العراق: شيوعيو الخارج ضد رفاقهم في الداخل
العربي الجديد/بغداد ــ زيد سالم:لم تعد الخلافات السياسية في العراق مقتصرة على الحركات والتيارات الدينية والقومية، بل امتدت أخيراً إلى أقدم الأحزاب العراقية وأقلها ارتكاباً للأخطاء في المرحلة السابقة وهو الحزب الشيوعي العراقي، الذي يواجه خطر خسارة كوادره القديمة المقيمة في الخارج كفرنسا وبريطانيا بسبب خلافات حادة مع القيادات الموجودة داخل العراق حول طريقة عملهم الحزبي، وما يسمونه "مغامرتهم الأخيرة بالتحالف مع تكتل طائفي راديكالي يمتلك مليشيات مسلحة" في إشارة إلى تيار مقتدى الصدر.
وبعد الخلافات التي طفت على سطح حزب الدعوة، بزعامة نوري المالكي، ومن قبله الحزب الإسلامي الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في العراق، وكذلك منظمة بدر وحزب الاتحاد الكردستاني، وجد الحزب الشيوعي العراقي نفسه أمام خلافات حادة. ولكنْ، في هذه المرة وقعت الخلافات بين كوادره المقيمة في الخارج، ممن تطلق عليهم تسمية "المناضلين"، وبين القيادات العاملة بالداخل العراقي. "المناضلون" اكتسبوا لقبهم بفعل معاندتهم نظام صدام حسين في فترة سابقة، واعتُقل منهم آلاف وأُعدم المئات منهم في مقابر جماعية وفي داخل السجون كما حصل في سجن أبو غريب، وسجن الحلة المركزي منتصف نهاية ستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضي، من التعذيب والجوع على يد البعثيين.
واختلف شيوعيو الخارج مع رفاقهم في الداخل على أسس عدة، منها طريقة إدارة الحزب لذاته وانتخاباته الداخلية لما يُعرف بـ"الخلايا"، فضلاً عن التحالف الذي حصل مع رجل الدين مقتدى الصدر، والدخول إلى البرلمان معاً في انتخابات مايو/ أيار الماضي. هنا، رأى الأعضاء من الخارج في أوروبا وأميركا وأستراليا، أن "قيادة حزبهم القديم لا تراعي مصالح وأهداف الحزب الأساسية، ومن ضمنها، المحافظة على الهوية المدنية والوطنية". كما أبدى البعض اعتقادهم بأن "الاتحاد مع الصدريين خطأ وتلوّث أصاب تاريخ الحزب، في حين لا تكترث قيادة الحزب في بغداد، متمثلة في سكرتيره العام رائد فهمي، والرجل الثاني فيه جاسم الحلفي، لأصوات واعتراضات الأعضاء في الخارج".
عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي جهاد جليل، كشف لـ"العربي الجديد"، عن "خلافات عميقة داخل الحزب بين أعضائه وقيادتهم، لأن الأعضاء بغالبيتهم يعترضون على سياسة الحزب في التعامل مع تحالف سائرون، لكن حجة المندفعين مع التحالف السياسي، أنهم سيحققون مرحلة جديدة للعراق في ما يتعلق بمكافحة الفساد وإنهاء المحاصصة وتقديم الخدمات. مع العلم أن أربعة أشهر قد مرّت، لغاية الآن، على الحكومة ولم يتمكن التحالف، وهو الأكبر في البرلمان، من تحقيق أي بند من برنامجه السياسي الذي طرحه قبل الانتخابات في مايو/أيار الماضي". ولفت إلى أن "الحزب الشيوعي للأسف اشترك مع باقي الأحزاب الإسلامية والفاسدة، في مهزلة الصفقات السياسية، في ما يتعلق باختيار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والوزراء في الحكومة الجديدة، وأعضاء الحزب داخل العراق وخارجه يشعرون بخيبة أمل".
وذكر أن "الحزب الشيوعي أضاع من بين يديه فرصة ذهبية، لتحقيق فوز سياسي بالغ الأهمية، حين انتهى تأثير الأحزاب الإسلامية واتضح فشلها بعد عام 2014، واحتلال تنظيم داعش للعراق، وكان من المفترض أن تجتمع كل الأطراف المدنية والعلمانية، والاتحاد ضمن جبهة واحدة. مع العلم أن الأجواء الشعبية كانت كلها تدعو للمدنية، إلا أن الحزب الشيوعي قرر الاتحاد مع الصدريين، وهذا أمر مؤسف".
بدورها، أكدت مصادر من داخل الحزب الشيوعي أن "سكرتير الحزب رائد فهمي وقياديين مثل جاسم الحلفي وياسر السالم وإبراهيم الخياط، لا يكترثون لأصوات المعارضين، حتى أن الحوارات المتشنجة التي أُجريت بين أعضاء الحزب الغاضبين من التحالف مع الصدر، كانت نهايتها استقالة هؤلاء من الحزب بسبب البرود الذي لم يستوعبوه من قادتهم الحزبيين".
وأوضحت لـ"العربي الجديد"، أن "قيادة الحزب تعتبر أن معارضيها في الخارج غير منتمين تنظيمياً للحزب، وبالتالي فإن انتقاداتهم لا تمثل آراءً حزبية وإنما شخصية ليست ذات أهمية، ولكن بطبيعة الحال إن الأعضاء في الخارج يمثلون الضغط الأكبر على الحزب، كونهم من المناضلين السياسيين القدامى، ولهم علاقات بالأحزاب الأخرى، إضافة إلى تأثيرهم الثقافي وأسمائهم المعروفة".
بدوره، كشف فهمي لـ"العربي الجديد، حقيقة الخلافات داخل صفوف حزبه، قائلاً إن "الأمر طبيعي؛ فلكل حزب منتقدون لسياسته وسير عمله، وهو أمر صحي في حقيقة الأمر، ولكن هناك مبالغات بأعداد الشيوعيين المعارضين للتحالف مع سائرون والخطوات السياسية التي تبنّاها الحزب"، لافتاً إلى أن "الحوارات لا تزال مستمرة بين القيادة الحزبية والأعضاء. ولكل جهة رأي، ولكننا ملتزمون بمنهجنا السياسي الإصلاحي".
من جانبه، رأى الأستاذ بكلية العلوم السياسية في جامعة بغداد محمد العبدلي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب الشيوعي وخلال مسيرته التاريخية التي تمتد لأكثر من ثمانين عاماً شهد انشقاقات عدة داخل صفوفه؛ ففي نهاية ستينيات القرن الماضي حدث أول انشقاق، وظلّت نظرية التخوين والتعامل مع الحكومة ضد ما كانوا يسمون بالمكافحين، إلى سبعينيات القرن الماضية وبداية الثمانينيات. بالتالي، فإن الخلاف الشيوعي ـ الشيوعي ليس جديداً"، مضيفاً أن "أعضاء الحزب الذين يقطنون حالياً في بلدان العالم المتفرقة، يعتقدون أنهم أحق من رائد فهمي وجاسم الحلفي بإدارة الحزب وشؤونه وتوجهاته، وهذا الأمر حاصل منذ سنوات، إلا أن الخلاف برز بعد اتحاد الشيوعيين في العراق مع التيار الصدري، الذي يعتبره شيوعيو الخارج تنظيماً متطرفاً، خصوصاً وأن محمد صادق الصدر، وهو والد مقتدى الصدر، كانت له مواقف سلبية جداً من الشيوعيين".
وأشار إلى أن "الشيوعيين في بغداد اتفقوا مع سائرون على أنهم سيعملون تحت مظلة مقتدى الصدر، وهذا ضد أيديولوجية الخط الشيوعي. كما لفت أعضاء الحزب في الخارج، إلى أن جماعة سائرون سرقت الصفة المدنية من الحزب الشيوعي، وهذا الهدف من الاتحاد معها، وإلا فإن قيادة سائرون لا تكترث نهائياً لمشورات الشيوعيين، وهم لا يشكلون أهمية في جبهة الصدر السياسية وما تملك من مقاعد في البرلمان مقارنة بالمقعدين للشيوعي". تجدر الإشارة إلى أن تحالف "سائرون" يملك اليوم 54 مقعداً في البرلمان، وحصة الحزب الشيوعي مقعدان اثنان.