين))
وفي موضوع ذو صلة أثار استغرابي تساؤل أحد أساتذة القانون الجنائي المعروفين وفي كتابه الموسوم بـ (شرح قانون العقوبات – القسم الخاص) مسألة عدم تطرق النص القانوني اذا عاد الجاني للسرقة مرة ثالثة فأكثر واعتبر ذلك نقصاً واضحاً يتطلب تدخل المشرع لمعالجته فهو لا يكتفي بقطع يد السارق اليمنى ورجله اليسرى وطموحه يمتد إلى بتر كافة الأطراف العليا والسفلى تبعاً لمرات العود وبالتأكيد سيكون رأسه مرشحاً للبتر في حالة العود للمرة الخامسة ولكنني على ثقة كاملة استحالة قيامه بارتكاب جريمة السرقة بعد بتر يديه وقدميه ولن يبقى لديه أية وسيلة للقيام بالسرقة إلا عن طريق فمه وأسنانه, استثنى القرار المذكور بعض الحالات من عقوبة قطع اليد وبالتالي من عقوبة قطع الرجل في حالة العود وهي:-
1- إذا كانت قيمة المال المسروق لا تزيد على خمسة آلاف دينار.
2- إذا حصلت بين الزوجين أو الأقارب إلى الدرجة الثالثة.
3- إذا كان مرتكب الجريمة حدثاً.
يا ترى هل توقفت إجراءات السلطة في تشديد العقوبات على مرتكبي جريمة السرقة عند هذا الحد؟
بالتأكيد سوف يكون الجواب بالنفي حيث أصدر مجلس الثورة قراره المرقم (109) في 18/8/1994 والذي تضمن فرض العقوبات التبعية لجريمة السرقة من خلال وشم بين حاجبي كل من قطعت يده عن جريمة يعاقب عليها القانون بقطع اليد بعلامة ضرب يكون طول كل خط من خطيها المتقاطعتين سنتمتر واحداً وعرضه ملمتراً واحداً والحجة في ذلك لتمييز مرتكبي جريمة السرقة عن غيرهم ممن قطعت أيديهم بسبب مرض أو حادث غير إجرامي أو معوقي الحرب لغرض تمييز المجرم عن غيره من الأفراد في نظر المجتمع.
هنا يدور في بالي ويحق لي أن أتساءل في أمرين:-
أولهما: حتمية اقتراح واختراع عقوبات جديدة أخرى في هذا المجال لا تخطر على بال أحد سوى مشرعيها لو بقي النظام السابق ولم ينتهي في بداية عام 2003 على يد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيهما: كيف سيكون الحال لو طبقنا عقوبة قطع الأطراف على السراق والفاسدين الذين جاءوا لسدة الحكم بعد نهاية النظام السابق وليومنا هذا، لا نجانب الصواب إذا ذكرنا بأن معظمهم سيصبحون بدون أطراف وربما يمتد البتر إلى أعضائهم الأخرى وعند البعض منهم لا تكفي فيصار إلى الاستدانة من أحد أقاربهم أو شركائهم في الفساد والسرقة.
استميحكم عذراً لقد أطلت عليكم الحديث عن هذه القصة الحقيقية والتي أدخلت عليها بعض التعديلات الجمالية من خيالي لكي لا يكون دور الديك هامشياً وتشريفياُ.
بناية مديرية شرطة محافظة أربيل القديمة والتي بنيت في عام 1937 والتي كانت تضم جميع دوائر الدولة فيها
نهاية المطاف بعد ورود قرار الحكم من المحكمة المذكورة إلى مديرية شرطة محافظة أربيل/ الدائرة القانونية، وكنت حينها برتبة رائد وبمنصب معاون مدير الدائرة القانونية, وبعد مرور شهرعلى صدوره واكتسابه للدرجة القطعية، صدر قرار بالعقوبة التبعية يقضي بطرده من مسلك الشرطة استناداً لحكم المادة (30/1/ب) من قانون العقوبات العسكري رقم (13) لسنة 1940 المعدل والتي نصها كالآتي:
((30-1- يجب الحكم بالطرد في الحالات التالية:-
أ- عند الحكم بالإعدام أو الحبس مدة ثلاث سنوات أو أكثر
ب- عند الحكم بجرائم مخلة بالشرف كالتزوير والاختلاس والسرقة وخيانة الأمانة والاحتيال وشهادة الزور واليمين الكاذبة والرشوة))
انتهت القصة مع انتهاء الشرطي من الخدمة في مسلك الشرطة وحضوره إلى داري بصحبة والديه شاكرين لي ما بذلت من جهود كانت سبباً في إدخال السرور والبهجة إلى نفوسهم والتي اتمناها أيضاً لقرائي الأعزاء الأفاضل.