معركة جنين ١-٤ حزيران ١٩٤٨
اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس
معركة جنين ١-٤ حزيران ١٩٤٨
مقدمة:
1- فلسطين ارض العرب منذ القدم، اغتصبتها الصهيونية العالمية متذرعة بشتى الادعاءات التي لا تمت للصهيونية بصلة وعملت على تثبيت هذه الادعاءات في ضمير وتفكير العالم الغربي وخصوصا بريطانيا وأمريكا فقدمتا التسهيلات للصهاينة واليهود الأوروبيين للهجرة إليها في القرن (19)، كما صدر وعد بلفور المشؤوم عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبعدها وضعت فلسطين عام 1922 تحت الحماية البريطانية حيث تزايدت أعداد اليهود من بضع ألاف إلى ما يقارب الـ (650,000) ألفا عام 1948 وكلهم مسلحون ومدربون على القتال ضمن ما يعرف بمنظمات (الهاغانا) "التي أصبحت فيما بعد الجيش الصهيوني" وعصابات (البالماخ) و(شتيرن) الارهابية.2- وعلى اثر صدور قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود بتاريخ 29/11/1947 من هيئة الأمم المتحدة، وقد رفضه العرب تماماً فيما رحب به الصهاينة المرحلة الأولى من مراحل إنشاء كيانهم. إن الرفض العربي وان كان قوياً في الجانب العاطفي إلا انه كان يتميز بالضعف في الجانب السياسي، لذا لم يتمخض هذا عن موقف سياسي موحد (فاعل وعملي) للعمل على حماية فلسطين العربية.3- لقد صدرت قرارات مجلس الجامعة العربية في (16/3/1948) بإرسال الجيوش العربية النظامية لكل من العراق وسوريا ولبنان ومصر وبعض القوات السعودية والفيلق العربي الأردني بقيادة (غلوب باشا) الانكليزي – وكذلك تم تشكيل جيش الإنقاذ من المتطوعين العرب بقوة ( أفواج كما أنشئت منظمات أخرى عربية داخل فلسطين مثل منظمة الجهاد المقدس، كما قررت الجامعة إنشاء قيادة عسكرية موحدة للجيوش بقيادة القائد العراقي اللواء الركن (إسماعيل صفوت)، وهذا ما سيرد ذكره فيما بعد، إلا أن هذه القيادة بقيت غير مؤثرة، وذلك لعدم توفر الإرادة السياسية لدى الدولة العربية في حينه لتفعيل دورها والتعاون معها. الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة عن حقيقة المواقف السياسية للدول العربية وهل كانت متجهة فعلا نحو حماية وتحرير فلسطين، أم استجابة للضغوط الشعبية الداخلية لامتصاص مشاعرها والقبول بقرارات التقسيم؟ وبكل الأحوال فبما أن الإرادة السياسية كانت غائبة، إذن لم يمكن تفعيل العمل العسكري الجدي في المستويات الإستراتيجية العليا، بل تركت الجيوش تعمل بشكل مستقل، و تم تقسيم مسرح العمليات (فلسطين) إلى قواطع خصص كل قاطع منها إلى جيش أو قوة معينة عربية، وبعدها تركت هذه القوات لتعمل كما تريد دون تنسيق ودون إستراتيجية موحدة.4- وهكذا بدا القتال في (14/5/1948) وكانت الجيوش العربية متفوقة بكل شيء (الأسلحة والتجهيزات والمعنويات) لكنها متخلفة في وحدة القيادة ووحدة الهدف، وانتهت الحرب في عام 1949 والصهاينة متفوقون بكل شيء، وعقدت الهدنة الدائمة، وحل ما حل بفلسطين العربية.5- وضمن هذا الإطار فقد عملت القوات المسلحة العراقية (الجيش، والقوة الجوية، والشرطة الوطنية، والقوة السيارة) بكل ما عرف عنها من بسالة وشجاعة متناهية، وإخلاص وتفان منقطع النظير، فخاضت المعارك العنيفة ضد الصهاينة، وقدمت الشهداء، وحررت أراضي قواطع العمليات المخصصة لها، بل أنها وصلت في تقدمها إلى مسافة لا تزيد عن (6) أميال عن ساحل البحر المتوسط (في منطقة ناثانيا) وكادت تقطع الكيان الصهيوني إلى قسمين، كما سنرى فيما بعد في هذا البحث إن شاء الله، واحتفظت بهذه الأماكن حتى نهاية الحركات في فلسطين، ولم تتمكن القوات الصهيونية من انتزاع أي شبر من هذه الأرض إلا بعد انسحاب القوات العراقية دون توقيع معاهدة لوقف إطلاق النار الدائم مع الكيان، ومن ثم تم تسليم بعض هذه المناطق التي ضحى الجيش العراقي بدماء أبنائه للاحتفاظ بها، إلى الصهاينة دون قتال. فكان الجيش العراقي هو الجيش العربي الوحيد الذي احتفظ بالأرض التي كانت لديه ولم يتمكن الصهاينة من انتزاعها منه ولم يسلمها مطلقا.6- مرت قبل بضعة أيام ذكرى معركة خالدة من اهم المعارك التي دارت في حرب فلسطين عام 1948 والتي دارت بين القوات الصهيونية المعتدية وبين قوات جيشنا العراقي البطل ألا وهي معركة جنين، تلك المعركة التي منعت الصهاينة من احتلال جنين، ومازالت عصية عليهم حتى كتابة هذه الاسطر. وقد جسدت هذه المعركة بطولات جيشنا العراقي البطل وبطولات الاخوة الفلسطينيين المدافعين عن فلسطين عموما ومدينتهم خصوصا، وامتزجت دمائهم الزكية ومازالت قبور الشهداء العراقيين في معركة جنين وغيرها موجودة في جنين ، يزورها ويديمها أهالي جنين الكرام . ان هذا المقال يمثل استعراضا سريعا للمعركة المذكورة، وهو جزء من كتابي الجديد ان شاء الله. نشوب المعركة 7- نشبت هذه المعركة إثر هجوم الصهاينة على قواتنا في بلدة جنين بالساعة (0220) يوم (1/6) لغرض احتلالها وحصر القوة العراقية التي كانت فيها. 8- الرواية الصهيونية: قبل أن نتطرق لسير المعركة وكيفية إدارتها يجدر بنا أن نطلع على ما كتبه الصهاينة أنفسهم عن هذه المعركة ومقدماتها. يقول حاييم هيزوغ بكتابه (الحروب العربية الإسرائيلية). " بعد وصول التعزيزات إلى القوات العراقية، بحيث أصبحت مؤلفة من لوائي مشاة ولواء مدرع، فقد وجهوا يوم (25 مايس) ضربتهم من تلال السامرة عبر طول كرم، وباتجاه البحر المتوسط- وكانت غايتهم شطر الدولة اليهودية إلى شطرين. و تم احتلال قرية (كوليم) اليهودية. وفي يوم( 28/5) وصلت رؤوس أرتالهم المدرعة إلى (غريونا) و(عين فيريد) وهم يندفعون على طريق طولكرم- نثانيا. كما تعرضت ايضاً مستعمرة (كفر جافيتس) أيضاً للهجوم والرمي، ولقد وصلت القوة العراقية إلى مشارف نثانيا وعلى بعد (6) أميال فقط منها ومن ساحل البحر المتوسط. ومن اجل مقابلة هذا التهديد ( لخصر اسرائيل النحيل) قررت القيادة الإسرائيلية أن تشن حملة تهدد بها مثلث نابلس والجناح الشمالي للقوات العراقية. كانت الخطة تقتضي شن هجوم مدبر ومنسق من قبل فوجين من أفواج لواء (غولاني) مع فوجين من أفواج (لواء كرملي) على جنين الواقعة في الزاوية الشمالية للمثلث. ( المخطط -1-) بينما بقدوم لواء (الكسندروني) بشن هجوم تضليلي إلى الغرب مارا بوادي(عارة)، وبذا تُهدد طول كرم. كان الهجوم الشمالي بقيادة المقدم (موشي كرمل) قائد قوات الجبهة الشمالية الإسرائيلية. وهو من الضباط ذوي الخبرة في القتال والذي احتل مدينة حيفا، أما لواء (الكرملي) فكان بقيادة المقدم(مردخاي ماكليف) وهو من الضباط ذوي الخبرة الحربية حيث كان قد عمل ضابطا في اللواء اليهودي العامل ضمن الجيش البريطاني. وبعد الحرب أصبح رئيساً لأركان جيش الإحتلال الصهيوني. وبوشر بشن الهجوم الإسرائيلي ليلة (31 مارس/1حزيران)، حيث تمكنت قوات لواء الغولاني من احتلال القرى على سلسلة جبال (كيلوبا) شمال شرق جنين. كما احتلت (زرعين) بالوقت نفسه، كما احتلوا (مجيدو)، و(اللجون)، وكان على لواء (الكرملي) ان يتخلل خطوط لواء (غولاني) من الشمال ويسيطر على بلدة (جنين) من الجنوب الغربي والجنوب الشرقي. لقد كانت المقاومة العراقية لهجوم لواء كرملي قوية جداً، كما تمتعت بإسناد القوة الجوية العراقية، ولم تتمكن المدفعية الإسرائيلية المتيسرة وهي مدافع عيار (65 ملم) أن تصل بمدياتها لضرب مناطق تحشد الإحتياطات العراقية التي تتهيأ للهجوم المقابل. ولقد أثرت حرارة الشمس العالية وعدم قدرة الجنود الإسرائيليين على حفر الخنادق الشقية في الأرض الجبلية الصخرية، على امكانية الجنود في الاحتفاظ بمواضعهم في الأرض المرتفعة غرب جنين. ومع ذلك فقد تمكنت قوات لواء (كرملي) من دخول جنين في الساعات الأولى من يوم (3/حزيران)، فزج العراقيون بالتعزيزات التي بدأت تظهر تأثيراتها في الميدان. وكانت هذه صفحة حرجة في المعركة، والتي كانت ستؤدي للنصر لو تمكن لواء (الكسندروني) من تنفيذ واجبه في الهجوم التضليلي كما في الخطة. إلا انه لم يتكمن من تنفيذ ذلك الهجوم الذي كان مصمما لشطر القوات العراقية إلى شطرين. ادى فشل هذه العملية إلى تحرج موقف لواء (كرملي) في (جنين)، علاوة على الحرارة الزائدة وعطش الجنود وشدة قصف المدفعية العراقية ودقتها، وتدخل الطائرات العراقية في المعركة. يضاف إلى كل ذلك وصول رتل عراقي جديد (غير معروف) إلى منطقة المعركة، كل هذا أدى إلى تدهور الموقف، الأمر الذي أدى بالعقيد (كرمل) لان يطلب من القيادة العامة الموافقة على الانسحاب، لأنه لم يعد من الممكن البقاء هنا. وقدسُمح له بذلك ، فانسحبت القوات من جنين بعد تكبدها خسائر فادحة جداً. وهكذا ضاعت على إسرائيل فرصة ثمينة في الحصول على موطئ قدم في سفوح جبال السامرة، مع احتمال إعادة القوات العراقية للخلف وبالتالي توسيع (خصر) إسرائيل عند المنطقة الساحلية، وذلك بسبب فشل قوات (الكسندروني) في تنفيذ مهماتها ، وبسبب أسلوب القيادة الجامدة وعدم تحليها بالروح التعرضية. وكان هذا هو السبب في فشل إسرائيل في احتلال نابلس أو إحداث أي تغيير في خطوط الجبهة العربية ( العراقية) المشرفة على المنطقة الساحلية. مخطط رقم -1- ( نقلا عن كتاب حاييم هيرتزوغ) يبين حركة القوات الصهيونية من العفولة يوم 28/ مايس نحو جنين ومن ثم وصولها الى جنين يوم 2 مايس ومحاولة احتلالها وحصر القوة العراقية التي كانت تقوم بحمايتها، ثم الهجوم المقابل العراقي واستعادتها من خلال معركة دامت حتى يوم 4 حزيران 1948
9- احداث المعركة فعلا: نعود الآن إلى استعراض إحداث هذه المعركة الخالدة كما حدثت فعلا وكما روتها المصادر العراقية، وأهمها ما ذكره اللواء الركن خليل سعيد في كتابه (تاريخ حرب الجيش العراقي في فلسطين) (المخطط رقم- 2 - ) فبعد انفتاح مقر القوة الصهيونية في زرعين ليلة (1 حزيران) وصمود القطعات العراقية المحيطة بجنين من أماكنها طيلة يومي (1و2 حزيران) ولاسيما قوات الراقم (152). اضطرت سرايا قوات رتل أسد وهو رتل المقدم نوح الجلبي، إلى الانسحاب وقبول الحصار في قلعة جنين بعد أن صمدت بوجه قوات تفوقها عددا ثلاث مرات، واستطاع العدو دخول جنين يوم (3حزيران).
المخطط رقم (2) تحشد الصهاينة في زرعين وهجومهم على جنين يومي 1 و2 حزيران 1948
10- الهجوم العراقي المقابل واستعادة جنين
أ- كان الفوج الثاني لواء الخامس (ف2ل5) وهو من وحدات الجحفل الرابع الذي كان مؤلفا من مقر اللواء الرابع والفوجين الأول والثاني لواء الرابع زائدا افوج الثاني اللواء الخامس، وقد وصل توا إلى فلسطين حيث وصل نابلس يوم (1/6) ووصل باقي الجحفل يوم(2/6) إلى نابلس، وقد كانت القيادة العراقية قد كلفته أي (ف2ل5) بتسلم قاطع (قلقيلية – كفر قاسم- رأس العين) ومن ثم فكرت باشتراكه ضمن الجحفل الرابع في خطة الهجوم على (كفريونا-ناثانيا) المشار إليها سابقاً، والتي ألغيت بعد صدورها بسبب تطور الأوضاع على جبهة جنين كما سبق أن بينا. الأمر الذي جعل القيادة العراقية تصدر الأمر إلى (ف2ل5) وآمره (المقدم الركن عمر علي) بالتحرك فوراً إلى (جنين) ومعه بطرية مدفعية (25 رطلا) ومدرعتان. وفعلا فقد تحرك هذا الفوج البطل واشتبك بمعركة ضاربة مع العدو في الساعات الأولى ليوم (3/6) على التلول الكائنة جنوب بلدة جنين. وبعد ذلك أصدرت القيادة أوامرها إلى باقي الجحفل الرابع للتقدم وطرد العدو من داخل بلدة جنين وفك الحصار عن الفوج الآلي الموجود في قلعة جنين. (راجع المخطط -2-).
ب- تحرك جحفل الرابع بقيادة (العقيد الركن صالح زكي توفيق) (ناقصا ف1 ل4) على طريق نابلس – دير شرف- جنين وابقي (ف1ل4) في منطقة نابلس كاحتياط وبانتظار أوامر أخرى. وصل مقر اللواء (الجحفل)إلى مكان (ف2ل5) (عمر علي) وأعقبه (ف2ل4) وأمره المقدم (يونس شليمون) وقد كلف فوج يونس شليمون بمراباة الطريق لتأمين حماية تنقل باقي القوة.
11- معركة يوم (3/6) :
أ- كان وصول الجحفل الرابع بالساعة (0930) الذي تزامن مع إكمال انفتاح (ف2ل5) (عمر علي) وبدء اشتباكه بالعدو على التلول المشرفة على جنين، وبدء بطرية (25 رطلا) بقصف العدو هناك، كما شاركت هاونات الفوج (3 عقدة) ورشاشات (فيكرس) بصب نيرانها عليه. وهنا طلب (عمر علي) من آمر اللواء العقيد الركن صالح زكي توفيق، أن يعزز جناحه الأيسر بسرية مشاة لطرد العدو من الأرض المشجرة المشرفة على قرية (بركن) وفعلا فقد تم ذلك، وزاد عليه بأن أرسل سرية أخرى لحماية الجناح الأيمن لفوج (عمر علي)، وكانت كلتا القوتين سريتين من فوج المقدم (يونس شليمون) (ف2ل4).
ب- استمر فوج (عمر علي) (ف2ل5) بالقتال ضد العدو وتمكن من طرده من قمم التلال ثم هاجم مواضعه الخلفية، وبالساعة (1130) وصلت رسالة من عمر علي إلى مقر الجحفل تقول (نحن على الجبال نحتاج إلى مدرعات لستر الجناح الأيمن). كما قامت بطرية (25 رطلا) بصب نيرانها على مواضع العدو بناء على طلب آمر الفوج الآلي (نوح الجبلي) المحصورة حتى الآن داخل القلعة. واستمر القتال شرساً، وطلب (ف2ل5) اسناداً جويا قريبا لقصف التجمعات المعادية في الراقم (152)حيث بينت رسائل العدو المسترقة انه أصيب بخسائر فادحة، حيث فقد حتى ذلك الوقت (42) قتيلا و(48) جريحا. ويقول (خليل سعيد) انه من تقارير (ف2ل5) فقد قدرت قوات العدو بـ(4000) مقاتل. ويبدو ان هذا الرقم قريبا من الرقم الذي حشده الصهاينة وهو أربعة أفواج كما سبق أن بينا في المادة (36) وهنا قام آمر الجحفل الرابع بطلب حركة (ف1ل4) من (نابلس) لزجه في المعركة وتعزيز النجاح المتحقق حتى الآن (ويبدو أن هذه هي القوة غير المعروفة التي أشار إليها هيزوغ بكتابة وكما اشرنا إليها سابقا.
جـ - استمر القتال بعد الظهر بعنف بين العدو (ف2ل5)، اضطر العدو بعدها إلى الانسحاب، لكنه دفع قوات غيرها للأمام تعزيزاً. وبالساعة (0160) أصدر آمر الجحفل الرابع أمره بتمسك القطعات بالأماكن التي وصلت إليها مع الاستمرار بقصف العدو ومشاغلته بالنار ريثما يتم التهيؤ لشن هجوم (فجري) يوم (4/حزيران) لتعزيز جوانب النصر في المعركة.
12- معركة يوم (4 حزيران ) وطرد اليهود من جنين
أ- بالساعة (1230) يوم (4 حزيران) قام (ف2ل5) (فوج عمر علي) بالهجوم على العدو في التل الأجرد المشرف على البلدة وتمكن من احتلاله بالساعة (0300) وبذا انهارت آخر مقاومة للعدو.
ب- قام آمر الجحفل بإرسال المدرعات على الطريق لدخول بلدة جنين، كما كلف سرايا (ف2ل4) الموجودة يمين ويسار الطريق العام بالتقدم، ومع انبلاج الضياء الأول ليوم الجمعة (4/حزيران) وصلت سرية (ف2ل4) إلى مدرسة جنين عن طريق بيت (قاد). وقد انهزم العدو الصهيوني شر هزيمة تاركا جثث قتلاه (وهو مالا يفعله عادة) وأسلحته المهانة في ميدان المعركة، وتم فك الحصار عن الفوج الآلي في قلعة جنين قبل موعد صلاة الجمعة بنحو ساعة واحدة.
13- الهجوم الصهيوني المقابل
أ- شن اليهود هجوماً مقابلا عنيفا ليلة (4/حزيران) من اتجاه التلول وباستقامة طريق اللجون جنين باستخدام أعداد كبيرة من المشاة، إلا انه تم صده باستخدام أم جحفل اللواء الرابع لنيرانه الدفاعية المنسقة، فانسحب العدو وتكبد خسائر كبيرة في الميدان، حيث وجدت (36) جثة من قتلاه في المواضع قريبا من الجسر على الطريق.
14- الخسائر:
أ- كانت خسائر الصهاينة في هذا القتال فادحة كما اعترفوا هم أنفسهم وبما يزيد عن (200 ) قتيل و (150) جريحا مع عدد كبير من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والأجهزة الاسلكية.
ب- أما خسائرنا فكانت خمسة شهداء وخمسة وعشرين جريحا من الجحفل الرابع وضابط شهيد و(12) مراتب من الفوج الآلي مع (22) مراتب من الجرحى في الفوج.
الخاتمة
15- لقد كانت هذه من اعنف معارك حرب فلسطين بأجمعها. وقد دارت بين قوات غير متكافئة عددياً، إذ أنها دارت على مستوى (قيادة الجبهة الشمالية) الصهيونية بأجمعها وزجت فيها قوات تقدر بأكثر من فرقة (ثلاثة ألوية هي الغولاني والكرملي والكسندروني) بينما دارت من الجانب العراقي بمستوى (جحفل لواء مشاة) واحد فقط وهذا مما يبرز شجاعة وإقدام الضباط والجنود العراقيين. ومن الناحية الأخرى فهي معركة نموذجية من الجانب العراقي شاركت فيها المدفعية بكل تأثير، وهذا ما تكرر في كافة المعارك، إذ كانت المدفعية العراقية البطلة مؤثرة جدا، وهو ما اعترف به الصهاينة أنفسهم كما شارك فيها (الصنف المدرع) (بمدرعاته من كتيبة مدرعات خالد) وبكل كفاءة. كما برز فيها دور (القوة الجوية) العراقية الباسلة وصقورها الميامين حيث شاركت بتقديم شتى أنواع الإسناد الجوي القريب، والمؤثر والاستطلاع المسلح، وغيره، وهو ما أشار إليه الصهاينة أنفسهم إن هذا يدل على شجاعة الجنود العراقيين وبسالتهم وعلى كفاءة الضباط والمقرات العراقية وهيئات ركنها، التي تمكنت من إدارة معركة صنوف مشتركة مثالية، أدت إلى دحر قوة متفوقة عليها، وهذا يقودنا إلى ما قلناه في بداية هذا البحث، إن القوات العراقية خاصة، والعربية عامة، لم تسنح لها الفرصة لإظهار كل إمكاناتها وبسالتها في القتال وذلك بسبب افتقارها إلى عنصر القيادة الموحدة أو المنسقة على اقل تقدير، الأمر الذي أدى إلى ما أداه من نتائج سوقية وجيوبولوتيكية من جراء خلق الكيان الصهيوني وزرعه في قلب الوطن العربي.
ابطال معركة جنين من اليمين / اول عبد الرحمن عبدالله، الرئيس ( النقيب) رشيد سعيد ، المقدم الركن عمر علي في الوسط ، الرئيس ( النقيب) بدر الدين علي ، م أول خضر محمد، م أول محمد يحي الصائغ بعد المعركة مباشرة ويظهر خلفهم علم الفوج الأول الثاني اللواء الجبلي الخامس
جانب من مقبرة شهداء الجيش العراقي في جنين كما هي عليه اليوم قصيدة جنين
هذه القصيدة كتبها اللواء الركن محمود شيت خطاب الموصلي ( بتاريخ 26/04/1949 ، وكان أحد ضباط الجيش العراقي الذين اشتركوا في معركة جنين في فلسطين عام ١٩٤٨.
ألقاها بعد أن دفنوا شهداء الجيش العراقي وعددهم ٢٠٧، وبعد أن صدرت الأوامر لهم بالانسحاب، فنظر إلى القبور، وبكى، وقال مخاطبًا الناس المجتمعين لوداعهم:
هـذي قبـور الخـالـديـن فقد قَضَوا
* شهداءَ حتى أنقذوا الأوطانا
قـد جـالـدوا الأعداء حتى استُشهدوا
*مـاتـوا بسـاحـات الـوغى شجعانا
مـاتـوا دفـاعًا عـن حياضٍ دُنِّسَتْ
* بأحطِّ خلق الله فـي دنيانا
الـمخلصـون تسـربـلـوا بقبورهم***
والخـائنـون تسلّمـوا البنيانا
أجِنـيـنُ إنكِ قـد شهدتِ جهادنا
* وعـلـمتِ كـيف تسـاقطتْ قتلانا
ورأيـتِ معـركةً يفـوز بنصرها
* جـيشُ العـراق وتُهـزم «الهاجانا»
أ«جنـيـنُ» لا أنسـى الـبطـولةَ حيّةً
* لـبنـيكِ حتى أرتدي الأكفانا
إنـي لأشهد أن أهلكِ كافحوا
* غَزْوَ الـيـهـود وصـارعـوا العدوانا
فإذا نُكِبتِ فلستِ أوَّلَ صارمٍ
* بـهظته أعبـاء الجهـاد فَلانا
أجنـيـنُ يـا بلدَ الكرام تجلّدي
* مـا مـات ثأرٌ ضرَّجته دِمانا
لا تأمـنـي غدرَ الـيـهـود بعيدنا
* جُبـلـوا عـلى لؤم الطّبـاع زمانا
الـمـجـدُ للـبـلـد الـمـنـاضل صابرًا
* حتى ولـو ذاق الردى ألوانا
لا تعذلـوا جـيش العراق وأهله
* بـلـواكـمُ لـيست سـوى بلوانا
إن السِّنـان يكـون عند مكبَّلٍ
* بـالقـيـد فـي رجلـيـه لـيس سنانا
مَرْجُ ابنِ عـامـرَ ضرَّجته دماؤنا
* أيكـون مُلكًا للـيـهـود مُهَانا
الـمسجـدُ الأقصى ينادي أمّةً
* تـركتْه أضعف مـا يكـون مكانا
إنـي لأعـلـم أن دين مُحَمَّدٍ
* لا يرتضـي للـمسلـمـيـن هَوانا
إن الخلـودَ لـمـن يـمـوت مجاهدًا
* لـيس الخلـود لـمـن يعـيش جبانا
رحم الله اللواء الركن محمود شيت
خطاب (1338 - 1419 هـ)،( 1919 - 1998 م) وجميع الذين اشتركوا في معارك الإسلام الفاصلة ضد أعدائه.