في ذكرى معركة بدر .. فلا نامت اعين الجبناء بقلم:علاء المقدسي
في ذكرى معركة بدر .. فلا نامت أعين الجبناء
في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة , تمكنت الدولة الاسلامية الفتية بقيادة رئيسها الاول وسيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من ان تسجل اول انتصار عسكري سجله التاريخ بماء الذهب , فكان فيصلا بين الحق والباطل , وفرقانا بين قوى الخير وقوى الشر في الجزيرة العربية , وكانت قفزة نوعية ملموسة لهيبة الدولة الاسلامية الاولى اقليميا , وممهدة لدخول الحلبة الدولية سياسيا وعسكريا , فكانت بذلك نصرا وأيما نصر .
وفي خضم الصراعات السياسية والعسكرية التى تلت معركة بدر في الجزيرة العربية وتوسعها لتشمل الدول الكبرى كالفرس والروم , وتحقيق الانتصارات تلو الانتصارات , حتى تحقق للدولة الاسلامية الفتية ما لم يتحقق في التاريخ عبر قرونه الطويلة , فقد استطاعت هذه الدولة وبوقت قصير جدا من هزيمة اعتى قوى الشر في العالم في آن واحد , فمن كان يتوقع لدولة فتية دخلت الحلبة السياسية لفترة وجيزة من ان تقتلع جميع الحواجز المادية التي وضعتها الدول الكبرى في وجه الدعوة الاسلامية , فكانت جيوش قوى الشر منتشرة في العراق وفارس واطراف الجزيرة العربية من جهة , تنهب وتسلب وتظلم العباد وتنشر الفساد تحت سلطة الدولة الفارسية والتى كانت دولة كبرى وقتئذ تزاحم الامبراطورية البيزنطية ( الرومية ) , فكانت جنود تلك الدولة تعد بمئات الالوف , وتملك اعتى انواع الاسلحة الفتاكة , وميزانيات ضخمة لحماية سلطانها واستعمارها للشعوب المقهورة , فسخرت كل عناصر قوتها بهدف الصد عن سبيل الله , ووضعت الحواجز المادية المحسوسة في وجه دعوة الاسلام لمنعها من تحرير الناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد , ومع كل ذلك , وأكثر , فلم تستطع الصمود بوجه الدولة المبدئية والايدي المتوضئة المجاهدة في سبيل الله , فكانت لها الهزيمة النكراء وزال كيانها السياسي الى غير رجعة .
ومن الجهة الاخرى , كانت الدولة البيزنطية ( الرومية ) تتربع على عرش العالم كدولة اولى , فحكمت مساحات شاسعة من العالم , وظلمت وتجبرت بشعوب البلاد التى اكتوت من الاستبداد السياسي والمالي والاضطهاد الاجتماعي والثقافي , فكانت جيوش بيزنطة منتشرة في شمال افريقيا ومصر وبلاد الشام والاناضول وغيرها من البلاد , وكانت لها اضخم الميزانيات العسكرية التى سلبت من قوت الشعوب المظلومة , وكانت سيطرتها على البلاد مباشرة بقوى عسكرية ذاتية , وغير مباشرة عبر حكام عملاء لبعض البلاد الواقعة في اطراف الامبراطورية , وقد سخرت هي ايضا كل قواها من اجل وضع الحواجز المادية في وجه الدعوة الاسلامية لمنعها من الوصول الى الشعوب المقهورة واخراجها من ضنك العيش الى سعته , ومن جور الحكام الى عدل الاسلام , ولم يكن حظها بأفضل من منافستها السابقة ( الامبراطورية الفارسية ) , بل كانت هزيمتها أقوى واضخم , ووقعها السياسي غير من معالم الموقف الدولي وقتئذ , فبهزيمتها اصبحت الدولة الاسلامية الفتية هي المتربعة على عرش الدولة الاولى في العالم , وقد صنعت الدولة الاسلامية ذلك بسرعة البرق في ميزان التاريخ وحركته , واستمر تربعها على رأس العالم كدولة اولى ستمائة سنة متواصلة , وهذا ما لم يحدث في التاريخ قط .
ان كل ذلك قد حدث بقوة الاسلام كمبدأ ونظام حياة , تحمله الدولة الاسلامية للعالم عبر الجهاد في سبيل الله , وتطبقه على رعاياها فينعمون بالعدل والاستقرار والطمأنينة .
وقد برز عبر عصور الاسلام الانفة الذكر أبطالا سجلهم التاريخ بماء الذهب حققوا بأيديهم المتوضئة ما عجز عن تفسيره المحللون العسكريون عبر الازمان , منهم صاحب المقولة التي انتهت بقوله ( فلا نامت أعين الجبناء ) , وهو أبو سليمان ( خالد بن الوليد ) المخزومي , قائد جيوش المسلمين رحمه الله ورضي عنه , والذي كان لمقولته تلك اشارة الى كل من ظن انه بموت قائد مسلم او باستشهاد بطل مجاهد قد يظن جبناء ذلك الزمان انهم قد يستريحوا ويهنئ بالهم , ولكن أنى لهم , فلا نامت اعينهم ولا استراحوا , فأرحام المسلمات قد حملن بصلاح الدين الايوبي والظاهر بيبرس وقطز ومحمد الفاتح وعبد الحميد , وغيرهم الكثير الكثير من ابطال المسلمين , وما زلن ....
فلا يظنن احد ان حالة الجور التى نعيشها تحت حكام الغصب والخيانة , وانتشار الاوساط السياسية الفاسدة واصحاب المصالح المتلونين , والنفاق السياسي وجيوش من العملاء والجواسيس المنتشرين في شتى المجالات والاوساط الاعلامية والثقافية والاقتصادية والحركية والمستغربين وعلماء السلاطين , لا يظنن أحد انها باقية أبدية , بل هي حالة استثنائية تمر بها الامة الاسلامية وهي ترزح تحت نير الاحتلالات العسكرية والسياسية والتبعية المطلقة لقوى الغرب المستعمرة .
ان الحالة الطبيعية لامة الاسلام ان تكون خير امة اخرجت للناس , رائدة الامم , امة سياسية مميزة , تحمل الخير للناس وترشدهم الى سبل الرشاد , وتهديهم الى الحق وتحمل اليهم نورا ربانيا يخرجهم من الظلمات .
ولا يمكن ان يتحقق ذلك الا بوجود الكيان السياسي الشامل , دولة ذات أركان وعناصر قوة متكاملة على رأسها قوة العقيدة الاسلامية كنظام وطريقة عيش , تطبق النظام الامثل للحكم , والنظام الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي , أي ان تستأنف الحياة الاسلامية بشكل جذري , لاستبدال كل ما هو قائم , بما هو أفضل , فيحص انقلابا جذريا بالانظمة واجهزة تنفيذها مما يحقق للرعية العيش المطمئن والسعادة , وتتشكل العلاقات بين الناس وفق احكام الاسلام , مما يضمن الاستقرار والسعادة .
وقيام دولة الاسلام ( الخلافة ) سيكون باذن الله الحدث الاعظم في تاريخ هذه الامة بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم , فدول الكفر وعند هدمها دولة الخلافة العثمانية , ظنت بانه لن تقوم للمسلمين قائمة بعدها قط , بل وعملت وتعمل مباشرة وعبر عملاءها من الحكام الخونة , وجيوش المنتفعين المتلونين , على ان لا تقوم للمسلمين قائمة ابدا , ولكنها باتت تدرك انها فشلت وكان فشلها ذريعا , وبدأت تتجهز لقدوم هذه الدولة العظيمة بفكرها وقوتها العقائدية والعسكرية والبشرية , وادركت ان المسألة هي مسألة وقت , وانها تلعب بالوقت الضائع قبل قيام الخلافة , مع ملاحظة عدم تخليها عن خططها السياسية الهادفة الى محاربة العاملين المخلصين لاعادتها , فالحرب على الخلافة والعاملين لها ظاهرة للعيان من اندونيسيا شرقا الى المغرب غربا , عابرة الشرق الاوسط ووسط اسيا وشبه القارة الهندية واسيا الصغرى وشمال افريقيا ووسطها وجنوب شرق اسيا , ولن انسى ذكر رام الله وغزة تحديدا , والتى ليس لسلطتيها اي وزن سياسي لا دولي ولا اقليمي ولا حتى محلي , ومع هذا فمشاركتهم بمحاربة العاملين المخلصين لاقامة الخلافة ظاهرة للعيان .
ان دولة الخلافة باتت مطلبا للامة الاسلامية , حتى انها وصلت كافة الميادين , ولم يبقى الا ان يخرج رجال من اصحاب القوة والمنعة من جنرالات الجيوش في بلاد المسلمين , يوالون الله عز وجل باعلانهم اعطاء الحزب السياسي الاكبر في بلاد المسلمين , والمتلبس بالعمل الحقيقي والجاد لاستئناف الحياة الاسلامية , اعطاء النصرة لحزب التحرير , ليقود الامة الى تحريرها من ربقة الاستعمار الى غير رجعة , وقلع النفوذ الغربي السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي وكنسه من بلادنا , واستبدال الاوساط السياسية المنتفعة باوساط سياسية تقية نقية تخشى الله عز وجل فينا , فتعود الامة الى سابق عهدها تحت امرة خليفة عادل راشد ينتهج منهاج النبوة في الحكم , فيرضى عنها ساكن الارض وطائر السماء .
هذه ذكرى بدر بالنسبة لنا كمسلمين , انها محرك نفاث للعمل للخلافة , اما قوى الشر .... فلا نامت اعين الجبناء
علاء المقدسي
فلسطين