مصطلح التماثل
القس لوسيان جميل
مصطلح التماثل
[size=32]التعريف: مما هو معروف ان التماثل Analogieمصطلح يعود الى الفلسفة البنيوية التي تعني بدورها ان عالمنا عالم مادي على شكل منظومة ( مجسمة ) وعلى شكل بنيان له كيان واحد لكن له ابعاد مختلفة، كل بعد منها له طبيعته الخاصة به وله خدمته المتميزة. فوفق هذا التعريف يكون التماثل بين الأبعاد Dimensions فقط وليس بين الكينونات ( منظومات ) الا اذا كانت كينونة معينة تشكل بعدا بدورها لكائن اكبر. هذا، ويمكننا ان نستنتج من كلام العلماء ان منظومات عالمنا هي منظومات كروية او ما يماثل الكرة. سواء كانت هذه الكينونات كبيرة جدا او دقيقة جدا. Macro ou Mini structures[/size]
التماثل والتشابه: ان التماثل الذي نتكلم عنه هو مفردة قريبة من التشابه. لكن التماثل يختلف عن التشابه كثيرا، لأن التشابه هو مجرد شبه بين شيء وأخر وبين حالة وأخرى وبين فكرة واخرى، دون ان تكون بين المتشابهين سوى علاقة سطحية وجزئية ولا يربط بينهما اي رابط حقيقي غير رابط التشابه بينهما، من حيث ما بينهما من تشابه في سيماء وجهيهما وفي طريقة كلامهما وغير ذلك.
اما في حالة التماثل فاننا نجد تشابها اساسيا، او وحدة بين جميع ابعاد منظومة معينة، من حيث ان جميع هذه الأبعاد مرتبطة بالمنظومة ترابطا وجوديا وتشكل وظيفة وجودية لمنظومتها، في حين ان كل بعد يختلف عن الأخر بنوع الخدمة او الوظيفة الوجودية التي يقوم بها، وهذا هو ما يسمى التماثل. اما اختلاف انسان عن انسان آخر فانه يعود ايضا الى ابعادهما عينها، حيث ان كل بعد من ابعاد الانسان الفرد يختلف عن الأبعاد الأخرى، من حيث الوظيفة التي يقوم بها، وبالتالي يختلف اكثر عن اي بعد من ابعاد اية منظومة ثانية لأن ابعاد المنظومتين يبتعدان عن بعضهما البعض بحسب بعد المنظومتين الحياتيتين احداهما عن الأخرى. فنحن في الواقع نعرف ان ابعاد منظومتين يمتان الى بعضهما بصفة القرابة يكونان اقرب الى بعضهما من الغرباء.
الانسان كينونة فريدة: واذن فبحسب تحليلنا البنيوي التماثلي نرى ان كل انسان كينونة فريدة لا مثيل لها في الدنيا. هنا اسمحوا لي قرائي الأعزاء ان اقدم لكم قصة قصيرة عن فتاة دخلت مسابقة مع مجموعة من الفتيان والفتيات الأخرى. المسابقة كانت تقول: اننا نعطي جائزة لمن يأتينا بشيء فريد لا يوجد له ما يعادله او يتساوى معه بشكل كامل في الدنيا كلها. بعد الاعلان عن الجائزة جاء المتسابقون الواحد بعد الأخر وقدموا ما كانوا يظنونه انه لا يوجد له ما يعادله او يساويه في الدنيا كلها. لكن الحكام قالوا لهم جميعا: ان ما اتيتم به يوجد ما يعادله او ما يتساوى معه، وهو الشيء الفلاني والفلاني. واخيرا جاءت بطلة قصتنا، الفتاة الصغيرة وصعدت الى المنصة وهي تبتسم. فقال لها احد الحكام: لا ارى معك اي شيء لا يوجد ما يضاهيه في الدنيا! فقالت الفتاة بل معي ما تطلبونه: انه هو انا ذاتي، فأنا ذاتي لا يوجد ولم يوجد ولن يوجد من هو مثلي ومساويا لي تماما في الدنيا كلها. فصفق لها الحكام واعطوها الجائزة التي كانت تستحقها بجدارة. اما نحن فنقول: نعم ليس في الدنيا كلها، ولم يكن ولن يكون من هو مساو لتلك الفتاة، كما ليس ولم يكن ولن يكون في الدنيا كلها من هو مساو لأي واحد منا نحن البشر. فكل منا انسان فريد لا يوجد من يضاهيه في كل شيء، لا بل ما يضاهيه بأي شيء، علما بأني هنا، لم استخدم مصطلح مثيل، لأننا كبشر كلنا متماثلون مع بعضنا رجالا ونساء صغارا و كبارا.
بعض مقارنات فلسفية: ما اقدمه في هذه الفقرة الصغيرة ليس درسا في الفلسفة، لكنه افكار عن حقيقة الانسان التي يبدو ان السلفية تتجاهلها تماما وتضع عوضا عنها، باسم الاله افكارا غريبة عن عالمنا، وكأنها حقائق لا يجوز التشكيك فيها. فالسلفية وعلى الرغم من ضلالها وتضليلها تريد ان تقنعنا ان افكارها الغريبة والشاذة هي افكار فلسفية فيصير المؤمن بالتالي ملزما بما تقوله العقائد ومضطرا على قبول الفلسفة او الفلسفات التي استندت اليها تلك العقائد التي طلعت علينا مع فلسفاتها المزورة في القرن الرابع الميلادي.
غير ان الذي حدث، وبعد التي والتيّ، وبعد صراعات مريرة، جاء من يشكك بتلك الفلسفات وهو الأرسطي مار توما الاكويني. واعطانا فلسفة ولاهوتا جديدين سمي باللاهوت العقائدي Théologie dogmatique كما سمي باللاهوت المدرسي Classique الذي سيطر على الكنيسة قرابة سبعة قرون. غير ان اللاهوت المدرسي العقائدي خبأ بريقه منذ زمن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، ولم يعد هذا اللاهوت ملزما عند الآباء الدومنيكان انفسهم على الرغم من انهم بقوا يدرسونه كمادة من المواد الأخرى، كما عرفت ذلك من احد رؤساء الآباء الدومنيكان. ففي الواقع، لم يعمل القديس توما اللاهوتي، سوى انه كان قد وضع فلسفته الواقعية Réaliste لشرح العقائد عوضا عن الفلسفة الأفلاطونية الغيبية. لذلك نرى ظهور منهجيات لاهوتية اخرى ارادت ان تحل محل اللاهوت المدرسي سميت باللاهوت المعاصر. اما كاتب هذا المقال فقد رأى منذ زمن طويل بأن تلك المناهج كانت مناهج توفيقية قدرت ان تتخطى المنهج العقائدي الاسطوري، وتضع محله منهجا يعتمد اسس الفكر الانساني. غير ان تلك المناهج لم تقدم لنا لاهوتا علميا على الرغم من معقولية بعض تلك المناهج. مثل لاهوت كارل راهنر ولاهوت شيلبكس. كاتب هذا المقال كانت له منهجية لاهوتية انثروبولوجية علمية مطبوعة منذ بداية القرن الحادي والعشرين.
ثم طلعت علينا فلسفات قدمت لنا نفسها على انها تعطينا المعرفة الحقيقية بعالمنا وبالإنسان. غالبية تلك الفلسفات كانت فلسفات مادية وتحليلية مثل الفلسفة التجريبية وفلسفة جون لوك وديفيد هيوم وغيرهم. اما الصفة الأساسية لتلك الفلسفات فكانت التجربة البرهانية في كل شيء وكانت تعتمد على التحليل المادي حتى كان يدعي بعضهم بقوله: اعطوني طفلا صغيرا وانا اعمل منه ما تريدون. وبما ان تلك الفلسفات لم تنجح طلعت على العالم فلسفة اخرى تسمى الفلسفة الوجودية. اما اهم ما جاء في تلك الفلسفة فقد اختصره فلاسفة الوجودية انفسهم بمقولة: لا يسبق الحرية غير الحرية. وبذا كان الوجوديون يريدون ان يقولوا ان الانسان مشروع وان هذا المشروع يبنيه صاحبه باختياره الحر المطلق طابوقة بعد طابوقة. فلا شيء في زعمهم كان يسبق حرية الانسان: لا الاله ولا الأخلاق ولا التقاليد ولا قواعد المادة الحياتية نفسها.
اما هذه الفلسفة، وبحسب ما اتذكر كانت قد وجدت لها كثيرا من المؤيدين والمحبين. على اساس انها كانت تحل لهم مشكلة الحرية والقدرية ومشكلة الحروب بكونها مساقة بعوامل موجودة في طبيعة الانسان ومفروضة عليه من دون ان يعرف. ثم خبأ بريق تلك الفلسفة التي جعلت الانسان وحيدا في عالمه وكأنه كان ينتمي الى عالم غريب لا يوجد فيه من يساعده. ولذلك كانت تلك الفلسفة قد اوصلت اصحابها الى الغثيان والى اليأس الوجودي.
مقارنة: اما اليوم فان ما اكتبه انما اكتبه كي اعمل مقارنة بسيطة بين تلك الفلسفات والفلسفة البنيوية والتماثل الذي اكتب عنه الان والذي هو فكرة بنيوية ناتجة عن الفلسفة البنيوية نفسها. فالتماثل في الحقيقة يقول لنا، كما ذكرنا ان الوجود منظومات وبنى Structures فيه البنيان نفسه وفيه ابعاده الكثيرة. فالأبعاد تتوحد مع المنظومة وجوديا وتختلف فيما بينها حيث يكون لكل بعد منها طبيعته الخاصة به وخدمته المتميزة، الأمر الذي يجعل كل انسان كائنا فريدا لا يضاهيه انسان آخر.
وحدة وجودية كاملة: وهكذا نجد وحدة وجودية كاملة بين المنظومة Structure وبين ابعادها كثيرة كانت ام قليلة. ومن هنا نجد ان التماثل يختلف عن الفلسفات التي ذكرناها بأنه لا يجزئ او يفكك الانسان ولا يشوه طبيعته، بل يحافظ على وحدته ويرفض التلاعب بها، بخلاف ما تفعله الفلسفات المذكورة. فاذا وجد في الانسان تحليل ودخول الى المنظومة فان هذا الدخول يبقى دخولا ذهنيا فقط، ولا يؤثر بشيء على وحدة الانسان، هذا فضلا على ان الانسان بهذه الوحدة وتنوع الأبعاد يستطيع ان يدخل الى ذاته ويصلح من شأن كل من الأبعاد الضعيفة ومن شان المنظومة كلها بسبب وجود تبادل مستمر او جدلي بينها وبين ابعادها، اي بينها وبين روحها او معناها. فالمادة كما يعلمنا الأب ده شاردن تؤثر على الأبعاد او على الروح، كما ان الروح يؤثر بدوره على المنظومة المادية بحسب فلسفة وعلم الانسان الخاص بالأب المذكور. فالبنيوية اذن تصلح لتقييم كل انسان كفرد فريد واحترام كل انسان بحسب تكوينه الخاص به: رجل – امرأة – مفكر – اجتماعي طفل – مراهق – كهل – شيخ طاعن في السن الخ ... الخ... مع الصفات المتنوعة الأخرى التي يمكن ان يحملها كل من ذكرناهم. هل نحسب حساب المجتمعات على القاعدة نفسها ؟ طبعا هذا هو المطلوب حتى مع المجتمعات.
البنيوية وطريقها الروحاني: في الحقيقة ان البنيوية فلسفة وليست روحانية، لكننا نجد هنا، مع غيرنا ان البنيوية طريق جيد وآمن لروحانية حقيقية خالية من اية اسطورة. فطريق الروحانية المبنية على البنيوية طريق واضح ومفهوم، حيث ينتفي بحسب هذه الروحانية كل استلاب ومن ذلك استلاب الاله السماوي، كما ان الطريق البنيوي لا يبعد الانسان عن انسانيته وان لا يزجه من خلال التضليل في مسالك روحانية غريبة تسمى فائقة الطبيعة Surnaturelles علما بأني لا افهم كيف عرف رجال ديننا ان هناك عالما فائقا للطبيعة يكون على الانسان ان يسلكه كي يصير روحانيا او ينال الخلاص. تقولون أن الايمان هو يعلمنا، واقول: ولكن الايمان لا يعمل ابدا في المجالات الموضوعية، اي في وجود او عدم وجود اشياء او كائنات من اية طبيعة كانت، لأن عقلنا لا يملك مثل هذه الامكانيات او القدرات. ان هذه مسألة مطلقة لا يمكن النقاش فيها. فمن يقول ان الها سماويا موجود او جنة او جهنم او غير ذلك موجودة فان قوله هذا يسمى معتقدا ولا يسمى ايمانا على الاطلاق. علما ان الايمان لا يعمل سوى في مجال المشاعر وليس في غير ذلك. وهنا يهمني ان اقول لغبطته ولسياداتكم ان هذا الكلام مكتوب في كتبي المطبوعة وغير المطبوعة التي تجاهلها الكثيرون منكم، لأنهم لم يستطيعوا ان يمنعوها. اسقف جليل بينكم كان يريد استفزازي وتكفيري قال لي يوما: قس لوسيان هل تؤمن بيسوع المسيح؟ قلت له على الفوز: يا سيدنا اعتقد اني اؤمن بيسوع اكثر منك. وبما اني عرفت ان سؤاله ذاك كان مبنيا على كتابي: كيف نتكلم عن الله اليوم او كان مبنيا على شائعات، كما قد فعل معي اكثر رؤسائي الأجلاء، ففي اليوم الثاني اعطيت لصاحب السيادة ذاك تقييما لكتابي المذكور كان قد عمله الأب ( الآن المرحوم ) كميل حشيمه ووضعه على الصفحة الأخيرة من مجلته مجلة المشرق وكان الأب المذكور مسؤولا عن دار المشرق للكتب. علما بأن ما جاء في ذلك التقييم كان اكثر مما كنت اتمنى. ومن ضمن ذلك ان هذا الكتاب الكبير بحجمة كبير بقدره ايضا. ان شاء الله سأرسل لسياداتكم نسخة ما جاء في ذلك التقييم. وهكذا كنت قد افخمت ذلك الاسقف الجليل عوضا عن ان يفحمني ويجعل مني كافرا وغير مؤمن، لسبب واحد هو اني لا اؤمن بما يؤمن هو معتمدا على الأسماء فقط وليس على حقيقة تلك الأسماء. ومع هذا فانا لا ادخل بالتفاصيل وعلى كل واحد منكم قبل ان يتجاهل ما يكتبه الكتاب الذين لا يسيرون في ركابهم الاسطورية ان يفحص ذاته ليرى اذا ما كان حقا يعرف من هو يسوع وما هي طبيعته وما قيل عن اسباب موته وغير ذلك. من جانبي اتجرأ واقول لكم جميعا كفاكم الكلام باسم اله سماوي لا تعرفون عنه شيئا بسبب اختلاف جوهري بين طبيعته وطبيعتكم وطبيعتنا نحن البشر اجمعين. وكفاكم الكلام باسم يسوع عملت كنيستنا – كنيستكم – على مسخه وجعله من طبيعة ليس لها وجود غير في مخيلة السلفية الانتهازية المتشبثة بامتيازاتها التي لا تعد ولا تحصى. فطبيعة يسوع لا تتحمل ان يعمل منها احد اسطورة. شخصيا اقبل ان يناقشني على ما كتبته في كتابي المذكور وفي كتابي الأخر المطبوع تحت عنوان: منهجية انثروبولوجية علمية خارج الأسوار. وما قد كتبته وانا هنا في دهوك عن الانسان بشكل عام وعن الروح المرتبط بالمادة وعن قواعد هذا الارتباط. الكتابان جاهزان للطبع. الكتاب الآخر هو بعنوان: اوراق فكرية وفلسفية ولاهوتية منثورة، اذا اضفت ما اكتبه لكم في هذه الأيام سوف يكون كتابا ثالثا كاملا هو ايضا.
نداء: اما انتم يا صاحب الغبطة واصحاب السيادة فهل شعرتم يوما انكم تعلمون المؤمنين اساطير حقيقية لا يمكن ان يقبلها العقل الانساني؟ وهل عرفتم انكم في الواقع تعلمون الناس ما جاء في اناجيلنا من كلام شبيه بالتاريخ Para histoire وتفرضونه على الناس كأنه تاريخ ومجريات. وهل لا تعرفون انه لم يعد جائزا ان نقرأ كتبنا المقدسة قراءة حرفية اسطورية كما كان يفعل المسيحيون الأوائل في القرن الثاني الميلادي مثلا؟ مرة اخرى اقول لكم كفاكم استغلال الايمان بشكل غير منطقي وغير حقيقي ومتناقض مع مفهوم الايمان نفسه. وهل تعرفون ان عقائدنا مبنية اساسا على قراءة خاطئة وسطحية وحضارية للكتاب المقدس؟ وان هذه العقائد ليست اكثر من استخدام فلسفة مزيفة في سبيل ايضاح نصوص كتابية خيالية قريبة في ظاهرها من الأساطير، كتب غالبيتها كاتب بحدود القرن الثاني ق. م وقامت بتحويلها الى فلسفة مدارس فلسفية من القرن الرابع الميلادي؟ وهل لاحظتم ان عقائدنا تأتي كلها كسلسلة متماسكة من الأفكار الخيالية التي عدت في زمانها تاريخا يظهر الاله السماوي، اله امة العهد القديم انه هو الذي يصنع التاريخ من اوله الى آخره والى نهاية التاريخ كما نجد ذلك مرتبا فيما يسمى قانون الايمان ترتيبا اسطوريا يبدو وكأن احداثه كلها تاريخ متسلسل بشكل اسطوري عجيب على مفهوم انه لا يوجد شيء عسير عند الله. اما في الحقيقة فلا يوجد شيء عسير عند كتاب الأساطير لأن الخيال يحل كل امر متعسر، كما يحدث عندنا في افلام الكارتون. فاذا كان كل هذا لا يشكل اسطورة فكيف تكون الاسطورة اذن ؟
فائدة التماثل: عندما نطرح سؤالا عن فائدة التماثل يعني ذلك اننا نسأل عن فائدة فلسفة البنيوية نفسها، لأن التماثل ظاهرة من ظواهر طبيعة المادة، ومنها المادة الحية، وبشكل اخص مادة الانسان. فنحن اذا اردنا ان نزور قصرا فنيا مثلا، فاننا لا يجوز ان نكتفي بمشاهدة احد ابعاد ذلك القصر، بل يكون علينا ان نشاهده من جميع جوانبه او ابعاده Dimensions من الخارج والداخل، مع كل ما في ذلك القصر من اساليب معمارية وفنية وما فيه من زخارف ونقوش الخ... حينئذ يمكننا ان نقول بأننا تعرفنا جيدا عن ذلك القصر. هذا فضلا عن معرفة حقيقة الزائر الذي يخبرنا عن ذلك القصر اذا ما كان انسانا عادية ام معماريا كبيرا ام خبيرا فنيا مشهورا.
بين معرفة القصر ومعرفة الانسان: قارئي العزيز! اذا كانت معرفة القصر تتطلب التحليل الشامل لجميع اوجه القصر وأبعاده المختلفة الكثيرة، كشرط اساسي لمعرفة ذلك القصر، فكم يحتاج الانسان الى تحليله ودراسته بعدا بعد آخر من اكبر بعد الى اصغره وادقه. فالإنسان ليس مادة جسمية فقط لكنه يتكون من معاني خفية وروحية مثل الأنا والأنا العليا والضمير والقوى المختصة بعمل الحضارة ومن اللغة ومن كثير من الرموز واخيرا وليس آخرا الانسان فيه الرمز المقدس الذي ينقل البشر من حضارة دنيا الى حضارة اعلى تكون حاجة مقدسة ( ماسلو ) لا يمكن ان يستغني الانسان عنها. فهذا الرمز مثلا هو الذي كشف لهم ان مقدسهم ليس الهة متعددة كآلهة الاشوريين والكلدان، وليس اله امة دينية لكنه مقدس يعده البشر ابا لجميع البشر والأمم. ونسأل ترى هل يمكن للإله السماوي الثابت، ان يظهر للبشر بصيغة بشرية Anthropomorphique ويظهر في كل مرحلة حضارية بصيغة جديدة تختلف عن المرحلة التي سبقتها؟ الا يعني هذا ان مقدسنا الذي نستطيع معرفته هو اصلا قدرة انسانية موجودة عند كل البشر وليس هو اله سماوي؟
تساؤلات: هذا وقد تسألونني عن العلاقة بين التماثل وبين ما كتبته اعلاه، وربما في كل هذا المقال. واجيب باختصار واقول: بما ان التماثل يعني تعدد الأبعاد والقدرات مختلفة الوظائف في خدمة الانسان فان الاكليروس ورموزهم وطقوسهم وفرائضهم ولاهوتهم واعلامهم وغير ذلك الكثير هي كلها وظائف متعددة في خدمة الانسان. لا بل حتى الاله ويسوع والرسل والقديسين والرئاسات هي كلها وظائف مختلفة موجودة في خدمة الانسان ككينونة تحوي كل هذه الوظائف. مما يعني ان كل حياتنا متعلقة بأرضنا وببيئتنا وبإنساننا وما يحتاج من خدمات لينتقل من حضارة الى اخرى، وليس ليذهب الى السماء او الى جهنم. كما يعني ذلك ان اي خلل يصيب الانسان علينا ان نفتش عنه بين ابعاده الكثيرة، الأمر الذي يعني ان علاقتنا الحقيقية كلها ومن ضمنها علاقتنا مع مقدسنا هي داخل كينونة كل واحد منا وكل شعب وامة، حيث يكون علينا ان نعالج ونداوي ونقوي ابعادنا بمجهودنا الذي يدعم ما نكون قد نلناه بالوراثة من آبائنا واجدادنا. وبالتالي فما هو مهم لنا هو حاضرنا ومستقبلنا وليس ماضينا، الا بشكل ضئيل. هذه هي فائدة التماثل. فضلا عن فائدة لاهوتية تجعلنا نميز عند السلفية كلها الدعاء الكاذب بامتيازات الهية من الحقيقة الانسانية الواضحة لجميع الناس.
القس لوسيان جميل
2019