العراقيون يرحبون بعودة الأمريكان!
منذ 4 ساعات
جاء انتشار صور وفيديوهات القوات الأمريكية وهي تتجول متمتعة باسترخائها ببغداد، وبالتحديد في شارع المتنبي، قلب العراق الثقافي، إعلانا رسميا بأن الإدارة الأمريكية، لم تعد ترضى بفكرة التواجد المستور وأنها تصرخ بأعلى صوتها، معلنة عن حضورها العسكري المباشر بالإضافة إلى مرتزقة الشركات الأمنية.
وكانت زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى بغداد، نهاية العام الماضي، بدون الاتصال أو التواصل أو لقاء أي مسؤول عراقي، هي خطوة رسمية بحرق ذريعة المساعدة والتواجد» كمستشارين ومدربين»، والانتقال إلى مرحلة مطالبة المسؤولين العراقيين بالإقرار بفضل أمريكا في « التحرير» سواء عام 2003 أو 2017، خاصة وأن أمريكا، بمنظور الإدارة الأمريكية، سابقا وحاليا، تدفع الثمن غاليا بأرواح جنودها وأموال دافعي الضرائب. وتأتي المطالبة بدفع التكلفة وإلا… الموجهة إلى النظام العراقي مماثلة لمطالبة أو إنذار السعودية بدفع تكلفة حمايتها وإلا… الرسالة الموجهة إلى عديد دول العالم، تشمل النظام العراقي ومفادها أن هذه الخدمات ليست مجانية والولايات المتحدة الأمريكية ليست جمعية خيرية مسجلة عند هذا النظام أو ذاك.
هذه الشروط الواضحة وأهمها القبول بالحضور العسكري العلني وإعادة فتح المعسكرات وزيادة عدد القوات، وتصريح الرئيس ترامب، منذ يومين، بأننا لن نغادر العراق، يشكل نقلة نوعية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية وهي مختلفة عن سياستها أثناء رئاسة باراك أوباما، التي ركزت على استثمار «القوة الناعمة» والعمليات الخاصة والقصف الجوي، والاكتفاء بأكبر سفارة في العالم ومستخدمي الشركات الأمنية الخاصة (المرتزقة) وعدد محدود من القوات العسكرية، كما كانت مسترخية في نظرتها إلى الواقع العراقي كساحة للنزاع أو الاقتتال مع إيران نتيجة توقيعها الاتفاق النووي، الذي قام الرئيس ترامب بإلغائه وإعادة فرض العقوبات عليها، وها هو يقول للعالم (متجاهلا الساسة العراقيين)، إنه يريد مراقبة إيران من القاعدة الأمريكية، باهظة الثمن، من العراق.
فما هو موقف الساسة العراقيين؟ إن إعلان الإدارة الأمريكية عن الحاجة إلى إقامة معسكرات إضافية وشروعها بذلك فضلا عن نشر أو تسريب صور وأفلام العسكريين الأمريكيين في أرجاء مختلفة من العراق، بالإضافة إلى بغداد، أخذ الساسة العراقيين وقادة الميليشيات على حين غرة وأحرجهم لأنه مزق الغشاء الذي طالما تستروا به حول السيادة والنفي المطلق حول وجود القوات الأمريكية. فمن منا لا يتذكر تصريح رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، مؤكدا: «لا يوجد أي جندي أمريكي مكلف بمهمة قتالية في العراق»، في الوقت الذي كانت القوات موجودة في قاعدة القيارة العسكرية الجوية، جنوب مدينة الموصل، ومن منا لا يتذكر تصريح معظم المسؤولين وقادة ميليشيا الحشد بأن الانتصار على مقاتلي «الدولة الإسلامية» (داعش) تم بأيدي قوات الحشد بينما تجاوز عدد غارات التحالف الجوية، بقيادة أمريكا، على مدينة الموصل لوحدها 12 ألف غارة بين يونيو/حزيران 2014 إلى 2017، فقط، وسببت مقتل آلاف المدنيين.
- اقتباس :
اليوم تتعالى أصوات السياسيين، من شيعة وسنة، وبقومياتهم، مشاركين في إطلاق صيحات الوطنية والحرص على «السيادة» والنزاهة
اليوم، تتعالى أصوات السياسيين، بقضهم وقضيضهم، من شيعة وسنة، وبقومياتهم، مشاركين في إطلاق صيحات الوطنية والحرص على «السيادة» والنزاهة.
وبينما تتصاعد حمى الخطاب الشعبوي إلى أقصى درجات التهديد والوعيد عند قادة الميليشيات المدعومة، إيرانيا، والتي باعتراف أبو مهدي المهندس، نائب رئيس ميليشيا الحشد الشعبي، لم تمس قوات الاحتلال الأمريكي سابقا، يسارع الساسة السنة، بمساعدة أجهزة إعلامهم، إلى الترويج بأن العراقيين يرحبون بعودة الأمريكان. ولا يكتفون بذلك، بل هناك من بات يروج لتصريحات «مسؤولين» أو «مصادر مطلعة» أن «الشارع السنّي يرحب تمامًا بالقوات الأمريكية وانتشارها في مختلف المدن والمحافظات السنية».
وإذا كانت ميليشيا الحشد (حسب ادعائها) قد هادنت قوات الاحتلال وسكتت على وجودها بذريعة محاربة الإرهاب أي «داعش»، وانتظر قادتها إلى أن قامت أمريكا بوضع عدد منهم ضمن قائمة الإرهاب، كما حدث للمهندس، فانقلبوا عليها، أو إلى أن بلغتهم الجهة الداعمة ـ إيران، بوجوب تغيير دفة المسار، فإن الساسة «السنة» المشاركين بالعملية السياسية، ومن يدعون تمثيل «الشارع السني»، كما ساسة الأديان والقوميات الأخرى، من أدعياء التمثيل للشعب بعد تفتيته، وجدوا ملاذهم في أحضان التفاوض السري مع المسؤولين الأمريكيين، بذريعة التخلص من النفوذ الإيراني، ليسقطوا أبناء الشعب في هوة «أما… أو» متناسين بانتقائية لا مثيل لها جرائم المحتل الأمريكي ومسؤوليته في مأسسة التمزيق الطائفي والفساد.
إن الاستنجاد بقوات الاحتلال الأمريكي، أو قوات ولاية الفقيه، بعد أن أثبتت الـ 16 سنة الأخيرة، بما لا يقبل الشك، رغبة كل منهما بالدفاع عن مصالحه وحل نزاعاته، على أرض العراق، جريمة لا تغتفر يرتكبها ساسة العملية السياسية على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم ضد العراق، ونتيجتها الحتمية تقديم أهله قربانا لصراع ابتلع حتى الآن، حياة ما يقارب المليون مواطن. كما أن النداءات والحركات الاحتجاجية المطالبة بالإصلاح لم تعد ذات فاعلية بل وباتت أداة يتم تسخيرها لصالح النظام وتخفيف الضغط عليه، بحكم توجهها نحو الاحزاب ذاتها المنغمسة بالفساد، خاصة مع هيمنة ميليشياتها على الشارع واختطاف أو قتل كل من يجاهر بالاحتجاج. وإذا كان دعاة «الاحتجاج المطلبي» المشاركين في اللعبة السياسية نفسها قد نسوا اختطاف الناشط جلال الشحماوي، وعدم العثور عليه حتى اليوم، من بين آخرين، ها هم يعاد تذكيرهم بجريمة اغتيال الروائي والباحث د.علاء مشذوب، عصر السبت، في مدينة كربلاء، حيث اخترقت جسده 13 طلقة. والجريمة التي ارتكبها: التذكير بمصاب العراقيين، وأهل مدينته التي عشقها، جراء الطائفية والفساد المستشري.
كاتبة من العراق