"العبقري مصطفى جواد عاشق اللغة العربية وحارسها، وصاحب قل ولا تقل، ذاكرة باقية في وجدان العراقيون"
[size=32]"العبقري مصطفى جواد عاشق اللغة العربية وحارسها، وصاحب قل ولا تقل، ذاكرة باقية في وجدان العراقيون"[/size]
تعتبر اللغة العربية من أهم اللغات في العالم وأكثرها انتشارا، وتكتسب اللغة العربية أهميتها من أنّها لغة القرآن، وهي اللغة التي تقوم بها سائر العبادات، وهي أيضا لغة رئيسية لدى العديد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، وكتب بها الكثير من الأفكار اليهودية في العصور الوسطى، حيث صارت افصح من كل اللهجات التي كانت سائدة في الجزيرة العربية وباقي البلدان كالعراق والشام ومصر، واصبحت الآن لغة أكثر من 23 دولة.
لم تعرف اللغة العربية النحو والصرف، بل كانت لغةً محكيةً متمرسة بالسليقة والفطرة لأبن الجزيرة العربية، وتثريها بيئته بكل ما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع اتساع رقعة البلاد التي سيطر عليها المسلمون، وشروعهم في مشروع دولةٍ فعلي، كثُرت مراسلاتهم، كما قادت الفتوحات شعوبًا لم تعرف العربية لتصبح جزءًا من المجتمع العربي، فأصبحت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفاظًا عليها مما يداخلها ايام الخلافة العباسية. لم يكن ذلك ممكنًا لولا وجود قائمةٍ من علماء اللغة العربية الذين أسهموا في بناء الصرح البديع للغة العربية، ووضعوا قواعده وشيدوا بنيانه، وقفوا حياتهم للحفاظ عليها من الشوائب التي قد تخالطها. وهم: ابو الأسود الدؤلي والفراهيدي وسيبويه والجاحظ والكسائي وابن جني والجوهري والزمخشري وابن مالك وابن منظور وابن آجروم والجرجاني والاصمعي والمبرد وابن خروف ومجد الدين الفيروزآبادي وابن عقيل وبن سيده والجزولي، وهم الذين نحتوا اللغة وضبطوها وطوروها حتى لا يصيبها الجمود ثم نشروها، انها لغة محفوظة وقابلة للبقاء والإثراء مهما كانت التحديات التي تشخص أمامها، لغة جميلة باقية الى يومنا هذا، لانها مرتبطة أكثر من اللغات الأخرى بالكيان العربي نفسه، بالذات العربية نفسها، بحالة الارتباط النفسي للفرد العربي والعقلية العربية التي تشكلها.
في يوم هادىء في ساعت الصبح، جلست مع الاصدقاء، في مقهى السافويا وعلى ضفاف بحيرة الممزر في الشارقة، كان المقهى.. هو مكان اللقاء والحوار.. لم يكن مجرد مكان جميل يصلح للجلوس وقضاء الوقت.. بل ان المقهى هو للاستمتاع والتأمل من شرفته الامامية لفضاء البحيرة من سماء زرقاء وهواء عليل، ومنها ينطلق حديث الحوار حول شؤون بلدنا ومتابعة احداث الساعة وغيرها، طرح احد الاصدقاء بعد قرائته لمقالاتنا حول علما اللغة والشعر في العراق في القرن العشرين وهم الكرمي والاثري والزهاوي والرصافي،
واقترح ان نكتب عن احد فرسان لغة الضاد العالم الدكتور مصطفى جواد، كما هو حال اللغويين العرب القدامى، والذي كان شغفه اللغوي وهيامه باللغة العربية قاده ان يكون من اقطابها واحد البارزين بها في القرن العشرين على المستوى العراقي والعربي، من النادر ان يجود الزمن بمثله، لاقى اقتراحه تشجيع الآخرين، وبدأ القلم يشق طريقه لتحقيق ذلك، عن عاشق اللغة العربية واحد جهابذتها تحدثاً وكتابة، وهو المعروف بالدقة والموضوعية في كل ما يقول او يكتب، وهو شاهد على القرن العشرين منذ ولادته وحتى موته، وفي مقالنا هذا سنقدّم لكم الدكتور مصطفى جواد.
[size=32]الولادة والاصول والثقافة:[/size]
انجبت بغداد أعلاما في السياسة والفكر والعلم والأدب بينهم مصطفى جواد، ولد مصطفى جواد عام 1904 من ابوين تركمانيين من عشيرة سرايلي وسرايلي تركمان من الصرايلو في محلة شعبية اسمها عقد القشل في الجانب الشرقي من بغداد، وهي المأمونية ايام بني العباس بجوار جامع المصلوب، كان جده مصطفى بن ابراهيم ينظم الشعر بالتركية، ووالده جواد امي خياط يتكلم بالتركية، كما يتكلم بالعربية العامة، وأصل أسرته من (قرة تبة) احدى نواحي محافظة التأميم(كركوك).
ومن بغداد مسقظ رأسه، انتقل مع ابيه الى دلتاوة(الخاص) ودخل كتاب(اللملة صفية) لتعليم الابجدية وحفظ القرآن، ثم دخل الابتدائية في (دلتاوة) واستمر بها حتى دخول جيش الاكليز لبغداد شتاء 1917، ثم لم يلبث ان توفي والده، عاد إلى مسقط رأسه بغداد بعد الاحتلال البريطاني للعراق فكفلهُ أخوه (كاظم بن جواد) وكان يعد من أدباء بغداد في التراث الشعبي، واستفاد من رعاية اخيه له الذي برع في العلوم العربية، وهو الذي أسهم ببناء قاعدة العشق اللغوي في شقيقهِ، ونشأ في بستان لأسرته واغرم بحياة الريف في دلتاوة، عاد الى بغداد كتلميذ في المدرسة الجعفرية الاهلية عام 1918 ويتركها فيما بعد بسبب الفاقة، ويستقر في مدرسة باب الشيخ الرسمية، ثم يرحل من بغداد الى دلتاوة ويكمل دراسته الابتدائية في مدرستها، لم يستفد من المدرسة الابتدائية فائدة كبيرة، بل بفضل اخيه وجهده الذاتي وبتشجيع من احد اساتذته الذي اعجب به في المدرسة الجعفرية من دخوله الى دار المعلمين الابتدائية، فجرى قبوله بامتحان ظهر تفوقه فيه وصار في عداد الصف الاول في دار المعلمين الابتدائية عام 1921م، وفي هذه الدار التي امضى فيها ثلاث سنوات منذ 1921، لفت نظر العلامة طه الراوي، فعني به وشجعه على استمرارية الحفظ من الشعر والرواية والنصوص الادبية وبعض الكتب، و مدير الدار عز الدين الناصري الذي عهد اليه وهو طالب في الصف الثالث بأن يقوم مقام اخيه بتدريس العربية في مدرسة التطبيقات الابتدائية، في حالة غياب اخيه، ودرس عدة ساعات، وكذلك الاستاذ ساطع الحصري، حيث أهداه قلماً فضياً بعد ان وجد قابليات تلميذه تتجاوز عمرهُ الفتي بمراحل، وكانوا يقولون له:
أنت أفضل من أستاذ..
فهو يكمل عجز البيت الشعري اذا توقف الأستاذ عن ذكرهِ، ويحلل القصيدة ويتصيد الأخطاء ويشخص المنحول بقدرة استقرائية غير مستعارة من أحد، وفي دار المعلمين الابتدائية تألفت لديه ذخيرة حببت اليه آداب اللغة العربية وقويت عنده الرغبة في دراستها وحبيت اليه تتبع التاريخ الاسلامي والتعمق في التاريخ العربي وتاريخ العراق في العصور الاسلامية بصورة خاصة كما نشر شعرا مدرسيا، وكان خطيب المدرسة في السنة الثالثة وشارك في التمثيل، ولعل ما حصل عليه من رعاية وعناية في دار المعلمين الابتدائية، اضافة إلى ما لاقاه من الرعاية نفسها في المدرسة الجعفرية الابتدائية من قبل قد مكنته من بلورة اهتماماته الثقافية وتحديد اتجاهها، كما وسعت من أفقه ومحيط دائرة اهتمامه.
عين مدرساً للمدارس الإبتدائية عام 1924م، ومارس التعليم في المدارس تسع سنوات (1924- 1933)م، متنقلاً بين محافظة الناصرية والبصرة والكاظمية والخالص، ثم عاد الى بغداد وعمل كاتب تحريرات في وزارة المعارف.
خلال سنة 1925 تعرف بالعلّامة اللغوي الأب أنستاس الكرملي وكان للكرملي مجلس أدب ولغة في الكنيسة اللاتينية يؤمه أدباء الدرجة الأولى في بغداد، فلازمه واستفاد من خبرته وعلمه وفضله، وكتب في مجلة (لغة العرب)، كذلك اعانته مكتبة الكرملي العامرة بالكتب المخطوطة والمطبوعة والنادرة بالاضافة الى امهات الكتب والمراجع المعروفة، وظهر نتاجه في مجلة العرفان اللبنانية وجريدة العراق والعالم العربي، ونشر بعض البحوث النفسية في مجلتي سومر والمقتطف، كما تولى نقد الكتاب الذي وضعه روفائيل بطي ابو اسحق لقواعد اللغة العربية، والذي اقرته وزارة المعارف تدريسه في المدارس الابتدائية، وقال في خاتمة نقده"ان ثلاثين غلطة كافية لقتل لغة القرآن الكريم، فكيف بكتاب كله اغلاط"، كما عالج نظم رباعيات الخيام بالعربية عام 1930، ونظم شعراً سياسياً واجتماعياً.
كانت حياة مصطفى جواد بعد تخرجه واشتغاله بالتعليم نحو طلب العلم وتحصيله، فحقق وكتب وبحث قبل ان تتهيأ له مواصلة دراسته، فاشتهر وذاع اسمه، فرشحته وزارة المعارف لبعثة علمية سنة 1934 للتخصص من امريكا، الا انه وجد ان الطريق طويلا، فغير وجهة بعثته الى فرنسا، وسافر الى القاهرة، في كلية الآداب لتعلم مباديء اللغة الفرنسية، ثم سافر الى الى السوربون لنيل الشهادة، وفي باريس عام 1934، جوبه بصعوبة تعادل شهادته التي نالها في دار المعلمين الابتدائية ببغداد، فاستعان بمستندات علمية هي بعض جهوده في النشر والتأليف وترجمها إلى الفرنسية بمساعدة المستشرق المعروف «لويس ماسنيون»، فقبل في كلية السوربون لاعداد الدكتوراه فاختار موضوع «سياسة الدولة العباسية أواخر عصورها» بمساعدة زوجته الفرنسية، تفتحت له آفاق جديدة من حيث الدراسة الواسعة وتنوع المصادر بالاضافة الى تعرفه للعالم القزويني الذي كان يعيش هناك، حيث الذي عرفه، واتخذ من بيته ومكتبته الغنية مجلساً يؤمه، اكمل دراسة الدكتوراه عام 1939 بالفرنسية ، لم تتهيأ له الفرصة دون ان يتمكن من من الدفاع عن رسالته العلمية بسبب الحرب العالمية الثانية، ولا تزال هذه الرسالة العلمية بعيدة عن الباحثين والقراء العرب والمسلمين ، كانت الفترة الباريسية التي أنهتها الحرب العالمية الثانية سنة 1939، من أخصب سنوات عمره. فلقد حقق كشوفات علمية أعلنها في مجلة البحوث الاسلامية لوزارة المعارف الفرنسية سنة 1938.
استدعي لأداء خدمة الاحتياط، ثم عين استاذاً في دار المعلمين العالية، ثم دعي لتعليم الملك الصغير فيصل الثاني من القراءة الخلدونية، كما اشرف على الاساتذة المختصين بتدريس الملك الأدب العربي،
تداول البعض وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لوثيقة نادرة لدرجات التقييم للملك فيصل الثاني(1944-1945) موقعة من قبل العلامة ومؤرخ اللغة العربية مصطفى جواد، ولصعوبة الجمع بين التدريس في دار المعلمين العالية وبين تعليم الملك الصغير، نقل الى مديرية الآثار ثم اعيد الى التدريس في دار المعلمين العالية التي اصبحت كلية التربية بعد تأسيس جامعة بغداد ثم ندب لتأسيس معهد الدراسات الاسلامية وانيطت يه عمادته حتى عام 1963، اعيد الى كلية التربية ومرض بعد ذلك فاعفي من التديس واصبح استاذا متفرغا عام،1967، من المناصب العلمية المناصب العلمية التي تقلدها، حيث اختير عضو المجمع العلمي العراقي عام 1949، اصبح نائبا لرئيس المجمع العلمي عام1953،واسهم في تحرير المجمع العراقي منذ 1950، وعضو المجمع العلمي العربي في سوريا، كما ساهم في تحرير مجلة المجمع العلمي العربي، وانتخب مراسلاً لمجمع اللغة العربية في القاهرة، كما شارك في المؤتمرات المختصة باللغة العربية.
بالرغم من اشتداد مرض القلب الذي ضل يعاني منة الى اخر حياتة واصل النشر والكتابة والبحث، وعند اشتداد المرض عليه اشعر وقال:
رشحتني الاقدر للموت ولكن***اخرتني لكي يطول عذابي
ومحت لي الآلام كل ذنوبي***ثم اضحت مدينة لحسابي
توفي الدكتور مصطفى جواد بتاريخ (17-1-1969) وكان لموته أثر كبير وحزن عمّ اصدقاؤه وتلاميذه ومن انتفع لعلمه والأوساط العلمية والأدبية كالمجاميع العلمية واللغوية، سار في تشييعه في بغداد رئيس الجمهورية العراقية أحمد حسن البكر والفريق صالح مهدي عماش نائب رئيس الجمهورية وبعض من قادة الدولة والوزراء، وفي النجف ثم ووري الثرى فكان قبره في بداية شارع كربلاء العام يضم بعض من أعلام الحضارة في العراق في القرن العشرين، وأقيمت في الذكرى الأربعينية لوفاته حفلة تأبينية كبرى حضرها مندوب عن رئيس الجمهورية وعدد كبير من الوزراء والمسؤولين وشعراء الدول العربية والإسلامية وجمهور غفير من أصدقائه وطلابه ومحبيه، ثم نظمت وزارة الثقافة والإعلام معرضا يضم مخلفاته وآثاره الشخصية والعلمية افتتح يوم 25 مارس 1970.
تبارى الشعراء في رثائه وبيان فضله، منها ما رثاه الشاعر مصطفى جمال الدين، ومما جاء في القصيدة وهي بعنوان (حارس اللغة):
ضاحٍ على وهج الحروف توقدا *** هيهات يُطفئ لمحَ عينيه الردى
ومحطمٌ سُدَفَ الخلود بروحه *** هل كيف يلقاهُ رتاجاً موصدا
يا حارس اللغة التي كادت على *** صدأ اللهى أن لا يرنّ لها صدى
هبّت عليها الحادثات فلم تدع *** غصناً بعاصف حقدها متأوّدا
فأقام محنتها على حيث إلتقى *** بيديه صحو الأمس يبلغها الغدا
كما رثاه الدكتور الشاعر زكي المحاسني بقصيدة طويلة مطلعها:
تلبس الروح فيك ثوب الحداد *** مصطفى يا بن خيرٍ وجوادِ
غير أنا نبكي إذا ما فقدنا *** علما كالجواد بعد الجهادِ
كان يسمو بطرفه نحو دار *** هي للعلم والحجى والسدادِ
عبقريا قضى السنين عليماً *** باعثاً للتراث دأب اجتهادِ
معجمي الآدابِ ألّف فيها *** كل سفر مخلد الأبراد.
اما الدكتورة عاتكة الخزرجي فقد كتبت الى روح استاذها جاء فيها:
مضى مصطفى فينا حميدا ومامضت***له الباقيات الصالحات الخوالد
مضى مصطفى لكن الى فيء رحمة***وظل رحيم يرتجي ويناشد
العلامة مصطفى جواد احد عباقرة اللغة العربية، علم عرفته الاقطار العربية والاسلامية، عرفته هذه الاقطار كعلم من اعلام القرن العشرين، وكان موسوعة
معارف في البلاغة والسبر والاخبار، وهو المؤرخ الجغرافي والموسوعي لتأريخ العراق، فعلاقته باللغة العربية علاقة وجودية، فرغم معرفته بكثيرٍ من اللغات الأخرى، فإن حرصه على اللغة العربية كان من منطلق هوياتي وتاريخي، ومن منطلق ثقافي لساني أدرك من خلاله أن هذه اللغة هي الفضاء والجسر والمقاومة والوعي، من الرواد البارزين في العراق الذين خدموا اللغة العربية وشغفوا بعلومها وأسّسوا قواعدها، معلماً وأديبا بارعاً، ومؤرخاً عبقريا.
كان الدكتور مصطفى جواد يعد التعريب الوسيلة الثانية من وسائل تنمية العربية بعد الاشتقاق، لسدّ حاجتها من المصطلحات العلمية والفنية، وحاجة العربية شديدة في هذا العصر إلى المصطلحات العلمية والفنية.
التعريب في الأصل أخذ الكلمة غير العربية وإحداث بعض التغيير اللفظي فيها بحسب ما يقتضيه النطق العربي من قلب أو تغيير، وصب الكلمة المستعارة في قالب عربي. وكان يرى في القرآن كلمات معربة فإن (الكلمة وإن كان أصلها من لغة أخرى فإنها إذا عرّبت في العربية واستعملها أهلها فقد صارت عربية كسائر ما تتخاطب عليه العرب من كلامها، لذلك جاز أن يخاطب الله بها العرب، لقد أجاز المجمع اللغوي المصري التعريب في قراراته الأولى بقوله (يجيز المجمع أن يستعمل بعض الألفاظ الأعجمية عند الضرورة على طريقة العرب في تعريبهم).
[size=32]مؤلفاته:[/size]
ترك الدكتور مصطفى جواد ثروة عظيمة من التآليف المطبوعة والخطية، منها ماوضعه بنفسه ومنها ما شارك فيها غيره، فضلاً عن الكم الهائل من التحقيقات والدراسات والبحوث والمقالات التي نشرها في عشرات المجلات العراقية العربية.
الحوادث الجامعة، سيدات البلاط الأموي، سيدات البلاط العباسي، سيرة أبي جعفر النقيب، المباحث اللغوية في العراق، تأريخ العراق،الأمير خلف واميرة الصين، بغداد في رحلة نيبور،عصر الامام الغزالي، الجامع الكبير وصناعة المنظوم في الكلام، خارطة بغداد قديما وحديثا مع درويش وأحمد سوسة، الأساس في الأدب مع بهجت الأثري وكمال إبراهيم، أمالي مصطفى جواد في فن تحقيق النصوص، دراسات في فلسفة النحو والصرف واللغة والرسم، أشعار النفوس بخلل(تاج العروس)، دليل خارطة بغداد المفصل مع الدكتور أحمد سوسة، قل ولا تقل، رسائل في النحو واللغة مترجمة عن الفرنسية، وترجم بغداد مدينة السلام تأليف البريطاني ريتشارد كوك، علق عليها الدكتور وشارك فى الترجمة الأستاذ فؤاد جميل (جزءان)، وهناك الكثير.
[size=32]شعره[/size]
له في هذا المجال ديوان شعر مخطوط (الكلام المنضم في الشعور المنسجم،كما كتل في القصة والرواية، والقصة الشعرية، كما نشر شعرا للتوجع والاثارة لمحمد عبد الكريم ايام محاربته الاستعمار الفرنسي منها مايقول:
قل لي اين الغضنفر سيقا***او لم يجد في العالمين شفيعا
وبعد وفاة شوقي كتب ابياتا قال فيها:
يا شعر غاض معينك الثرثار*** فاليوم روضاك قاحل مقفار
وانقض من فلك القريض ذكاؤه***فاليوم في الظلم الشديد يدار
[size=32]ما قيل عنه:[/size]
يقول الدكتور عناد غزوان احد الاساتذة الكبار في اللغة العربية عن العلامة الدكتور مصطفى جواد في مقدمة كتاب الضائع في معجم الادباء: "يقف مصطفى جواد علما بارزا من اعلام النهضة العربية في ثقافتنا وحضارتنا وفكرنا وتاريخنا الانساني فقد كان رحمة اللة عاشقا طبيعيا للحقيقة مخلصا لها تلك الحقيقة هي حبة العميق للغة العربية لغة الحضارة والفكر الانساني لم يُعرف عنه مدى حياته إلا طيبة النفس، ودماثة الخلق، والتواضع الجم"
قال عنه الراحل الدكتور صفاء خلوصي عميد الأدب العراقي:
"ان الدكتور مصطفى جواد مفخرة لكل العراقيين و كان اعجوبة الدهر ومعجزة الزمان في التاريخ واللغة، وكانت احواله اللغوية احيانا شبيهة بالغيبيات وكان مجتهدا في الصياغه اللغوية يصيب ولا يخطيء ومصححا اخطاء القدماء والمحدثين، وكان دائرة معارف متنقلة تمشي على أرجل بما حفظ ووعى من دقائق الأشياء، وله القدرة على الإجابة عن أي سؤال يوجه له في أي وقت، وكنت اشاركه في برنامجه الشيق: قل ولا تقل، وكان يعرف اسماء جميع احياء بغداد في العصر العباسي و مواقع بيوت الخلفاء والوزراء حتى مدراء الشرطه وكنا معا نقدم برنامجا باسم خطط بغداد. وقد كان حياديا فى فكره التأريخي، إذ سما فوق الأهواء حين قال لقد طلقت المذاهب كلها من دون استثناءالى غير رجعة ومع ذلك فان هذا لم يجرده من حبه لآل البيت، الذى هو نهج المذاهب فى جوهرها جميعا، و مهيع كل من يرى ويفسر المذاهب تفسيرا صحيحا، فحبه لآل البيت هو الذى جعله يختار الخليفة الناصر لدين الله المحب لآل البيت مثلا أعلى له، وقد كتب فيه وفى عصره موضوع رسالته للدكتوراه تلك الرسالة التى لم يتح لها مجال المناقشة بسبب قيام الحرب العالمية الثانية".
ويقول عنه الدكتور يوسف عز الدين:
"وجدته يمتاز بأدب جم، وخلق عال سام، وطالما أثر أدبه في كثير من تصرفاته وفي نقده".
ذكر الناقد مثنى كاظم صادق:
"باعتباري ناقداً ارى ان الدكتور مصطفى جواد دخل اللغة عن التأريخ لأنه عندما ذهب الى فرنسا للدراسة في جامعة السوربون، كان يحمل شهادة المعلمين فقط،فلم يتم قبوله وكان عليه ان يقدم بحثاً مع الشهادة لكي يعادل طلب الماجستير، فألف كتاباً اسماه(سيدات بلاط العصر العباسي)، وتحدث فيه عن ابرز نساء ذلك العصر، وهو اشبه بمعجم نسوي فتم قبوله في الجامعة، ثم دخل عن طريق المدن الى اللغة العربية فلا يوجد مؤرخ للمدن والقصبات العراقية الا ويستشهد بالدكتور مصطفى جواد، لأنه كان يعرف ليس تأريخ مدينته –مثلا- بكاملها بل يعرف حتى الفاظ كلمات اهلها، وكان يستهويه تأريخه اللغوي فعلى الرغم من مرور اكثر من اربعين عاماً على رحيله، ما زال اغلب الاساتذة يستشهدون ببعض المفردات التي اوجدها".
[size=32]قل ولا تقل:[/size]
كان العلامة مصطفى جواد يصر على تصحيح ما يتداوله الناس العاديون في الأسواق والاماكن العامة من مفردات وهو يردد : "قل ولا تقل"، اقتحم البيوت في خلواتها، كان حديث البغداديين خاصة والعراقيين عامة،، هو مسكوكة مصطفى جواد: قل ولا تقل. وذلك هو المعنى السياسي للرسالة. لقد نجح نجاحاً منقطع النظير. كان على لسان كل مخلوق في الطبقات الشعبية المسحوقة خاصة: العمال والجنود وسائقي التاكسي وبائعي الخضروات … وقد وصل الى سوق الهرج، يقول الاديب الصديق مالك المطلبي: إذ سمعت شخصياً، وكنت بصحبة الراحل القاص موسى كريدي، أحد بائعي الملابس المستخدمة"المعروفة في اللغة الدارجة باللنكات" يقول وهو ينادي على بضاعته "قل ملابس عتيقة ولا تقل لنكات"!! محاولاً تقليد صوت الدكتور مصطفى جواد، وكذلك من خلال حضورة المستمر في الرنامج التلفزيوني الندوة الثقافية الذي كان يقدمة الدكتور حسين امين وبعدة الاستاذ سالم الالوسي وقد اكسبة ذلك شهرة واسعة في الاوساط الشعبية.
كان الدكتور مصطفى جواد واحداً من الذين كانوا يترددوا على صالون الفنانة القديرة عفيفة اسكندر الفني الثقافي الذي كانت تقيمه، كما كان هناك رئيس وزراء العراق السابق نوري السعيد والوزير الشبلي والنائب السامرائي وجمع من الوجهاء أغلبهم كان معجباً بغناء وثقافة عفيفة اسكندر، كما كان الدكتور مصطفى مصححا لغويا لأغني الفنانة المطربة عفيفة اسكندر منها اغانيها يا حلو يا أسمر و اغنية يا عاقد الحاجبين ولها أيضا اغاني كثيرة باللجهة العراقية منها جوز منهم لا تعاتبهم بعد واغنية حرقت الروح لمن فارقتهم.
من الطرائف التي قيلت عنه:
فى منتصف عام 1960 استدعى الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الدكتور مصطفى جواد والدكتور أحمد سوسة والاستاذ محمود فهمى درويش وطلب منهم تأليف دليل للجمهورية العراقية الفتية، وأن يباشروا بذلك فورا، ووعدهم بمساندته الكاملة لهم فى هذا المشروع الوطني. ويُذكر أن الدكتور جواد تقدم برجاء الى الزعيم فى ذلك الاجتماع أن يضم حرف الجيم فى كلمة (جمهورية) بدلا من فتحه كما كان يفعل الزعيم فى خطبه، فضحك الزعيم وقال انه سيفعل ذلك إذا ما شرح له الدكتور جواد السبب. فكان جواب الدكتور أن أصل الكلمة هى (جُمهور) وليس (جَمهور) لأن وزنه الصرفي هو فعلول. وتم العمل بالدليل وقدم المؤلفون نسخة منه الى الزعيم فى يوم 14 تموز1961.
في يوما ما كان في طريقة الى الجامعة لتأدية عملة وكان مذياع سيارة الاجرة التي كان يستقلها قد بدا باذاعة حلقة من برنامج قل ولا تقل فانزعج السائق الذي كان يجهل شخصية مصطفى جواد واغلق المذياع بانفعال قائلا بلهجة بغدادية
اسكت تنكة، فرد علية مصطفى جواد مباشرة: [size=32]قل صفيحة ولا تقل تنكة.[/size]
اما الصحافي الرائد المرحوم رشيد الرماحي والذي فيه تتعرف على الوجه الآخر لمصطفى جواد، وهو الجانب الطريف المرح في شخصيته
ينقل عن الصحفي المعروف رشيد الرماحي طرفة عن مصطفى جواد قائلاً :
أثناء إجراء لقاء مع طبيبه الخاص الدكتور شوكت الدهان الذي ذهبت إليه في عيادته في شارع الرشيد وحدثني انه كان معجباً كثيراً بشخصية الدكتور جواد وكان يتمنى أن يتعرف عليه، وأنه مرة كان قادماً إلى عيادته فوجد الدكتور جواد يتمشى في شارع الرشيد فتقدم إليه وسلم عليه قائلاً: أنت الدكتور مصطفى جواد وأنا الدكتور شوكت الدهان وأحب أن أتعرف عليك... فاشترط جواد أن يعرف اختصاصه الطبي أولاً ولما أخبره بأنه اختصاص قلب ومفاصل وافق على أن يتعرف عليه.
يقول الدكتور شوكت الدهان: جئنا إلى العيادة، ودار بيننا حديث طويل عن الطب والأدب واللغة.
وفي أثناء هذا الحديث شكا لي الدكتور جواد معاناته من مشكلة عويصة تحولت الى آلام مبرحة في الظهر والمفاصل، وأخبرني أنه راجع العديد من الأطباء من دون أن يفلح احد منهم في إيجاد علاج ناجع، فطمأنته إلى أن ما يعاني منه أمر بسيط ولا يدعو الى القلق، واعطيته علبتين من حبوب (دلتابوتوزولدين) وأوصيته أن يتناول منها ثلاث حبات يوميا، وقلت له إذا شعرت بتحسن فاتركها بالتدريج. وبعد ثلاثة ايام جاءني مصطحبا معه ابنته لأعالجها وأخبرني بأنه تحسن كثيرا، وانه لا يدري لماذا لم يرشده الاطباء الذين راجعهم الى مثل هذه الحبوب. وكررت عليه تعليماتي السابقة بوجوب تركها.
ثم غاب عني لمدة شهرين لم اره خلالهما حتى اتصلوا بي هاتفيا لان صحته متدهورة فذهبت الى داره، وفحصته فوجدته يعاني صدمة وضيقاً في التنفس وألماً شديداً في الصدر، فاتصلت بالاسعاف من فوري، ونقلته الى مستشفى (ابن سينا)
واجريت له تخطيطا للقلب، فلم أستطع أن اخفي عنه شيئا، واخبرته بأنه يعاني من (جلطة قلبية) وكنت أتوقع ان يحزن مصطفى جواد لهذا الخبر وينزعج منه، ولكنه ابتسم وقال:
(قلي: يا دكتور... قل غلطة قلبية... ولا تقل جلطة قلبية)!
وذات يوم كان مسافرا خارج العراق وعند وصوله مطار البلدة التي يروم السفر إليها طلب منه الموظف المسؤول إبراز وثيقة التطعيم ضد الجدري فأخطأ في نطق الكلمة بكسر الجيم ورفع التشديد فرد عليه الجواد قل الجدري برفع الجيم وتشديد الدال فهز الموظف رأسه مستغربا وسمح له بالمرور.
صدر عن وزارة الثقافة والاعلام –دائرة الشؤون الثقافية- الكتاب المعنون" مصطفى جواد وجهوده اللغوية" تأليف الدكتور محمد عبد المطلب البكاء عام 1978، وهو كتاب قيم انصح بقرائته لغزارة معلوماته، كما ألف الدكتور محمد ضياء الدين خليل كتابه "الدكتور مصطفى جواد وجهوده ومنهجه في التحقيق".
عام 1969، كان هناك تمثال عن ثورة العشرين في ساحة مدخل “الخالص”، وتم رفعه ونصبه في احدى المحافظات الجنوبية، ووضع تمثال الدكتور مصطفى جواد بدلا عنه، تمثال عملاق اللغة العربية الراحل مصطفى جواد، قبل فترة صعد إليه من يهشم يده التي فيها القلم، كما يعاني منذ سنين طويلة من تآكل في جوانبه بسبب العوامل المناخية ما قد يؤدي إلى انهياره في أي لحظة، المطلوب من وزارة الثقافة بـ"التدخل العاجل لمنع انهيار التمثال وإعادة صيانته من جديد باعتبارها جهة الاختصاص".
وحينما أسست جامعة ديالى اطلق الدكتور رياض الدباغ رئيس الجامعة اسم العلامة على احدى القاعات تخليدا له.
كان "مصطفى جواد"، الذي قضى معظم حياته للدفاع عن الضاد، العبقري والذكي والطريف. ستظل دراساته اللغوية وفقهها، وتحقيقاته الخططية المتألقة في المواقع والآثار العراقية، ستضل ذكراه باقية لدى العراقيين والعرب، ومن الله التوفيق
سرور ميرزا محمود